استدعى صاحب برنامج «لاباس» على قناة التونسية يوم السبت5 جانفي السيد منار الاسكندراني المسؤول في وزارة الشؤون الخارجية والإسلامي الذي فر من تونس أيام النظام السابق والعائد اليها من البرازيل عقب قيام الثورة لمحاورته حول مسائل مختلفة، وبسؤال الرجل حول ما يروج حوله من أنه متزوج باربع نساء أنكر ذلك وقال إنه في نظر القانون التونسي مطلق الا انه أشار أمام دهشة الجميع الى امراة لم تظهرها الكاميرا معتبرا اياها زوجته ولكن من دون عقد زواج مضيفا ان هذه العلاقة من حقه وأن القانون التونسي لا يجرم ذلك كما دعا من بين المتفرجين ولدا صغيرا اجلسه على ركبتيه هو ابنه من هذه العلاقة. ولم يعلق مقدم البرنامج الذي تعامل مع حديث ضيفه بشيء من البلاهة العفوية او المتعمدة بأكثر من جملة «دخلتني من الباب خرجتني من خوخة». فهل يمثل كلام السيد الاسكندراني اقرارا صريحا بجريمة الزواج على غير الصيغ القانونية؟ وهل هذه العلاقة من حقه كما يدعي؟ وهل ستثير النيابة العمومية الدعوى ضد المعني بالأمر وقد حصل لها العلم بلا شك مثل كثير من التونسيين بما صرح به كما يجيز لها ذلك الفصلان 21 و23 من مجلة الاجراءات الجزائية. للاجابة عن هذه الاسئلة يجدر بنا أولا توضيح بعض المسائل التي سمحت للسيد الاسكندراني بالاعتراف أمام الملايين من التونسيين بما يمثل بلا شك جريمة يعاقب عليها القانون التونسي. الجرائم الجنسية بين الفقه الشرعي والقانون الوضعي لقد استنكرالاسلام كل علاقة جنسية خارج إطار الزواج مصنفا اياها في عداد الفواحش والزنا بدليل القول القرآني» ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا» ( الإسراء 32) وسلط على مرتكب الزنا أشد العقوبات بوصف الزنا من اكبر الكبائر وتختلف العقوبة المقررة في الفقه الاسلامي عن اقتراف الزنا حسبما كان الزاني بكرا اومحصنا فاذا كان زنا البكر الذي لم يسبق له زواج سواء كان ذكرا او انثى عوقب بالجلد مائة جلدة واذا زنى المحصن الذي سبق له الزواج سواء انحل او لم ينحل فعقوبته الرجم حتى الهلاك. ولئن تأثرالمشرع التونسي في مجلة الاحوال الشخصية وفي المجلة الجزائية من حيث اعتبار الزواج الاطار الامثل لتلبية الرغبة الجنسية وتصريفها فانه اختلف عنه اختلافا جوهريا في تكييف الجرائم وليدة العلاقات الجنسية غير القانونية وفي تحديد الجزاء عن ارتكابها ومن أهم الاختلافات هو الاختلاف في اعتبار جريمة الزنا التي ارتبطت في القانون التونسي بخلاف الفقه بالخيانة الزوجية حصرا وهي وليدة علاقة جنسية بين رجل وامراة كان أحدهما او كلاهما مرتبطا بزواج رسمي مازال قائما مع الغير على معنى الفصل 236 من المجلة الجزائية. فاذا استثينا جريمة الزنا كما يحددها المشرع التونسي وإذا استثنينا أيضا الجرائم الجنسية الأخرى التي تقع تحت طائلة القانون والقائمة على المثلية أو الاستكراه فقد صنف المشرع التونسي العلاقات الجنسية القائمة على الرضا ولكن غيرالقانونية بين الرجل والمراة الى أنواع مثل جرائم الزنا بالمعنى الذي وضحناه والزواج على غير الصيغ القانونية وجريمة البغاء السري والمشاركة فيه وجريمة المواقعة بدون قوة او بالرضا لفتاة قاصرة. وما يسترعي انتباهنا هنا في تبين العلاقة بين الفقه والقانون هو ذلك المزج بين فكرة تجريم العلاقة الجنسية في الحالات المذكورة وعدم تجريمها في حالة قيامها بشكل عرضي وبالرضا بين شخصين راشدين غير متزوجين وذلك بخلاف الفقه الشرعي . وقد يكون هذا المعطى ساهم مع جملة معطيات أخرى اجتماعية واقتصادية معقدة في انتشار ظاهرة ممارسة الجنس من دون زواج في تونس وقد أشارت دراسة للديوان الوطني للأسرة والعمران البشري عام 2007 الى أنّ 80 في المائة من الشبّان وقرابة 70 في المائة من الشابات في تونس يمارسون الجنس من دون زواج، غير ان المشكلة هنا هو التمييز بين العلاقة الجنسية خارج اطار الزواج وهي الوضعية التي يبدو ان الاسلاميين انفسهم قد استفادوا منها والزواج بخلاف الصيغ القانونية. وهذا الغموض أحيانا في التمييز بين الحالتين هو الذي جعل محاكمنا تنفرد بمشاهد غريبة تلك التي تجمع في أكثر من مناسبة بين الادعاء والقضاء من جهة والمحامين وبعض الشباب الموقفين من السلفيين خاصة من جهة أخرى، فالادعاء يحاول جاهدا إلصاق تهمة الزواج «على خلاف الصيغ القانونية « بالمتهمين والدفاع يجتهد في إقناع هيئة المحكمة بأنّ علاقة موكله بموكلته هي علاقة رجل بعشيقته مما يجعلها تدخل في باب الحرية الشخصية. علاقة حرة أم زواج على غير الصيغ القانونية؟ لا شك أن السيد الاسكندراني له علم مثل غيره من الاسلاميين من الاتجاه السلفي او غيره بمثل هذه الفروق بين الفقه الاسلامي والقانون الوضعي التونسي ولذلك يوهم محدثه انه من حقه ان يعاشر من النساء من يشاء وبالعدد الذي يريد وبالصيغة التي يختار على اعتبار ان ذلك يدخل في باب الحرية الشخصية. فهل ذلك صحيح؟ أن شروط صحة عقد الزواج وفق القانون التونسي تتمثل في توافر السن القانونية للطرفين، ووجود الشهود والإشهار مع إثبات هذا العقد في السجلات الرسمية لدى عدول الإشهاد أو ضبّاط الحالة المدنية في البلديات.. ويجرّم القانون التونسي كلّ صيغ الزواج التي لا تستجيب للشروط القانونية والمدنية، معتبراً إياها باطلة لكونها «زواجاً على خلاف الصيغ القانونية» ومن أهم شروط صحة الزواج حسب القانون الوضعي التونسي الذي ورد في مجلة الأحوال الشخصية» والتي تعتبر المرجعية القانونية الوحيدة لإتمام مراسم الزواج، هو توفر السن القانونية للقرينين، ووجود الشهود والإشهار، والأهم من ذلك هو إثبات هذه العملية في سجلات رسمية عن طريق أطراف مخولة قانونياً لذلك، مثل عدول الإشهاد وضباط الحالة المدنية، وأي صيغة زواج لا تستجيب لهذه الشروط القانونية والمدنية تعتبر باطلة باعتبارها «زواجاً على خلاف الصيغ القانونية»، وهو ما يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. ومن الثابت ايضا قانونا وعادة ان الزواج سواء كان شرعيا او مخالفا للقانون يجب ان تتوفر فيه شروط اهمها استقرار القصد والنية لدى الزوجين على الارتباط والتراكن وبروز هذا القصد في مختلف المظاهر الدالة عليه التي منها المعاشرة او المساكنة وهذا ما قصده الفصل 31 من مجلة الحالة المدنية الذي أوضح طريقة ابرام العقد ورتب الفصل 36 من نفس القانون جزاء لمن يتزوج على خلاف الصيغ القانونية وكل زواج قانونيا كان أو غير قانوني ينبغي ان تتوفر فيه المقومات المادية حتى يعتبر زواجا. وأنه خلافا للمجتمعات الغربية التي تبيح العلاقات الحرة بين الجنسين ولما هو موجود في الشرق من نكاح عرفي فان المشرع التونسي اشترط لصحة عقد الزواج توفر جملة من الشروط الجوهرية والشكلية من دونها تبقى العلاقة بين الرجل والمراة انحرافا باطلا وموجبا للردع. ويتضح مما ذكر وبشهادة السيد الاسكندراني ان العلاقة التي أقامها هي من نوع الزواج بخلاف الصيغ القانونية بجميع مقوماتها كالديمومة والمساكنة والاشهارأضف الى ذلك وجود أبناء مع الاعتراف صراحة بقيام علاقة سماها زوجية، فما الذي يجعل رجلا اسلاميا يدلي بمثل هذه التصريحات التي تعد جريمة بلاشك في نظر القانون التونسي؟. هل نحن أمام زواج عرفي ؟ يبدو السيد الاسكندراني مطمئنا جدا الى سلامة موقفه وسلوكه مع الله والقانون ولكن كيف ذلك؟ لا شك لدينا ان صاحبنا يقيم علاقة من نوع الزواج العرفي رغم انه لا يعترف بذلك وهو ما يجعله خارج منطقة الزنا بالمفهوم الشرعي لاعتقاده بصحة وسلامة هذه العلاقة من الناحية الدينية الشرعية. هذا من ناحية ومن ناحية يعتبر علاقته بالمرأة التي يعاشرها معاشرة الازواج وبالنظر الى القانون التونسي الجاري به العمل ممارسة لحرية شخصية، وهي قراءة مغلوطة سبقته اليها السيدة سهام بادي وزيرة المرأة في الحكومة المؤقتة، بتصريح لصحيفة محلية قالت فيه إن الزواج العرفي «حرية شخصية» ورغم أن الوزيرة تراجعت في وقت لاحق عن هذه التصريحات التي «أُسيء فهمها»، على حد تعبيرها، وصحّحتها بتصريحات أخرى أكدت فيها أن الزّواج العرفي غير جائز شرعا وقانونا، إلا أن الجدل حول الموضوع تواصل سيما بعد نشر وسائل إعلام أجنبية ومحلّية تقارير حول انتشار الزواج العرفي في تونس. ولكن ماهو الزواج العرفي ؟ يُعرّف الزواج العرفي بأنّه زواج يشهده الشهود والوليّ في بعض الحالات، ولكنه لا يوثّق توثيقاً رسمياً في المحكمة بمعنى أنه ليس زواجاً مدنيّاً موثقاً ومُعلناً، ويتمّ عن طريق كتابة عقد غير قانوني بين طرفين، بحضور شهود أو غيابهم أحياناً، ولا تترتّب على هذا النوع من العقد نفقة وليس للزوجة أي حقوق قانونية لدى الزوج أثناء الزواج وبعد الطلاق. والزواج العرفي نوعان، العلني وهو ما كان معمولاً به إبّان بدايات الدعوة الإسلامية وفي بعض البلدان العربية الى حد الان وفي تونس ما قبل الاستقلال، ولكن إثر صدور مجلة الأحوال الشخصية عام 1956 طالبت الحكومة التونسية جميع المتزوّجين زواجاً عرفياً بتوثيق عقودهم رسمياً.. والنوع الثاني هو سري فقد اظهرت دراسة ميدانية أكاديمية أن ظاهرة الزواج العرفي السري انتشرت بنسبة 80 بالمئة في صفوف الطلبة السلفيين بالجامعات التونسية وبنسبة 20 بالمائة في صفوف الطلبة المتعاطفين معهم في ما طفا موضوع الزواج العرفي على رأس القضايا الاجتماعية التي أثارت جدلا حادا في أوساط المثقفين والسياسيين والإعلاميين نظرا لخطورته، وقالت الدراسة التي أعدها اخيرا مجموعة من طلبة المرحلة الثالثة يدرسون في خمس كليات، إن 70 في المائة من مجموع الطلبة المستجوبين الذين يدرسون في نفس الكليات يرفضون الزواج العرفي في ما أجاب 30 بالمائة أنهم يقبلون به، ولاحظت الدراسة أن نسبة 30 بالمئة من الذين يؤيدون الزواج العرفي هم من الطلبة السلفيين ومن المتعاطفين معهم من الاسلاميين. الزواج العرفي جريمة يعاقب عليها القانون الزواج العرفي مجرّم في القانون التونسي حسب القانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرخ في غرة أوت 1957 والمتعلّق بتنظيم الحالة المدنية. فقد جرم القانون المشار إليه بفصله 36 الزواج بخلاف الصيغ المحددة بالقانون. فإضافة إلى بطلان الزواج الذي لا يبرمه من تمت الإشارة إليهم يعاقب الزوجان بالسجن مدة ثلاثة أشهر، وإذا استأنف أو استمرّ الزوجان في المعاشرة رغم التصريح بإبطال زواجهما يعاقبان بالسجن مدة ستة أشهر. وبناء على اعتراف السيد اسكندراني بزواجه على غير الصيغ القانونية فاننا نتساءل حول ما اذا كانت النيابة العمومية ستقوم بتتبعه وفق ما تسمح له بذلك مجلة الاجراءات الجزائية وهي التي فتحت تحقيقا على الشبهة ضد الهيئة العليا للانتخابات وانطلاقا من تقرير اولي مسروق من دائرة المحاسبات وما راي الجمعيات النسوية في تصريحات السيد الاسكندراني ؟ مهما يكن من أمر فان الرجل ما كان له أن يعترف بما اعترف به لولا علمه بتهاون «السلطة الإسلامية» في تونس في تتبع مثل هذه الجرائم. ولا ريب ايضا أنّ تفاقم ظاهرة الزواج العرفي في تونس واعتراف البعض بذلك جهرا، نتاج طبيعي لصعود الحركات الإسلامية الى الحكم. ان تسامح حكومة الترويكا مع الجماعات الإسلامية وخصوصاً منها السلفية أو الجهادية التي لا تعترف بالقانون «الوضعي»، هو السبب الرئيسي في تزايد عدد مثل هذه الزيجات، في غير الأطر القانونية. فهل يكون هذا التسامح مقدمة لتشريع تعدد الزوجات وهو جوهر الموضوع ولبه الذي يبدو ان البعض يريد فرضه على المجتمع التونسي مستغلا طبيعة القانون الوضعي الذي ينكره ولكن يتحيل عليه ويستفيد منه فيعدد الزوجات خارج القانون ثم يدعي بعد ذلك انه يمارس حريته. نحن الى حد الان امام طرق متخفية للعودة الى نظام تعدد الزوجات لا تريد ان تعلن عن نفسها بصراحة بعد، ولكن من يدري ما تحمله قادم الأيام؟