تبدأ مأساة ولاية الكاف منذ الوصول إلى معتمدية تستور من ولاية باجة. فالطرقات المؤدية إلى هذه الولاية كلها في حالة رديئة جدا بعد ان ضربتها التشققات وفعلت «الحفر» فعلها في بنى تحتية هرمت بعد ان تلاعب بها المقاولون كما شاؤوا وارادوا، وهذا ملف آخر سنحاول في اعداد لاحقة التوقف امامه بالتصريح لا بالتلميح فولاية الكاف لم تعرف على امتداد ما يزيد عن 50 سنة اي تجديد في البنى التحتية التي ظلت على حالها وحتى كل عملية «تجميلية» فإنّها تكتفي بالشكل دون الغوص في المضمون ممّا جعل الوصول إليها خاصة في فصل الشتاء «أشبه برحلات المجهول». بعد ثورة 14 جانفي كان الاعتقاد السائد انّ الولاية ستتحسن أحوال أهاليها، لكنّ العكس هو الذي حصل حيث ظلّ وضع الاهالي هناك على حاله إن لم نقل انه ازداد سوء نتيجة تواصل اعتماد سياسة الاقصاء والتهميش التي ظلت تعانيها الجهة على امتداد سنوات طويلة. تواصل الاعتصامات... نجاح الاضراب العام ليوم 16 جانفي 2013 زاد في حالة الاحتقان التي تعيشها المنطقة بما انّ الحكومة تعاملت بسلبية كبيرة مع تلك الحركة الاحتجاجية التي شارك فيها كل الأهالي سواء في مركز الولاية أو في مختلف المعتمديات بما انّ المطالب كانت واحدة والمواقف موحدة، اللافت للنظر انّ لا شيء طرأ على المشهد الكافي القاتم فلا استثمار ولا تنمية ليتواصل بالتالي اعتصام الغضب امام «مكاتب الولاية» اذ ينفذ منذ 17 ديسمبر الماضي إلى اليوم ما يقارب 25 شابا من اصحاب الشهائد العليا اعتصاما سموه «اعتصام الغضب» رافعين شعار التشغيل حق لا حياد عنه هؤلاء الشبان نصبوا خيمة امام مقر الولاية يتناوبون على قضاء النهار والليل هناك رغم برودة الطقس هذه الايام في الكاف والتي وصلت الى حدود (2 )، هؤلاء الشبان حاولنا الحديث إليهم فاذا هم جميعا يتحدثون عن تفاقم البطالة وغلاء المعيشة وغياب حلول قد تغيّر المشهد العام في هذه الولاية التي عرفت هجرة اكثر من 200 الف ساكن في 5 سنوات الاخيرة. غياب المرافق الحيوية على امتداد 50 سنة لا شيء تغيّر في ولاية الكاف، فما ورثته دولة الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي ظلّ كما هو، ان لم نقل إنّه تآكل بفضل فعل الزمن فيه فالأهالي هناك يتحدثون عن غياب التجهيزات الضرورية عن مستشفى محمد بورقيبة بالكاف الذي رغم تحسين بنايته من الخارج فإنّ احواله من الداخل « لا تسر حبيبا ولا تفرح عدوّا» اما عن المستشفيات المحلية المنتصبة هناك فانها تفتقر إلى أبسط الضروريات رغم انّ وزير الصحة الحالي الدكتور عبد اللطيف المكي اصيل ولاية الكاف وهو الذي ضمن ترشحه للمجلس التأسيسي من خلال اصوات الكافية الذين ظلوا على امتداد سنوات طويلة «يشهقو ما يلحقو» خاصة حين نعلم انّ ابرز مرض تلك الجهة هو بالاساس مرض «الروماتيزم والقلب» بحكم برودة الطقس وتلوث الهواء بحكم وجود اكثر من منشأة صناعية (معمل الاسمنت بتاجروين ومنجم الحديد بالجريصة ومعمل الخزف...) تواصل الاحتقان وتصاعد الاحتجات تواصل الاحتقان وتصاعد نبرات الاحتجاج خاصة بعد نجاح اضراب 16 جانفي وعمليات ايقاف بعض الشبان وغياب كل مبادرة حقيقية في تغيير المشهد تؤكد انّ القادم من احداث سيكون صعبا خاصة انّ الاهالي هناك يجمعون على الدور الريادي الذي لعبه الاتحاد العام التونسي للشغل في الكاف من خلال تبنيه للمطالب الاجتماعية لجهة عاشت لسنوات طويلة غياب التنمية والاستثمار وسبل الحياة الكريمة الاهالي في الكاف ينتظرون الخطوة الجديدة التي سيتخذها الاتحاد الجهوي بعد ان تمّ منح الحكومة الحالية بعض الوقت لتتفاعل مع استحقاقات الجهة، من ذلك انّ الأخ ابراهيم القابسي يؤكد ان الطرف يحتم الهدوء في انتظار الاستجابة للمطالب خاصة أمام اقرار عديد الاطراف الحكومية بطبيعة الاوضاع الصعبة التي تعيشها ولاية حدودية مثل ولاية الكاف. من سراورتان إلى منطقة التبادل الحرّ إذا ما تقتضي المرحلة مزيد امهال الحكومة بعض الوقت كي تسارع ببعث المشاريع التنموية في تلك المناطق النائية فإنّ الاهالي في معتمدية الدهماني يتساءلون عن توقيت الانطلاق الفعلي لمشروع سراورتان للفسفاط بما انه سيستغل اكثر من4 آلاف عاطل عن العمل، كما يسأل شباب معتمدية السرس عن تاريخ اعادة تشغيل منجم بوقرين اما في ساقية سيدي يوسف وبعد فشل مشروع «ساكمو» فإنّه لا حديث في تلك المنطقة الا عن الانطلاق الفعلي لمشروع المنطقة الحرة للتبادل التجاري بين تونس والجزائر هذا المشروع الذي تمت برمجته ضمن القسط الأول للميزانية التكميلية لسنة 2012 وفي ظلّ هذا الانتظار الصعب لما سيتم تنفيذه لاحقا، حدثنا اكثر من شاب عن طبيعة وضعه الحالي في المجتمع بما أنّ اغلبهم يعملون في الحظائر مقابل مبلغ مالي لا يتجاوز 100 دينار في الشهر وهذه المنحة الزهيدة قد تغيب لايام بعد الشهر ويوجد ضمن هؤلاء الشبان من هو متزوج وفي كلفته ابناء ووالدة طريحة الفراش عليه أن يوفر لها الدواء. ظاهرة مرضية جديدة حين يقول إنّ الاوضاع الاجتماعية صعبة للغاية في الكاف، فإنّ هذا التوصيف قد لا يؤدي معناه امام «فقدان بعضهم لمداركه العقلية، نعم تلك الظاهرة المرضية التي كانت تحصل الاّ نادرا اصبحت واقعا ملموسا في ولاية الكاف وهو ما تؤكده ارقام المستشفيات والحالات العلاجية التي كان خضع إليها عدد كبير من شبان الكاف من الحاصلين على شهائد عليا ممن ملوا الانتظار في العهود السابقة او ممن «افتكت منهم غصبا فرص شغل حقيقية». أمام المعتمدية رغم برودة الطقس فانّ ما يزيد عن 30 شابا اختاروا في الجريصة الاعتصام امام مقر المعتمدية حتى يكونوا بمثابة الديكور لمدخل هذه الادارة، وحتى يحسّوا بأنّهم قضية قابلة لكل قرار «على حد قول احدهم في الشغل وفي تغير نمط عيش هؤلاء. بعد ان نفدت مدخرات المنجم الذي اصبح عبئا على الجهة بما انّ الحكومات المتعاقبة لم تفكّر جديا في المشاريع البديلة، ويحدثك شاب اخر على كون المؤسسات الصناعية الكبرى المنتصبة بالمنطقة مثل معمل الاسمنت وعن طاقته التشغيلية الكبيرة الاّ انه مازال يعول على طرق عمل كان الاعتقاد السائد انه تمّ تجاوزها وقد كان بالامكان بعث مشاريع صغرى الى جانب هذه المؤسسات الكبرى لكنْ لا احد فكر في البدائل بما انّ كل مشروع حقيقي في تغيير الواقع الصعب للولاية يصطدم بعديد الصعوبات الادارية واللوجستية التي تضعه خارج السياق العام. تفشي ظواهر جديدة وغلق محطات بيع البنزين بما انّ ولاية الكاف ولاية حدودية فإنّ هذا الواقع ساهم بشكل من الاشكال في تنامي ظاهرة التهريب وبروز اجيال من «الكناترية» ورغم انتشار البضائع الجزائرية في الاسواق الاسبوعية فانّ الملف الابرز الذي حكم على عديد محطات بيع البنزين بالغلق وبالتالي احالة عديد العمال على البطالة القسرية ظاهرة بيع المحروقات على قارعة الطرقات في مشهد اصبح مألوفا لكل الاطراف الفاعلة في المشهد الاقتصادي الكافي، أما عن أسباب تنامي هذه الظاهرة فهي تكمن في غياب مؤسسات قادرة على احتضان آلاف الشبان الذين غادروا مقاعد الدراسة في سن مبكّرة، إذ أنّ ظاهرة الانقطاع عن الدراسة ودخول معترك الحياة في سن مبكرة، إذ أنّ ظاهرة الانقطاع عن الدراسة ودخول معترك الحياة في سن مبكرة يمثل واحدة من أهم الظواهر الإنسانية التي عجزت الحكومة التونسية عن معالجتها ان لم تتحمل احد منها. وحتى نلتقي من جديد في انتظار القادم من احداث خاصة امام بوادر انفراج بدت تلوح في الافق بعد ان اعترف اكثر من طرف حكومي انّ ولاية الكاف كانت الحلقة الاضعف في كل برامج التنمية على امتداد سنوات فالاكيد انّ الانطلاق الفعلي في رسم ملامح تنمية حقيقية واعادة تشغيل بعض المؤسسات التي توقف العمل والروح فيها سيعيد الامل للاهالي هناك للتشبث بأراضيهم التي رهنوها للبنوك جراء صعوبة الوضع الفلاحي لصعوبة التضاريس في الكاف ولقلة الامطار خاصة في السنوات الاخيرة.