منذ سنة خلت وعلى اثر الأحداث التي شهدها شارع الحبيب بورقيبة بمناسبة أحياء ذكرى عيد الشهداء يوم 9 أفريل، لا يزال الغموض يكتنف ملابسات ما وقع، ولا يزال ضحايا ذلك اليوم الأسود والمتضررين من التدخل الأمني العنيف مدعوما بمجموعة من الميليشيات ينتظرون معرفة الحقيقية. ورغم مسارعة رئيس المجلس الوطني التأسيسي ورئيس الحكومة ورئيس الدولة إلى الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق في الأحداث وشروعها في النظر في التجاوزات والانتهاكات التي تم تسجيلها فإنّ الحقيقة قد تمّ تغييبها نهائيا ولن يكون بمستطاع الرأي العام معرفة نتائج التحقيقات بعد أن ذهبت أصوات المنادين باستجلاء الحقيقة أدراج الرياح وطوى الأحداث النسيان. الإجهاز على لجنة التحقيق لإخفاء الحقائق لقد تأخر بعث لجنة التّحقيق في أحداث 9 أفريل قرابة 4 أشهر من تاريخ وقوع الأحداث وترأسها عضو المجلس التأسيسي لكتلة حركة النهضة زياد العذاري، وارجع أعضاؤها ذلك التأخير إلى خلافات حول تحديد صلاحياتها. وقد أكّدت في إبانه كلّ من النائبة نادية شعبان والنائبين إياد الدهماني وأزاد بادي أعضاء اللجنة كونها جاءت بلا صلاحيات ومعطلة ولم يتمكن أعضاؤها من مجرد جمع المعلومات والمعطيات اللازمة حول الأحداث فضلا عن عدم اجتماعها منذ مدة وهو ما يؤكد عدم جديّة الحكومة ووزير الداخليّة في معرفة ملابسات ما وقع والسعي إلى طمس آثاره وهو ما يعتبر التفافا على مطلب قوى المجتمع المدني والمنظمات والأحزاب السياسيّة ومحاولة لحجب حقيقة ما وقع يومها وتحديد الطرف المسؤول عنه على الرأي العام. وهو ما عبّر عنه وزير الداخليّة السابق ورئيس الحكومة الحالي علي العريّض عند مساءلته في المجلس التأسيسي عن تأخر التقرير النهائي حول الأحداث بالقول بأنّه قد مرّ عليها وقت طويل وكأنّ جرائم التنكيل بالمواطنين وتجاوز القانون بالاستعمال المفرط للعنف ضدّ الخصوم السياسيين من قبل الحزب الحاكم والاستقواء بميليشيات حزبيّة موالية للحكومة باسم حفظ النظام يسقط بالتقادم ومرور الزمن. أحداث 9 أفريل كانت تتويجا لسلسلة من التجاوزات قبيل أحداث 9 أفريل شهدت التحركات الاجتماعيّة والسياسيّة التي نظمتها عديد الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني من نقابيين وصحافيين وفنانين عديد الاعتداءات من قبل جماعات كانت في كل مرّة تتخذ مبررا لاستهداف حريّة التعبير، حيث عمدت إلى اتهام النقابيين والسياسيين بتعطيل عمل الحكومة وقامت بشيطنتهم واتهامهم بأنهم من بقايا النظام واتخذت من ذلك مسوغا للاعتداء عليهم ومنعهم من ممارسة حقهم في التظاهر أو الاعتصام، كما اتهمت الصحافيين بكونهم يعبرون عن «إعلام العار» ويسعون إلى إسقاط الحكومة والانقلاب على الشرعيّة وبكونهم يحرضون ضد الحزب الحاكم (النهضة) وهو ما دفع مجموعة من المواطنين الذين عرف لاحقا ارتباطهم بما سمي بروابط حماية الثورة إلى تنظيم اعتصام بداية من 2 مارس 2012 تواصل لمدّة شهر تحوّل كما وصفه العاملون بالتلفزة إلى « فضاء للشتم والتشهير والتجريح للطاقم الصحافي العامل بقسم الأخبار» ووصل حدّ الاعتداء بالعنف الجسدي على عديد العاملين بالمؤسسة من تقنيين وصحافيين، كما تمّ استهداف الوقفة التي نظمتها نقابة الصحافيين بساحة الحكومة بالقصبة ومحاولة منعهم من المطالبة بمطالبهم المشروعة المتمثلة في تفعيل المرسومين 115 و116 وبعث الهيئة العليا المستقلّة للإعلام. وعديدة هي المناسبات التي تمّ فيها التعرّض للفنانين من خلال التهديد المباشر أو من خلال منع عديد العروض المسرحية والغنائيّة والسينمائيّة. غير أن ما وقع يوم 7 أفريل مثّل مؤشرا خطيرا وتعبيرا فاضحا عن التحوّل النوعي في عمليات العنف من طابعها العفوي وتحولها إلى ظاهرة ممنهجة تستهدف كتم كلّ صوت ينتقد حكومة الترويكا وخاصة حزب النهضة من خلال العودة إلى سياسة القبضة الأمنية المشددة تحت مسمى بسط الأمن والاستقرار وإعادة هيبة الدولة وظهور مجموعات ميليشاويّة منظمة تدعي حماية الثورة، وقد كانت ساحة محمد علي بالعاصمة مسرحا لأحداث تمثلت في تعرّض أنصار إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل لاعتداءات همجية ووحشية وشرسة من قبل قوات البوليس التي منعتهم من القيام بمسيرة سلمية انطلاقا من ساحة محمد علي في اتجاه شارع بورقيبة وذلك يوم 7 أفريل 2012. و قد كانت حصيلة هذه الاعتداءات إصابات عديدة و حادة في صفوف مناضلات و مناضلي و أنصار الإتحاد بلغت 28 إصابة. وقد أصدر إثرها اتحاد المعطلين بيانا حمل فيه الحكومة تبعات هذه الأحداث وعبّر عن تمسكه بحقه في ملاحقة المعتدين قضائيا و على رأسهم وزير الداخلية ودعا منخرطيه و أنصاره إلى الالتفاف حول منظمتهم ومواصلة النضال حتى الحصول على حقهم في الشغل و الحرية و الكرامة الوطنية. ما بعد أحداث 9 أفريل بعد أحداث 9 أفريل بدأ مؤشر العنف في التصاعد مؤكدا ما ذهبت إليه عديد التحليلات الصحافيّة والسياسيّة من كونه لم يكن مجرد حدث عابر بقدرما مثّل توجها انتهجته بعض القوى السياسيّة لإسكات صوت خصومها وإقصائهم من المشهد السياسي. سواء من خلال التشويه والتشهير أو عن طريق التكفير والتخوين، ولم يعد العنف والاعتداءات مجرد دعاوى وفتاوى تصدر على صفحات التواصل الاجتماعي ومن على منابر المساجد وفي الاجتماعات الحزبيّة العامة والمضيقة بل صارت خطابا سياسيا معلنا لا يتردد في الكشف عن غاياته، كما شهدت أحداث العنف بعيد 9 أفريل تحولا من ناحية الفاعلين الرئيسيين ليتحوّلوا من مجرد أفراد معزولين إلى جمعيّات قانونيّة سمت نفسها روابط حماية الثورة ووجدت الدعم والقبول من قبل سلطة شرعيّة كان من المفروض أن تتحمل مسؤوليّة فرض الأمن وتفكيك كلّ الميليشيات التي تشكّل قوى أمنيّة موازية للقوات الشرعيّة بل بلغت بها الثقة في النفس حدّ منازعتها دورها الذي يكفله لها الدستور والقوانين المنظمة للسلط العموميّة. لقد تحولت هذه الأدوات العنفيّة إلى جزء من المشهد السياسي تلقى احتراما وتبجيلا من قبل الرؤساء الثلاثة والأمناء العامين لأحزاب الترويكا. كل هذه المؤشرات جعلت من العنف السياسي يتصاعد بأشكال مرعبة وصلت ذروتها مع اعتداءات 4 ديسمبر حين قامت مجموعة من المحسوبين على روابط حماية الثورة وبعض أنصار النهضة بمهاجمة مقرّ الاتحاد العام التونسي للشغل بمناسبة إحياء ذكرى استشهاد الزعيم فرحات حشّاد والاعتداء على النقابيين بكل همجيّة بتقصير يصل درجة التواطؤ من وزارة الداخليّة التي اكتفى أعوانها بمتابعة الأحداث في غياب التعليمات من وزير الداخليّة علي العريض وهو ما أكدته تقاريرهم المقدمة إلى لجنة تقصي الحقائق في الاعتداءات. ولم يقف الأمر عند حدود إرهاب الخصوم ودفعهم إلى الاستقالة السياسيّة ليتعداه إلى دخول العنف موجة من التصفيات المباشرة للمعارضين ابتدأت بعمليّة السحل الهمجيّة التي تعرّض إليها الناشط بحزب نداء تونس الشهيد لطفي نقض من قبل العشرات المحسوبين على حزب النهضة وروابط حماية الثورة وانتهت بالاغتيال المأساوي الذي تعرّض له أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد وأحد مؤسسي الجبهة الشعبيّة الشهيد المناضل شكري بلعيد يوم 6 فيفري 2013. هل أصبح العنف السياسي الخبز اليومي للتونسيين؟ يبدو أن ظاهرة العنف آخذة في الاستفحال والتراكم على المستوى الاجتماعي أو السياسي، لكن يبدو أن العنف الاجتماعي بدا في التحول من أشكاله الاحتجاجية البسيطة ليلتبس بخلفيات ثقافيّة ودوافع دينيّة أخلاقويّة كتنامي حالات الاغتصاب في الآونة الأخيرة التي ضربت بقوّة كل الشرائح الاجتماعية دون استثناء، أمّا العنف السياسي فقد عرف هو الآخر تحولا في أدواته ووظائفه وأهدافه الخفيّة والمعلنة من خلال تبلوره في عديد الجمعيات والروابط التي رغم ثبوت تورطها في العنف فإنّها لا تزال تجد من يحميها ويبرر وجودها داخل حزبي النهضة والمؤتمر وكذلك في صفوف حكومة علي العريّض وهو ما يستدعي التساؤل حول العلاقات بينها وبين الحكام الجدد والغايات من الإبقاء عليها والتغطية على جرائمها، والتنظيمات الجهاديّة التكفيريّة المتشابكة العلاقات التي أصبحت جزءا من الجماعات الجهاديّة المقاتلة في سوريا ومالي تنسج خيوط شبكة من العملاء المحليين الذين يقومون بتجنيد الآلاف من الشباب التونسي للقتال في حرب إقليمية ودوليّة قذرة تدور رحاها في سوريا. هذه التنظيمات لم تتردّد في عديد المرّات في رفع السلاح في وجه قوات الأمن والجيش التونسيين وهو ما يطرح السؤال حول حقيقة أجندتها في تونس بعد ثبوت تورطها في تخزين الأسلحة بكل أنواعها في عديد المدن التونسيّة.