تتواصل معاناة شريحة واسعة من التونسيين أمام التصاعد الكبير لأسعار المواد الغذائية والأساسية بشكل لم يعد يحتمل، وكان معهد الاحصاء التونسي أكد في دراسة صادرة عنه أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل مشط خلال شهر مارس 2013 بشكل غير مسبوق، حيث ارتفعت أسعار اللحوم بنسبة 3.13 بالمائة، والزيوت الغذائية بنسبة 12.7 بالمائة والخضروات بنسبة 11.2 بالمائة. ويتواصل ارتفاع تكلفة قفة التونسي الى حدود ال50 بالمائة في السداسية الأولى ل2013 كما تذهب الى ذلك منظمة الدفاع عن المستهلك التي أطلقت صيحة فزع ازاء هذه المؤشرات الصعبة التي تنهك التونسيين. مقابل ذلك أكد وزير التجارة عبد الوهاب المعطر أنه ينوي التخفيض في أسعار المواد الأساسية في ظرف 15 يوما بعد توليه وزارة التجارة وهو ما لم يحدث البتة، واتسمت المحاولات بالباهتة واتخذت اجراءات عادية واعتيادية كما هو الشأن في الظرف العادي وهو ما لا يمكن بحال من الأحوال أن ينتج عنها تحكم في ارتفاع الأسعار ومحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين، فعلى صعيد الواقع المعيش لم يتغير شيء لليوم، بل العكس هو ما يحصل حيث يتواصل الوضع على ما هو عليه وشمل جميع المواد الغذائية والأساسية دون استثناء. وفي تناقض مع ما ذهب اليه معطر وزير التجارة، فقد أكد مسؤولون سياسيون أن الدولة غير قادرة على تحمل مصاريف الدعم وأنها لا تنوي التراجع في قرار الرفع من ثمن المحروقات الذي دخل حيز التنفيذ منذ 5 مارس مثلا، بل يذهب الشاذلي العياري محافظ البنك المركزي الى أن على الدولة أن ترفع يدها على دعم المواد الغذائية الأساسية والمحروقات. وللتذكير فان الورقة السياسية التي صاغتها الحكومة الجديدة برئاسة علي لعريض، كخارطة طريق لعملها في المرحلة المقبلة، أكدت خلالها أن من أولوياتها التحكم في ارتفاع الأسعار ووردت هذه النقطة الثالثة في هذه الورقة (الحد من غلاء المعيشة والارتفاع الصارخ للاسعار) بعد نقطتي : ضمان حياد الإدارة وكل المرافق العمومية واعتماد تشاركية في التسميات والتعيينات واعتماد صيغة الكفاءة وعلى أساس المواطنة. وتؤكد الإحصائيات أن العائلة التونسية تخصص حوالي 30 % من ميزانيتها للغذاء. وأمام هذا الارتفاع المتواصل لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية وخاصة منها الخضر والغلال ومنتجات اللحوم والدواجن, فقد يجد المواطن نفسه أحيانا مضطرا للترفيع في النفقات المخصصة للسلة الاستهلاكية, وهو ما يجعله غير قادر على مجابهة النفقات المعيشية الأخرى من نقل وخدمات أساسية كالماء والضوء والغاز وما الى ذلك من مستلزمات الحياة اليوم. وفي الميدان، فان ظاهرة الاحتكار تتفاقم وتهدد قفة المواطن التونسي وتسبب في ارتفاع أسعار المواد المحتكرة في ظل تواصل غياب عمل جدي وكثيف صارم للرقابة الاقتصادية، ويحقق المحتكرون أرباحا فاحشة على حساب السوق التونسية وعموم المواطنين وقد شملت عمليات الاحتكار مختلف أنواع السلع من خضروات ومواد مدعمة أيضا. ويتجاوز كثير من التجار القوانين برفعهم لأسعار المواد الغذائية، ويلعب الوسطاء بين المنتج والبائع دورا في الرفع في أسعار هذه المواد الى حد أن بلغ ثمن البصل 2000 مليما تقريبا والبطاطا كذلك وبلغت أسعار اللحوم الحمراء 19 دينارا في بعض الأحيان، ويتواصل انفلات الأسعار لهذه المواد بشكل واضح ووقح دون أن تتوفر حلول واضحة وناجعة للحد منها. من جانب اخر، فإن ظاهرة التهريب مازالت وتيرتها لم تنخفض رغم مجهودات السلط الأمنية والدفاع للحد من هذه الظاهرة الخطيرة، ويواصل المهربون نشاطاتهم غير القانونية والمضرة بالمواطن والمخلة بتوازن الأسواق الداخلية وذلك لصعوبة توفير المراقبة الكاملة والتامة لجميع المسالك الحدودية. وما يزيد الطين بلة، هو ارتفاع الضرائب بمختلف أنواعها، المباشرة وغير المباشرة، حيث تعتمد ميزانية الدولة المضبوطة بشكل كبير على مداخيل الضرائب التي يدفعها المواطنون، حيث ستبلغ مداخيل الدولة حسب القانون التكميلي للميزانية 15066 مليون دينار وهو ما فاقم الوضع الصعب لامكاناتهم الاستهلاكية والمعيشية، وهو ما قد ينجر عنه مشاكل كبيرة وعجزا للمواطنين على توفير الحد الأدنى المعيشي. ولا يمثل الارتفاع المشط لأسعار مختلف المواد تهديدا مباشرا لقفة المواطنين ولتوازن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية فقط، بل يذهب المختصون الاقتصاديون الى أن ارتفاع أسعار المحروقات المتزايد يؤثر أيضا في المؤسسات المتوسطة والصغرى التي توفر مئات الالاف من مواطن الشغل والتي تمثل النسبة الأكبر في النسيج الاقتصادي الوطني. وتنتقد الحكومة مطالب العمال ومختلف القطاعات للزيادة في الأجور، وتعتبر ذلك من المطالب الأنانية والمصلحية التي لا تكترث بمصالح ووضع البلاد الحالي، ولكنها لم تحرك ساكنا أمام التجاوزات والأوضاع المنهكة لقفة المواطن وأوضاعه الاقتصادية الصعبة. و الى اليوم فان وعود الحكومة الجديدة بالخفض من الأسعار، بل ذهاب وزير التجارة الى أنه سيضمن ذلك بعد 15 يوما من توليه وزارته يبقى حبرا على ورق ووعودا دون تنفيذ الى أن يأتي ما يخالف ذلك.