لا نختلف في القول ان الثورة التونسية قد جاءت نتيجةً حتميةً بالاساس ضد الفقر والبطالة والتهميش والتوزيع الغير عادل للثورة مما خلق حالة من الغليان والكبت المقموع والاحتجاج الصامت والانتحار البطيء والهروب الى عوالم الشعوذة والفساد حتى وصل الامر الى وضع لا يطاق ولا يحتمل فانطلقت الشرارة الاولى وكان ما كان. لكن المتتبع لاحداث اللاحقة وصيرورة الثورة وما تحقق من انجازات على أرض الواقع لم يشاهد الا غبارا على ارض المعركة وكلاما كثيرا وضجيجا يصم الآذان لا غير فلم تتحسن الاحوال بل زاد الطين بلة بحيث تصاعدت نسب البطالة والفقر والتهميش والفساد والمحسوبية. لم تأت الحكومات المتلاحقة بأجوبة مقنعة على مطالب التونسيين ولم تشف غليلهم وتقدم لهم الحلول اللازمة لمشاكلهم الملحة بل اثقلت كواهلهم وخاصة الفئات الضعيفة والمهمشة منهنم بالزيادات في الاسعار وانعدام الامن والتردد في أخذ القرارات والتمطيط في المرحلة الانتقالية وعدم الشروع في المحاسبة للمفسدين والفاسدين وبذلك ساهمت في اشتداد عود الثورة المضادة وقبر الثورة وهي في مهدها. فالحكومة التي تدعي انها ثورية لا يمكن ان تكون كذلك دون ان يكون لها مشروع ثوري نراه بأم العين ولمس اليد على أرض الواقع وليس كلاما تذروه الرياح كالزبد في البحر فالمشروع الثوري النابع من ارادة الشعب المنادي بالحرية والكرامة الوطنية له ابعاد ثلاث اجتماعية وسياسية واقتصادية والمؤسف اننا وقعنا في مطبات ايديولوجية سياسوية غير فاعلة ومجدية بالنسبة إلى المواطن البسيط ولا تهم الا النخب المتزلفة والباحثة عن الكراسي والمواقع. اذا دخلنا في الدجل السياسي العقيم وضاعت منا البوصلة ودخلنا في متاهات كالهوية والعلمانية والمذهبية والسلفية وتناسينا بمكر او عن جهل ماهو مطلوب منا وهو محاربة الفقر والبطالة والفساد. ولتحقيق هذا الهدف المنشود وبعث رسالة إجابيّة لهذه الفئة المهمشة والتي هي مصدر من مصادر التخلف الاجتماعي والسخط الشعبي فلابد من بعث صندوق وطني ضد البطالة والفقر فليس من العدل في شيء ان تحرم مجموعة من الناس من العيش الكريم والعمل دون ارادتها وبحكم ظروفها الاجتماعية وانتماءاتها الجهوية والجغرافية ما انه من حقها ان يكون لها نصيب من الثورة الوطنية وان تمكن من المساهمة في الحياة المدنية والمجهود الوطني. وتمويل هذا الصندوق يتأتى من الهبات ومساهمة الدولة والافراد الناشطين واصحاب الثروات ليقوم ببعث المشاريع وتمويلها بنسب فائدة ضعيفة لفائدة العاطلين عن العمل وتسهيل اندماجهم بسوق الشغل وتمكين غير القادرين على ذلك من جراية محترمة تعيد لهم كرامتهم وحقهم في العيش الكريم. ولا أخال ان نسبة واحد في المائة مثلا تقتطع من مداخيل الاجراء ستؤثر على مستوى عيشهم لكنها في المقابل ستساهم في مساعدة الكثير من الناس وخلق فكرة جديدة من التضامن الاجتماعي بين افراد الشعب الواحد عوض التمركز حول اهداف فئوية ضيقة ومطلبية مجحفة دون النظر بعين الرحمة نحو الفقراء والمساكين والمهمشين. فبعد الثورة وازدياد الاعتصامات والمطلبية واشتداد الخوف من كلمة «ديقاج» السحرية والتي اصبحت تستعمل لابتزاز رؤساء الهياكل الادارية والمؤسسات الاقتصادية بحيث تنامت وتيرة الترقيات والخطط الوظيفية والامتيازات الممنوحة من سيارات وبنزين وغيرها لشراء الذمم واسكات الافواه التي لا تشبع وتفتحت شهيتها على الآخر فالمهم بقاء المسؤول في الكرسي الوثير والتمتع بنعيم المنصب أطول فترة ممكنة فهو لا يدفع بالطبع من جيبه ولا تهمه مصلحة المؤسسة التي ربما يصيبها الافلاس من بعده. لقد تم توظيف الكثير من المال المهدور في غير محله ودون فائدة لان الانتاجية انخفضت ولم تتحسن بحكم زيادة الحوافز الغير مثمرة فآليات العمل والتنتظيم والمراقبة والهيكلة بقيت على حالها ولم تأخذ بابعاد الكفاءة الحقيقية والحوكمة الرشيدة والتصرف العلمي والعقلاني الهادف بل تم استعمال المحسوبية والولاءات وخدمة الشخص وتعظيم المنفعة الخاصة. فلو وجهنا القليل من هذه الاموال السائبة الى مجهود الاقتصاد التضامني الاجتماعي عن طريق لكان الامر ذا فائدة عظيمة ورمزية في غاية الاهمية بعد سنتين من الثورة. فالاقتصاد التضامني الاجتماعي هو الحل الامثل لهذه المعضلات المستعصية كالفقر والبطالة بما ان موارد الدولة لا تكفي للقضاء على البطالة والتهميش في فترة قصيرة من الزمن. ومن واجبات الدولة هو خلق المشاريع الكبيرة والسهر على اعطائها الصبغة القانونية والتنظيمية والهيكلة والمساهمة في تعبيد الطريق امامها لما لها من نفوذ وآليات وشرعية. عزالدين مبارك كاتب ومحلل سياسي