تمثل الأراضي الفلاحية قرابة 72% من المساحة الجملية للبلاد التونسية، منها 5.4 مليون هكتار تتوزعها 40% من الأشجار المثمرة التي تتكون في غالبيتها من غابات الزيتون و40% من الزراعات الكبرى وأغلبها من الحبوب والبقية زراعات مختلفة. تمسح الأراضي المملوكة للدولة 500 ألف هكتار بينها قرابة 332 ألف هكتار مسلمة لشركات الإحياء والفنيين و 168 ألف هكتار تحت التصرّف المباشر للدولة، ويساهم قطاع الزراعة في تونس - وهو أهم مجال فلاحي- بنسبة 9% من الناتج الدّاخلي الخام ويشغل 16% من اليد العاملة النشطة، بينما تمثل الاستثمارات نسبة10% من مجمل الاستثمارات في تونس وتمثل 26% من ناتج الدخل الخام الفلاحي. تمثل الاستثمارات الخاصّة 57% من الاستثمارات الفلاحية بينما تمثّل الصادرات الفلاحيّة ما بين 10 إلى 17% من مجمل الصادرات التونسية المكونة أساسا من زيت الزيتون والتمور والغلال والخضروات إضافة إلى منتوجات الزراعات الكبرى، وقد شهدت مؤشّرات مساهمة القطاع الفلاحي في الاقتصاد التونسي تذبذبا ملحوظا حيث انحدرت من 17% ثم 15% وتراجعت في التسعينات إلى 13% وخلال العشر سنوات الأخيرة إلى 9% حتى وصلت نسبة التراجع في وقت قريب جدا إلى 7% فقط وبينما كان القطاع الفلاحي يشغل قرابة 45% من اليد العاملة نزل معدّل حاليا إلى 16% ما يشير بشكل واضح إلى وجود جملة من العوائق والتحديّات. التحدّي المناخي: تقع تونس ضمن دائرة تأثير المناخ المتوسّطي المتميّز بشح الأمطار وعدم انتظامها في الشّهور والسّنوات والمواسم، وقد بينت الإحصائيّات أن البلاد تقع ضمن دورة مناخيّة بمدّة 5 سنوات: سنتان ممطرتان وسنة متوسّطة وسنتان جافّتان، وبالنّظر إلى أنّ تونس تعتمد على نظامين للريّ هما الأمطار والمياه الجوفيّة المخزّنة وجب وضع الجفاف كمعطى قارّ في الحسبان في أي سياسات زراعيّة لا بدّ أن تبني على البحث العلمي الموجّه للتصرّف الرّشيد و التحكّم النّاجع في الموارد المائيّة المتوفّرة في بلادنا في ظلّ التقلّبات المناخيّة المسجّلة على المستوى العالمي والّتي تتجسّد في ظاهرة خطيرة هي ظاهرة الاحتباس الحراري. التحدّي الاجتماعي والتقني: تتمثّل أهمّ الخصائص الاجتماعية للفلاّحين التونسيّين في ارتفاع نسبة الشّيخوخة في أوساط المزارعين حيث يمثّل المزارعون الّذين تجاوزوا سنّ الستّين عاما نسبة 43% بينما كانوا 37% سنة 1995، كما نلاحظ أنّ 40% من المزارعين لهم نشاط ثان خارج العمل الزّراعي و 44% يخصّصون أكثر وقتهم للعمل الفلاحي، أمّا المعضلة الخطيرة فتتمثّل في ارتفاع نسبة الأميّة بين المزارعين فقرابة 46% منهم لا يجيدون القراءة والكتابة ممّا يشكّل عقبة كبرى أمام التّأقلم وتقبّل تكنولوجيّات الزّراعة الحديثة ما يؤكّد الحاجة إلى تدعيم خلايا الإرشاد الفلاحي وتكثيفها وجعلها أكثر قربا من الفلاحين مع تزويدها بكلّ ما تحتاجه من أدوات ورزم فنيّة بما يتلاءم مع خصوصيّات كلّ مجال. التحدّي المادّي: يشتكي الفلاحون التّونسيّون ومن ضمنهم المزارعون من الارتفاع المشطّ لسعر التكلفة الّذي يتطلّبه العمل الفلاحي من خلال ارتفاع أسعار الأسمدة الكيميائية والأدوية والبذور والمشاتل التي تضاعفت بما يقارب 4 مرّات منذ أواسط الثمانينات وحتّى اليوم ! دون أن ننسى الإرتفاع المطرد لأسعار المحروقات (6مرّات منذ الثمانينات) وهي عنصر أساسي في النشاط الفلاحي. أمّا أسوأ كوابيس الفلاح التّونسي على الإطلاق فتبقى مديونيّته المرتفعة تجاه البنوك المقرضة التي تقرضه بمشروطيّة الفوائض الواجب تسديدها ونسبتها 9% من أصل الدّين (في اسبانيا 3% فقط) ممّا حوّل هذه الفوائض نفسها إلى قروض يصعب عليه سدادها !! ولهذا تصبح عمليّة جدولة الدّيون عمليّة غير مجدية بل عبثيّة. إنّ هذاالأمر يتطلّب جرءة سياسيّة حاسمة من حكّام اليوم في تونس تتمثّل في إلغاء كافّة الدّيون المتخلّدة بذمّة صغار ومتوسّطي الفلاحين وتقديم الإمتيازات الجبائيّة والتّمويليّة لهم حتّى وإن اقتضى الأمر أن تستعيد الدّولة الرّوح الحمائيّة تجاه الفلاحة الوطنيّة كما هو حال عديد الدّول النّامية وأغلب الدّول المتقدّمة وذلك عبر شرائها للمنتوجات الفلاحيّة بأسعار مجزية لتغطية عجزالفلاحين والتّخفيف عن كواهلهم. خلاصة: عوض أن تساهم الزّراعة في توفير اليد العاملة والعيش الكريم لسكّان الأرياف وتساهم بالتّالي في التخفيض من نسبة الفقر والنّزوح وتحسين اقتصاد البلاد إلاّ أنّ الفقر يعشّش في البيئات الرّيفيّة أكثر منه في المدن على عكس ما كان سائدا في الماضي وليس من الإجحاف القول أن فلاحتنا سائرة إلى مزيد من التدهور في الوقت الرّاهن نظرا لتيه وضياع سلطة الإشراف الحاليّة وافتقارها إلى رؤى وسياسات تسمح لها ولو بالإنطلاق في حلّ مشاكل أهمّ قطاع في البلاد التّونسيّة.