تقع المروج على التخوم الجنوبية للعاصمة وتنقسم الى ست مدن، خمس منها تابعة لولاية بن عروس وواحدة تعود بالنظر الاداري المتأزم الى ولاية تونس، ويفصل بين الخمس والواحدة طريق أكلته المزابل وغطته الاتربية وبقايا الأبنية المتداعية وخاصة مصنع مواد البناء الذي شوّه رقيّ المدخل مثلما سودته المستودعات المنتصبة فوضويا على احدى جنبات الطريق. وان كانت تضم اكثر من 011 ألف ساكن فإن المروج تسمى بمدينة الألف عمارة عدا المنازل الفاخرة والمرافق المتوفرة والمستوى العلمي والحضاري لغالبية سكانها اذ هم من الطبقة الوسطى التي باتت تنزل بعد 41 جانفي كالذباب على قاعدة البروليتاريا المعدومة. وان كان لكل مرج من هذه المروج مشاكل محددة، فإن المروج الثاني التابع لولاية تونس قد بات سكانه البالغ عددهم نحو 52 ألف مهددين في صحتهم وفي سلامتهم وفي ممتلكاتهم بفعل تنامي كل اشكال العنف والتجاوزات ضد الطبيعة والانسان على حدّ السواء. وان كان هذا الأمر مرتبطا أشد الارتباط بغياب النموذج التنموي المحلي والذي لم تُعِرْهُ جُلّ الأحزاب المتنافسة على الحكم اي اهتمام، فإنه يصبح من الضروري تسليط الاضواء على جوانب منه حتّى تتبين كل الخطوط بكل ألوانها. الوضع البيئي والصحي وكأن قدر سكان المروج الثاني، قد ارتبط بالكفاح اليومي والنضال المتواصل من اجل المدينة. مدينة عانت في السابق من أكبر تجمع للفضلات وما أفرزه من روائح كريهة وأمراض مختلفة وحشرات سامة والذي تحوّل الى منتزه للأطفال والعائلات. إفرازات السياسة التنموية الفاشلة وخاصة في بعدها الاجتماعي والتي نصبت صناديق إيواء لعائلات كانت تسكن أبنية متداعية في مختلف ارجاء العاصمة ساهم في عدم احترام ما تستوجبه البِنْية من عناية مثلما ساهم في انتشار الجريمة والعنف. وقد عمقت النتائج السلبية للثورة ولا سيما فيما يتعلق بالعمل البلدي درجة هلاك هذا المنتزه الذي تحوّل الى وكر للفساد والعنف وانتشار الجريمة، الأمر تعدّى المنتزه ليطال الغابة ومقطع الحجارة القديم عبر سلسلة من الانتهاكات المروّعة أمام عجز كلّي وشلل تام للسلطات الجهوية والمحلية في مجابهة الوضعية بما فسح المجال بدوره الى الاستيلاء على الاراضي والاملاك الدولية وانتشار البناء الفوضوي في مدينة كانت توصف بالنائمة لشدة هدوئها ودفئها. وقد بات سكان المروج الثاني يعانون الأمرين خاصة في ظل غياب المساحات الخضراء وباتت تواجهه نقابات الاحياء من هشاشة ولا سيما نقابات الاقامات البالغ عددها 62 اقامة تأوي نحو 0021 عائلة. مدينة لئن غابت منها كل العلامات المرورية، الا انها تشكو اليوم من اهتراء البنية الأساسية، طرقات غير صالحة للاستعمال، شبكة تنوير لم يقع اصلاحها منذ 52 سنة من قبل الوكالة الوطنية للسكنى التي تتذرع بأسباب واهية تجاه حقوق السكان والمصلحة الوطنية. السوق الاسبوعية للسيارات: كابوس المدينة وسبب وجعها ما زاد الأمر تعقيدا، تحويل السوق الاسبوعية للسيارات من شارع محمد الخامس المتاخم لقصر المؤتمرات الى مداخل المروج غربا وشرقا، مما ولّد انتصابًا فوضويا داخل الحيّ محفوفا بتحديات أمنية جمّة وخطيرة في الغالب. السرقات والبراكاجات وتضحيات الأمن المهدورة ارتفعت وتيرة السرقات بأنواعها من نشل وافتكاك بالقوة والسطو على المنازل وسرقة السيارات وتكوين شبكات داخل الميترو رقم «6». ولنتصور كيف تسرق سيارة من داخل مستودع محكم الغلق في الليلة الأولى من شرائها دون تسجيل أية عملية خلع أو فتح بالقوة سيارة أحد السكان لم تقطع الا 02 كيلومترا فقط اي مسافة ما بين مستودع الشركة البائعة وبين منزل صاحب السيارة! النيابات الخصوصية ومعضلة الهدم لم تقدر النيابات الخصوصية على تنفيذ قرارات الهدم التي تم اتخاذها ضد العشرات ممن تجاوزوا القوانين إما بالاستيلاء على املاك وأراضي الدولة أو بالبناء دون احترام الشروط القانونية لذلك. وما زاد في وجع سكان المدينة «التوسع الاستيطاني» لبائع مواد البناء من 003 متر مربّع إلى هكتار وما أفرزه ذلك من أوساخ وفضلات وإضافة إلى الامر المروّع حقا، لجأ البعض الى الانتصاب فوضويا على جنبات الطريق المؤدية الى مدخل المروج فهذا يبيع الرخام وذاك الدبابيز والآخر الاليمنيوم والاخير يصلح العجلات... والبلدية مشكورة تغطّ في سبات عميق! أملهم في جمعيتهم أمل سكان المروج في ما تقوم به جمعية متساكني المروج II من مجهودات نبعت من ريادتها في هذا الضرب من النضال والكفاح، وبفضل تدخلها سنة 3102 انطلق برنامج التصرف الرشيد في الفضلات بين هذه الجمعية والبلدية وبتوصية من ادارة النظافة. ورغم الوضع البلدي الاستثنائي ورغم المرحلة غير الطبيعية التي تعيشها البلاد عامة، تم تمكين 62 اقامة من حاويات كبرى للتحكم في الفضلات داخل الاقامات وذلك في خطوة متقدمة نحو الدخول في عمليات الفرز والرسكلة، كما تم توزيع حاويات داخل الحي لمجابهة المضاعفات الصحية مع حلول فصل الصيف. وانطلقت جمعية متساكني المروج الثاني في اقرار ثلاث مساحات خضراء وتهيئة المدخل الثاني من الناحية الشرقية بالتعاون مع الادارة الفرعية للبلدية، كما توجت مساعي الجمعية بإعادة صيانة شبكة التنوير وتجديدها بالكامل واعادة تبليط الطرقات، كل طرقات الحي دون استثناء. هكذا يبدو الأمر جيدا غير ان تنفيذه خلال عام 3102 يبقى بين الحقيقة والخيال شأنه في ذلك شأن الانتخابات القادمة. ونعتقد ان الحلول المتوفرة لن تجد طريقها الى التنفيذ من خلال جهود الجهات الرسمية فقط والتي يجب ان تنطلق في وضع حدّ لكل التجاوزات البيئية والأمنية، بل ان الامر موكول الى السكان ذاتهم حيث بادرت جمعيتهم برفع قضايا عدلية ضد الوكالة الوطنية للسكنى لإهمالها أرضَ الغابة التي تم اقلاع أشجارها واحراقها وكذلك الامر بالنسبة الى مقطع الحجارة الذي فسح المجال للغرباء للاستيلاء عليهما وتحويلهما الى بناء فوضوي، كما نبهت جمعية متساكني المروج الثاني الشركة الوطنية لتوزيع المياه والشركة الوطنية للكهرباء والغاز من مغبة الاستمرار في ربط شبكات الانارة والماء لكل الذين لا تتوفر لهم الشروط القانونية في البناء والانتصاب. السبيل الوحيد في مرفق جديد أمام كل هذه التحديات، بات سكان المروج الثاني على يقين تامّ بأن حالهم لن تصلح بالشكل المطلوب الا من خلال بعث بلدية خاصة تتبع ولاية تونس وهم الآن يجمعون التوقيعات من أجل تأكيد أحقيتهم في ذلك وإرسالها الى السيد وزير الداخلية على اعتبار انه لا مناص اليوم إلاّ بإيلاء مسألة التنمية المحلية ما تستحقه من عناية ودعم وفي اطار ايضا ما اتُّفِقَ على تسميته بالديمقراطية المحلية، حيث توكل قانونية المسؤولية في ادارة الشأن العام الى المحلي باعتباره أدرى وأكثر وعيا باحتياجاته وتطلعاته وحتى أحلام يقظته.