"نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    الرابطة الأولى (الجولة 28): صافرتان أجنبيتان لمواجهتي باردو وقابس    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النفط والديمقراطية - لا يتفقان
لعنة البترول:
نشر في الشعب يوم 27 - 07 - 2013

على مدى التاريخ لم تفلح دولة ذات حكم فردي مصحوب بثراء نفطي فاحش في التحول الكامل للديمقراطية. النفط يمكًّن الحكّام من شراء مواطنيهم بالمال ويمكّنهم من الإبقاء على سرية تداولاتهم المالية والإنفاق الباذخ على أجهزتهم الأمنية وشراء الأسلحة .
كل ذلك يعمل بشكل عكسي ضد إرساء قواعد الحكم الديمقراطي المتداول وأداء المؤسسات الديمقراطية الفعال والمهني والشفاف المنقاد لأحكام القانون. وللحيلولة دون تمكين ما يسمى بلعنة البترول من تقويض التحولات الديمقراطية في بلدان الربيع العربي يؤكد خبير الديمقراطية مايكل روس أن على واشنطن أن تدفع شركائها العرب النفطيين نحو المزيد من الشفافية والكشف العلني عن أرباحها في أسواق النفط من جهة و أن تحد من إدمانها المفرط على بترول العرب من جهة أخرى.
يقول روس:
الملاحظ أن الدول العربية قبل أحداث الربيع العربي لم تكن وحدة متجانسة من حيث درجة التسلط والاستبداد فالبلدان اللأنفطية وتلك التي لا تحظى بكميات هائلة منه كمصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس كانت تمارس فيها الحريات بشكل أوسع نسبيا من البلدان العربية النفطية مثل السعودية والكويت والبحرين والعراق وليبيا، وحينما بدأت أحداث الربيع العربي تمكّن حكّام النفط بشكل فاعل وسريع من إخماد أصوات شعوبهم والإبقاء على كراسيهم - باستثناء ليبيا التي ساعد تدخل قوات حلف الناتو العسكري على انتصار الثوار فيها والتي بدونه كانت هزيمتهم محتمة بفعل الآلة العسكرية الأمنية لنظام القذافي المستمدة قوتها وفاعليتها من المال النفطي.
لقد حققت الديمقراطية على مدى العقود الثلاثة الماضية خطوات مهمة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن 30٪ فقط من حكومات العالم في بدء الثمانينات من القرن المنصرم كانت تتمتع بحكم ديمقراطي إما في الوقت الحاضر فقد بلغت 60٪، إلا أن الجدير بالذكر أن جميع البلدان التي تحولت إلى نظم ديمقراطية خلال هذه الفترة لم تكن بلدانا نفطية أو أن النفط لم يكن موردها الأكبر وبشكل أدق فأن الدول التي تصدر اقل من 100 دولار نفطي للنسمة سنويا مثل أوكرانيا وفيتنام كان حظها في الانتقال إلى الديمقراطية أوفر بثلاث أضعاف من تلك التي تصدر أكثر من ذلك، فليس هناك بلد تعلو ثروته النفطية بقدر ضئيل على تلك التي في العراق أو البحرين أو ليبيا استطاع أن ينتقل بنجاح من الدكتاتورية إلى الديمقراطية.
وقد سمّى العلماء هذه الظاهرة بلعنة البترول استنادا على فكرة أن الثروة المتأتية من البترول تقود إلى الاستبداد والانفراد بالسلطة علاوة على أنها تسبب عدم الاستقرار الاقتصادي والفساد الإداري والحروب والصراعات العنيفة، رغم أن فريقا من ذوي الشأن يذهب إلى القول بأن تزامن النفط مع الدكتاتورية ما هو إلا محض الصدفة - كما قال ريتشارد تشيني نائب الرئيس الأمريكي السابق والمدير السابق لشركة هاليبرتن الأمريكية الكبرى معلّقا في مؤتمر للطاقة عقد في عام 1996: « المشكلة تكمن في أن لم ترى حكمة الله الكريم مناسبا أن تضع النفط والغاز في ألاماكن التي فيها ديمقراطية» ... لكن التدخل إلا لهي المزعوم هذا لم يبارك حتما بالاضطهاد والتعسف السائد في الشرق الأوسط. البترول هو الذي فعل ذلك فليس ثمة شك أن الحريات تعاني في بلدان هذه المنطقة المنتجة والمصدرة للبترول أكثر من غيرها.
إلا أن البترول لم يكن حاجزا أمام تحقيق الديمقراطية حتى بدايات السبعينات من القرن الماضي فدول النفط لم تكن اقل حظا قبل ذلك الحين من غيرها في أن تتدمقرط. السبب في ذلك يرجع إلى ما يسمى بالأخوات السبعة وهن بضعة شركات نفط غربية عظمى تم لهن الهيمنة على الصناعة النفطية العالمية ومصادرة معظم أرباحها ولم يتركن لحكومات تلك الدول من المال والقوة ما يمكنها من ممارسة التسلط على شعوبها.
لكن الحال تغير مع نهاية الستينات وبداية السبعينات حينما فقدت الأخوات السبعة سيطرتها على سوق النفط العالمية بسبب نشوء شركات أخرى مستقلة مثل كتي أويل ( Getty Oil) وستاندرد أويل أوف أوهايو (Standard Oil of Ohio) وشركة إيني الايطالية الحكومية ( Eni) بالإضافة إلى أنشاء منظمة الدول المصدرة للبترول OPEC التي بدأت تمارس نفوذا غير مسبق على شركات النفط العالمية القديمة والجديدة . فهذه التطورات بالإضافة إلى الحظر الذي فرضه العرب على صادرات النفط في نهاية حرب عام 1973 مع إسرائيل والذي سبب رفع سعر البرميل من 2,5 في عام 1972 إلى 12 دولارا في عام 1974 دفع ببقية الدول النفطية أن تسرع بطرد شركات النفط الأجنبية العاملة على أراضيها وتأميم مواردها بالكامل وتأسيس شركات وطنية لإدارتها.
لقد جلب التأميم معه تدفق أموال فاحش لم تعهدها هذه الدول المعدمة من قبل ومكّن حكامها من أن يكونوا أبطالا في ليلة وضحاها بنظر شعوبهم، فبعد أن تولى معمر القذافي على حكم ليبيا اثر انقلاب عسكري عام 1969 شرع بتأميم نفط بلاده والذي جلب له بدوره ثروة طائلة استطاع من خلالها تمويل أجندته الثورية وشراء رؤساء القبائل المناوئين لحكمه، وفي العراق كأن صدام حسين المهندس الأول لتأميم نفط بلاده حينما كأن يشغل منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عام 1972.
هذا الدور مكنه فيما بعد بمصادرة عائدات النفط العالمية في العراق ومنحه شهرة شعبية استخدمها في نهاية العقد لإزاحة رئيسه احمد حسن البكر وتنصيب نفسه مكانه - طبقا لما وصفه كاتب سيرته الذاتية كون كوفلن.
فالتأميم صنع حكاما عربا أكثر ثراءً وأكثر قوة وسلطة من أي زمن مضى لكنه أتى لشعوب هذه المنطقة بخليط من الرحمة والنقمة، فالأموال الهائلة التي كانت تحت سيطرة الشركات الأجنبية تحولت إلى أيدي الساسة والقادة العرب بدلا من مواطنيهم واخذوا بالتصرف بها بأي طريقة شاءوا فوضعوا الكم اليسير في مشاريع وبرامج اجتماعية هادفة إلى تحسين الخدمات واسترضاء المواطنين، ومثل هذه البرامج ساعدت هؤلاء الحكام على الاحتفاظ بكراسيهم في خضم الحركات الثورية الديمقراطية التي اجتاحت العالم في الثمانينات والتسعينات وخلعت الكثير من الجبابرة. وهنا نستعرض الأسباب الكامنة وراء احتفاظ حكام النفط بسلطاتهم الاستبدادية:
أولا: مكن الثراء النفطي الحكام شراء مواطنيهم عن طريق مدهم بالمال والعطايا والامتيازات دون ضرائب، والعلاقة بين الضرائب والتمثيل الحكومي علاقة وطيدة وقديمة بقدم مفهوم الديمقراطية فكلما أراد حكام الزمن القديم زيادة الضرائب على المواطنين قابلهم المواطنون بالمطالبة بكثير من المسائلة والمحاسبة، ففي الزمن الذي كانت فيه أمريكا قابعة تحت الاستيطان البريطاني ثار الأمريكان ضد حكومة بريطانيا احتجاجا على رفع الضرائب دون منحهم حق التمثيل في البرلمان، إلا أن حكام البترول العرب اعتادوا بأن يقابلوا شعوبهم المطالبة بالمحاسبة والمراقبة بالهبات والعطايا أو تخفيض الضرائب أو كليهما، وقد ثبتت هذه الطريقة نجاحها، ففي إبان أحداث الربيع العربي أعلنت الجزائر تسخير 156 مليار دولار لغرض تمويل بنية تحتية جديدة وقامت بتخفيض الضرائب وخصصت السعودية 136 مليار دولارا لرفع رواتب الموظفين في القطاع الحكومي إضافة إلى زيادة في تعويضات البطالة وإعانات السكن أما الكويت فقد منحت لكل مواطن 1000 دينار (ما يعادل 3600 دولار أمريكي) وأطعمة مجانية لمدة 14 شهرا.
مثل هذه العروض لم يكن لها مثيلا في البلدان غير النفطية فلم يكن في طائل الطغاة الآخرين كابن علي في تونس ومبارك في مصر وصالح في اليمن من أموال تكفل تشبثهم بالسلطة وتحول دون سقوطهم.
ثأنيا: استطاع الحكام الذين يستمدون تمويل أنظمتهم الاستبدادية من شركات النفط الوطنية الحفاظ على سرية حساباتهم المالية وهذه السرية تعطي تفسيرا أخر لطبيعة الثروة النفطية النابذة للديمقراطية، فقد اعتاد المواطن على الاكتفاء بالهبات الكريمة والضرائب القليلة لعدم علمه بأن القدر الهائل من أمواله تهدر على السرقات وتضيع في فساد أجهزته الإدارية وعدم الكفاءة في إدارة مؤسسات ومرافق الدولة، فعلى سبيل المثال كانت نصف خزينة العراق تسرب عن طريق شركة النفط الوطنية لصالح نظام صدام حسين ولا احد سوى نظامه كأن على دراية تامة بتفاصيل ميزانية تلك الشركة.
نشرت مؤخرا منظمة عالمية معنية بمراقبة ميزانيات الدول تقريرا يشير إلى أن الأنظمة العربية الفردية من النوع اللا نفطي وتلك التي لا تمتلك من النفط إلا القليل كمصر والأردن والمغرب تكشف سنويا عن بعض تفاصيل ميزانياتها على العكس من الأنظمة النفطية الدكتاتورية كالسعودية والجزائر التي لا تعلن عن أي شيء بتاتا والجدير بالذكر أن شرارة الثورة في تونس ومصر أشعلها الوعي المتزايد لدى المواطن عن فساد تلك الأنظمة المالي والإداري.
ثالثا: تمكنت الأموال النفطية أنظمتها من الإنفاق الفاحش على القوات المسلحة لغرض شراء ولائها المطلق للسلطة، فعلى سبيل المثال منح الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد مئات الملايين من الدولارات على الحرس الثوري الإيراني بهيئة عقود غير مشروطة بالمناقصة والمعروف عالميا أن الأنظمة الفردية اللأنفطية تنفق على جيوشها حولي 2٪ من ناتجها الاقتصادي الإجمالي أما نظرائها من الدول النفطية فتبذل 3٪. فقد نفقت تونس الثورة (الفقيرة بالنفط) 53 دولارا للنسمة فقط على جيشها في عام 2008 مقارنة بجارتها الجزائر الغنية والتي نفقت 141 دولارا للنسمة في نفس العام وقوبلت الأخيرة بمظاهرات اقل تأثيرا، والملاحظ أن بعض الدول المصدرة للنفط مثل السعودية وعمان والإمارات تعتبر من اكبر الدول أنفاقا على عسكرها وهذا الإنفاق كأن له جزاءه فحينما خرج بعض مواطني السعودية وعمان والبحرين في بداية 2011 منددين بأنظمتهم ومطالبين بالحرية والديمقراطية هبت الجيوش المكرمة لإخماد وسحق تلك الحركات.
الديمقراطيات المطلية بالزيت:
كل ذلك لا يعني أن النفط سيغرق الربيع العربي أو أن الدول النفطية محكوم عليها بالدكتاتورية الأبدية، فخلال الأعوام الاثني عشرة سنة الماضية استطاعت كل من أندونيسيا والمكسيك ونيجيريا التحول بنجاح إلى الديمقراطية رغم أن جميع هذه الدول مصدرة للنفط. لكن الأمور لا تبدوا بهذه السهولة بالنسبة لحكومات العرب النفطية لأن كل من أندونيسيا والمكسيك ونيجيريا تعتبر من الدول النفطية متوسطة الحجم فأندونيسيا مثلا تمتلك من البترول ما يسد حاجتها المحلية ولا تصدر منه إلا القليل، وجميع الدول الثلاثة هذه انفتحت سياسيا في الأعوام 1999 و 2000 الذين شهدت فيهما أسعار النفط انخفاضا كان الأسوأ في غضون 30 عاما.
كانت فنزويلا آخر دولة غنية بالنفط انتقلت بنجاح إلى الديمقراطية عام 1958 لكن فنزويلا استفادت من حقيقية أن لها تاريخا في الحكم الديمقراطي ونقابات عمالية منظمة استطاعت أن تقوض سلطة النظام العسكري، على العكس من الدول العربية الغنية بالنفط فليس لأي منها خبرة سابقة في الديمقراطية ومعظمها يمتلك بترولا يفوق بكثرة ذلك الذي في فنزويلا فعائدات البحرين ( للنسمة) الحالية من البترول يفوق فينزويلا (1958) بثلاث أضعاف (معدلة للتضخم) والسعودية بسبع أضعاف وليبيا بستة أضعاف وليس هناك أي دولة أخرى بغنى فنزويلا النفطي ( كانت تصدر 2,5 مليون برميل يوميا في عام 1958) استطاعت أن تتحول إلى الديمقراطية بنجاح، لكن هذا لا يعني أن حكام النفط العرب لن يسقطوا أبدا فانتشار الانترنيت سيحول دون قدرة هؤلاء الحكام على التستر على هدر ثروات بلادهم وإدامة الفساد فيها إضافة إلى أن تأرجح أسعار النفط وسوء الإدارة الحكومية سيستنزف ما تبقى من ثرواتهم النفطية ويضطرهم لتقليص المعونات المقدمة لشعوبهم فالسبب وراء سقوط نظام الشاه في إيران عام 1979 كأن نتيجة الفساد الذي أتى بالنفع على النخبة في الوقت الذي جلب الضر على الطبقات الوسطى والفقيرة.
وحتى لو استبدل حكام النفط العرب بقادة منتخبين فأن شبح الدكتاتورية سيضل يحوم فقد استطاع حكام المنطقة وملوكها أن يستخدموا ثروات النفط لتمويل شبكات هائلة من المحسوبية شملت المحب والمناوئ ومثل هذه الشبكات تحول عادة دون نشوء مجاميع المجتمع المدني المستقلة لما لمثل هذه المجاميع من دور أساسي ومهم في خلق تكتلات قوية وسط مناوئي النظام القديم - تكتلات تعتبر ضرورية للمد القيادي في الحكومات الجديدة و منع رجوع الحكم التسلطي .
والأمر الأخر يتعلق في أسعار النفط فما زالت الأسعار مرتفعة سيكون النقد المتولد بمثابة مصدر مستمر للأغراء مما يجعل الحكام الذين انتخبوا بواسطة الاقتراع الحر والعادل من استخدام الكسب الهائل من أموال النفط لدحر الإصلاحات الديمقراطية، فرئيس فنزويلا هوجو تشافيز اختلس مئات الملايين من عائدات شركة البترول الفنزويلية الوطنية لصالح برامج اجتماعية موجهة للفقراء حقن من خلالها جرعة منشطة في شعبيته لدى العوائل قليلة الدخل والقوات المسلحة وخلق بذلك أجواء من الإرضاء وتطييب الخاطر سمحت له بإزالة وسائل المراقبة والمحاسبة على سلطته فقد استبدل قضاة المحكمة العليا اللاموالين وفرض قيود على الإعلام ورفع حدود الفترة الرئاسية، وكذلك فعل الرئيس الروسي فلادمير بوتين .
ويبدو أن العراق يحذو على هذا المنوال فحوالي 85 ٪ من دخل الدولة يأتي من عائدات البترول إلا أن البرلمان العراقي لم يقدر حتى الآن على الموافقة على قانون الطاقة والذي سيكون بمقام الإطار القانوني لإدارة موارد النفط العراقية. هناك إشارات تدل على أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بدأ يبتعد تدريجيا عن الديمقراطية مستفيدا من الغموض في بعض مواد الدستور لإرساء هيمنة شخصية على المؤسسات الأمنية الرئيسية بما فيها قيادة قوات مكافحة الإرهاب.
ويتهم بعض المراقبين السيد المالكي بتسخير مثل هذه الأجهزة لإسكات مناؤيه من السياسيين وذكروا أن حكومته أعطت الكثير من الهبات والمعونات من المال والأراضي لبعض الصحفيين فيما قامت قواته الأمنية بضرب واعتقال الكثير من الصحفيين الآخرين والناشطين السياسيين والمثقفين خلال المظاهرات التي حدثت في شهر فبراير الماضي.ثورات الربيع العربي هذه تذكرنا بجاذبية النداء العالمي للديمقراطية ولكنها في نفس الوقت تنبه أن النفط هو اكبر الحواجز منعة في طريق الإصلاح الديمقراطي.
التخلص من
1- التقليل من الاستهلاك : ستكون لعنة البترول قائمة مازال العالم يشتري كميات هائلة منه والحل المرئي الوحيد هو الحد من استهلاكه الذي سيؤدي حتما إلى هبوط أسعاره وبالنتيجة تقليل سيل الأموال إلى ماكنة الأنظمة النفطية المستبدة. الولايات المتحدة هي الدولة القادرة الأولى لأحداث مثل هذا التغيير باعتبارها المستهلك الأكبر للبترول في العالم إذ أن في عام 2009 وحده حرقت الولايات المتحدة من النفط ما حرقته الصين - السوق العالمية الثانية الكبرى .
وبتقليص استهلاكها للبترول تستطيع الولايات المتحدة أن تحدث هزة في عروش الأنظمة الدكتاتورية القابعة على أحواض النفط حتى هؤلاء الذين يبيعون نفطهم للصين، على النقيض من الوسائل الأخرى كالحصار الاقتصادي الذي لم تثبت فعاليته في تأديب وتهذيب سلوك مثل هذه الأنظمة لأن طالما ضل الطلب العالمي للنفط مرتفعا تستطيع هذه الأنظمة بيع نفطها للدول التي لا تكترث بالديمقراطية كالصين. فلم يثبت الحضر الاقتصادي على الدول المصدرة للنفط جدواه تاريخيا فعلى سبيل المثال حينما فرض مجلس الأمن الدولي حضرا على مبيعات العراق النفطية ما بين 1990 و 2003 لم يفلح ذلك الحصار في فك قبضة صدام حسين على السلطة وكذلك لم توفق سياسات الحصار المحدودة على الأنظمة الحاكمة في إيران وليبيا وبورما في أضعاف تمسكهم بالحكم .
2 - الشفافية : تستطيع الولايات المتحدة والدول الأخرى المستوردة للنفط أن تدفع بالسوق النفطية العالمية للمزيد من الشفافية التي من الممكن أن تضعف من قدرة الأنظمة المعتمدة على النفط على شراء ذمم مواطنيها وابتزاز أموال الدولة ففي دراسة مشتركة بين معهد مراقبة الدخل والمنظمة العالمية للشفافية جرت عام 2010 تبين أن 29 دولة من أصل 41 دولة مصدرة للنفط أو الغاز أو المعادن لم تعطي إلا كشوفات جزئية عن دخولات مواردها.
بدأ المجتمع الدولي حديثاً بالانتباه لمسألة الشفافية في البيانات المالية للمبيعات النفطية وشرع باتخاذ الخطوات اللازمة في هذا المجال ففي عام 2002 أطلق رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير مبادرة الشفافية على الصناعات الاستخراجية والتي دعت الأنظمة الغنية بموارد النفط والغاز أن تعلن عن عوائدها وأصبحت هذه المنظمة حاليا منظمة مستقلة تحوي على أكثر من ثلاثين دولة من ضمنها العراق وأندونيسيا وأذربيجأن ونيجيريا، وقد تضمن قانون الإصلاح المالي الأمريكي لعام 2010 فقرة تجبر الشركات المسجلة في هيئة البورصة والضمانات المالية الأمريكية أن تعلن عن مدفوعاتها للحكومات الداخلة معها في عقود نفطية دولة بدولة ومشروع بمشروع، ومن المؤمل أن مثل هذه الشروط ستجعل من الصعب على الحكومات المصدرة للنفط أن تخفي مدخولاتها وبالتالي لا تستطيع إخفاء فسادها وهدرها للموارد من شعوبها.
ومن الممكن عمل المزيد في هذا الاتجاه فعلى الاتحاد الأوروبي والاتحادات الدولية أخرى المستهلكة للنفط والغاز أن تحذوا حذو الولايات المتحدة بأن تشترط على شركاتها أن تكشف عن المبالغ المدفوعة للحكومات الأجنبية المستثمرة في بلدانها وقد احتضنت دول القمة الاقتصادية الثمانية مثل هذه الخطوة في مؤتمرها بمدينة ديوفل لكنها تفتقد الصلاحية على إجبار أعضائها بالتمسك بقيود الشفافية وتركت المجال لهم أن يعملوا على مكانتهم، وكذلك المجلس العالمي للمعايير المحاسبية الذي مقره في لندن والذي يقرر الإجراءات المحاسبية لأكثر من 120 دولة بحاجة إلى التحديث فتحت ضل القواعد الحالية لا يشترط من شركات التعدين والمستخرجة للبترول أن تكشف عن دفعاتها للحكومات النفطية.
وعلى المجتمع الدولي أيضا أن يشجع الدول النفطية على فتح شركاتها النفطية عالميا وإدراجها في سوق بورصة نيويورك -على سبيل المثال - حتى يتسنى لهم الوصول إلى مستثمرين جدد وفي نفس الوقت تصبح خاضعة لمعايير الشفافية الأمريكية الجديدة، وعليه أن يشجع الأنظمة النفطية على الانقياد للمبادئ المقررة في ميثاق الموارد الطبيعية الذي تم صياغته من قبل علماء وممارسين والذي ينص على أن على المواطنين وحكامهم أن يضعوا أموال ثرواتهم الطبيعية في برامج وخطط اجتماعية تأتي بالنفع المباشر والملموس.
3- توزيع الموارد : يقترح روس أن على الدول المصدرة للنفط أن تمنح مواطنيها أسهم في شركاتها الوطنية أو أرباحا سنوية توزع على المواطنين كما فعلت ولاية ألاسكا الأمريكية منذ عام 1970 فمثل هذه الخطة من شأنها أن تصبح ذات شعبية سياسية واسعة ترضي مطالب المواطنين بالشراكة في ثراء أوطأنهم وتشجع في تفحص ومراقبة حكوماتهم.
ويختتم روس بقوله: لقد تخلفت الدول المصدرة للبترول عن الديمقراطية منذ السبعينات مقارنة بغيرها وفي الشرق الأوسط أدى ثراء النفط إلى تقوية الحكام والملوك العرب على حساب شعوبهم حتى الربيع العربي الكاسح لم يغير هذا الوضع في دول الخليج وهناك ثمة دول أخرى ستلتحق بهذا الركب فبسبب الارتفاع في أسعار النفط وتزايد الطلب العالمي عليه وتحسين تكنولوجية استخراجه أعلنت ما بين 15 و 20 دولة فقيرة عن البدء في تصدير النفط أو الغاز الطبيعي ومعظمهم من الدول الإفريقية وهذا إنذار أولي عما سيحدث لهذه الدول، فأن أساءوا إدارتها سيكون مصيرهم الوقوع في لعنة النفط أبضا.
لكن جغرافية الدول يجب أن لا تحدد مصائرها وهذا ينطبق على الدول المصدرة الحديثة منها والقديمة لكن النفط سيظل حاجزا منيعا أمام الإصلاح الديمقراطي حينما يخفي الحكام أموالهم النفطية عن شعوبهم وحين يبعث المستهلكون الأمريكان وغيرهم أموال مشترياتهم لحكام النفط ليستخدموها في اضطهاد وسلب حريات شعوبهم و لا يمكن التخلص من لعنة البترول هذه إلا بتقليص الاستهلاك وجعل التداولات المالية أكثر كشفا وشفافية وبذلك يستطيع الأمريكان المساعدة في إسناد شعوب هذه المنطقة بدلا من إدامة حكامها الطغاة.
وهناك بعد آخر لم يتطرق له روس في تناوله لعلاقة النفط بالديمقراطية وهو تاثير المال الهيدروكربوني على المسارالديمقراطي في دول أخرى لا مساس لها بالبترول كالذي تحاول دويلات الخليج النفطية كالسعودية وقطر والإمارات أحداثه من تأثير على الناتج الانتخابي والسياسي لصالح حزب معين على حساب الأحزاب الأخرى في دول الربيع العربي الخالية تقريبا من البترول وبالتالي منحه اي الحزب الممول أرجحية وتفضيلا.
وهذا أمر خطير وجدي للغاية إذ أن المال السياسي الغير متكافئ بإمكانه تقويض العملية الديمقراطية بأكملها من خلال خلق حالة اللاتوازن المالي الانتخابي بين الأحزاب المتنافسة وإعطاء الأفضلية الانتخابية لمن ببذخ أكثر في الهبات والدعاية الانتخابية فضلا عن إسناد القاعدة والهيكلية التنظيمية للحزب المفضل. هذا ما رأيناه جليا في الدور التي لعبته قطر في مصر وتونس وسوريا وليبيا في إسنادها المالي والسياسي لتنظيمات الإخوان ثم تبعتها السعودية والإمارات والكويت المناوئين لحكم الإخوان في مصر بضخ المليارات من الدولارات بعيد الانقلاب على الإخوان لصالح الحكام الجدد. إذن فلعنة البترول هذه بإمكانها تخطي الحدود لتنال من عفة وطهارة ثورات أخرى بعيدة عن ساحاتها وهي جاهدة بإرساء سبل الديمقراطية والعدالة في أوطانها وهو أمر يجب التنبه له بجدية وإدخاله في الحسابات الدستورية والقانونية للحد من تأثيره.
ترجمة و تحرير: د. محمد المالكي
باحث سياسي / جامعة هارفرد الأمريكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.