لا مجال هذا اليوم للفرجة، ولا مجال أبدا للوقوف على الربوة مثلما يفعل بعض الشعراء والكتاب. قلة قليلة ظلّت تكتب عن هذا الموت الداهم في كل مكان، وإن هذه القلة كثيرة حقا ولكنها غير كافية ، لقد ظفر أغلب الكتاب بالسلامة المهنية (بعد ان نالوا عضوية بائسة من اتحاد الكتاب التونسيين ! أو نالوا عملا في وزارة الثقافة زمن المسغبة أو نالوا شهائد تقدير وجوائز من ملتقيات الأدباء الشبان !) والسلامة المهنية توفرت هذه الايام لكل من صمت عمدا طلبا للخضوع والخنوع والاستسلام واليأس واتكاءً على منجزات قديمة (أو مصروف جيب لغوي !). إنها الكارثة التي تحل بالبلد، في ظل التقتيل والاغتيال والاعتداء والاغتصاب والرش والتكفير والتجريم... وما صمت أغلبهم إلا خنوعا وطلبا للسلامة وأي سلامة هي والسّوس قد نخر العظام ! قلة قليلة ظلت تكتب وتحفر شيئا في الصدى مثل سليم دولة ومنصف الوهايبي وأولاد أحمد وآدم فتحي... في زمن عزّ فيه الكلام تخرج بعض الغربان الناعقة لتهاجم حركة أدبية جديدة في تونس ولدت من رحم الثورة ومن رحم الفاجعة... ولكنها حركة أدبية ولدت من رحم الحياة، وإن من بين مؤشرات الموت في الوسط الثقافي المحاولة اليائسة لضرب كل ما هو ثقافة أصيلة هدفها ارساء بديل ثقافي حقيقي، فما الفرق بين نقدة وشعارير وفراخ وثورجيين بالصدفة هاجموا في زمن الاغتيال والقتل والظلام، حركة أدبية فتية ضاربة في المستقبل، وبين أحزاب حاكمة بأمرها وأمر ربها تقصي وتهمش وتقتل وتنكل وتشرد وتطبّع وترش الناس بالرصاص والقنابل المسيلة للدموع وتهش عليهم بعصي سوداء في زمن أسود لم يمرّ البلد بمثله من قبل أبدا ! وما الفرق اليوم أيها الشعراء والمثقفون، والمتسلقون اللائذون بشاشات البلور، ما الفرق بين محاولة ضرب كل نفس حديث في الكتابة والقول والنص وبين ضرب كل نفس تحرري ديمقراطي ينادي بحق الحياة بعيدا عن التكفير والتجريم والتطبيع والوصولية والانتهازية ! إنه الخزي والعار حقا... لأحزاب حاكمة تريد مشروعا استبداديا ظلاميا ولنقدة وشعارير لم يقدموا للثقافة التونسية والعربية شيئا يشدّ أَوْدَ النصّ وبنيان الكتابة وتفنين الكلام من أجل عالم حرّ وفكر خلاّق... فصدق من قال لكل زمن جرذانه وفئرانه ويرابيعه!