في الجزء الثاني من الحوار المطول الذي كنا أجريناه مع الأخ حفيظ حفيظ الأمين العام المساعد المكلف بالوظيفة العمومية نتوقف أمام أهم الملفات التي ظلت على امتداد سنوات ما بعد الثورة تبحث عن اجابات مقنعة تحدث فيها الكل دون أن يضع النقاط على الحروف وبالتالي تحديد المسؤوليات. ضيفنا قال كلاما كثيرا حوصلناه في الحوار التالي خاصة بعد أن لقي الجزء الأول نجاحا وردود فعل متباينة وهذا هو الأهم في اعتقادنا خلال هذه المرحلة التي تمر بها تونس اليوم. أين وصل ملف التشغيل الهش (المناولة، الحظائر والآليات) ؟ - إن قطاع الوظيفة العمومية هو المتضرر الأكبر من الخيارات التي انتهجتها الحكومات التونسية منذ أواسط الثمانينات خلال استفحال الأزمة الاقتصادية العالمية وما خلفته من انعكاسات على البلدان الأكثر تبعية للمراكز المالية العالمية مثل تونس، فكانت الوصفة آنذاك أن ترفع الدولة يدها على القطاع العمومي بالتفويت فيه الى المستثمرين المحليين والأجانب وكذلك الحد من الإنفاق عن المجالات التي يتعذر خوصصتها كليّا فتدنت بذلك الخدمات العمومية حتى في أهمها عند المواطنين كالتعيلم والصحة والنقل وانعكس ذلك بالطبع على أوضاع الأعوان العموميين الذين ومع انخراط تونس في اقتصاد السوق وتحرير الأسعار مقابل زيادات طفيفة في أجورهم كل 3 سنوات تدهوت مقدرتهم الشرائية وانعدمت الآفاق المهنية أمامهم بحكم ما يمثله القانون العام للوظيفة العمومية لسنة 1983 والقانون العام لعملة الدولة لسنة 1985 من عوائق أيام ترقياتهم وما تشهده أنظمة التأجير من اختلالات كبرى بين النظامين إزاء استفحال مع التمشي في تجميد العنصر الأصلي في الأجر من خلال إدراج كل زيادات في العنصر المتحول أي المنح. إن وعينا بهذا الوضع حتم علينا الانكباب خلال سنة كاملة على تشخيص دقيق شارك فيه مئات النقابيين ومن مختلف الجهات ومن الهياكل الأساسية تُوّجت بتصورات بديلة ترتكز على العناصر التالية: الانتداب والترقيات وشبكة التأجير ونظام العطل وأنظمة التأديب والخطط الوظيفية. كما يعتبر التوقيت الإداري من أهم المعضلات التي يعاني منها الأعوان العموميون فعدد الساعات التي ينجزها الأعوان العموميون في البلدان المتقدمة تتراوح بين 1600 ساعة و1800 ساعات في حين تبلغ عدد الساعات بالنسبة إلى تونس 2200 وهو رقم كبير جدا خاصة مع اعتماد بلادنا نظام 5 أيام عمل في الاسبوع وهو ما يحتم علينا القيام بإجراءات عاجلة في هذا المجال فتتمثل في التقليص في ساعات العمل الأسبوعية من 40 الى 35 وهو ما سينعكس إيجابًا على المردودية ويحد من الضغط الذي يعيشه العون العمومي. إن الإصلاحات التي لزم القيام بها تهدف أساسا الى تحسين أوضاع الأعوان لكن الأهم من ذلك هو تحسين الخدمات العمومية التي يتلقاها أبناء شعبنا وهي التي لا يمكن أن تتم بواسطة موظفين تدهورت مقدرتهم الشرائية وانعدمت آفاق الترقية المهنية أمامهم وانعدم الاهتمام بالمرفق بل تفقيره. وماذا عن قانون العام للوظيفة العمومية ؟ - لقد انجرّ عن الخيار المتمثل في الحد من الانفاق على القطاعات العمومية بروز ظاهرة التشغيل الهش بإضافة الى عملة التسريح للعمال انتهجتها بلادنا منذ بداية التسعينات خاصة سياسة التشغيل الهش التي تعددت أشكالها كالمناولة والحظائر والآليات المتعددة مثل الآلية 16 والآلية 20... وهي أنماط مهينة لكرامة الإنسان ولا توفر الحدّ الأدنى من مقومات العمل اللائق التي فصّلتها الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها بلادنا بمعايير دقيقة. إن ثورة شعبنا هي ثورة حرية وكرامة ولا كرامة دون شغل قار وتوفر فيه الأجر المناسب والتغطية الاجتماعية وكل الحقوق المُتَّفق عليها لذلك كان اهتمام المنظمة كبيرا بهذا الملف إذ يمثل احدى استحقاقات انتفاضة شباب تونس وكان أوّل اتفاق اطاري يمضيه الاتحاد العام التونسي للشغل بعد 14 جانفي 2011 يتعلق بإنهاء العمل بالمناولة وكان ذلك في 22 أفريل 2011 ومنذ ذلك الوقت ونحن في صراع متواصل مع الحكومات الانتقالية المتعاقبة قبل 23 أكتوبر 2011 وبعده من أجل تفعيل هذا الاتفاق واضطررنا الى القيام بعديد الاضرابات في قطاعات كانت أكثر تضررا من أشكال التشغيل الهشة ولئن تمكّنّا من حسم هذا الملف في الوظيفة العمومية بتسوية وضعيات كل الذين عملوا بهذه الصيغة قبل 18 فيفري 2011 فإن تطبيق هذا الاتفاق مازال متعثرا في المنشآت العمومية رغم كل الصبر الذي تحلينا به والمرونة في ايجاد حلول عملية ونحن الآن بصدد القيام بجلسات أسبوعية في وزارة الشؤون الاجتماعية التي ترعى هذا الحوار وذلك من أجل طي هذا الملف نهائيا. كما أن ملفّ الحظائر وخاصة المتعلق بالذين عملوا بهذه الصيغة قبل 2011 بدأ يعرف طريقه الى التسوية وخاصة بعد التوافقات التي تمت بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل والتي تُوّجت بلجنة وطنية من أجل السهر على تنفيذ هذا الاتفاق. والآن اتفقنا مع الحكومة على دراسة ملف آلاف من شبابنا الذين عملوا بصيغة الآليات التي كانت مسكّنات يقدمها نظام بن علي لجحافل العاطلين من أصحاب الشهائد العليا والتي انطلقت في بدايتها كصيغة للاعداد للحياة المهنية فتتحول تدريجيا الى شغل قار عوض اتباع سياسة الانتداب. وستكون أول جلسة بين الاتحاد والحكومة يوم 16 سبتمبر 2013 من المنتظر أن تُطرح فيها عديد الحلول التي نتمنى أن تكون في مستوى تطلعات الآلاف الذين من حقهم أن تسوى وضعياتهم. كيف تفاعل الاتحاد العام التونس للشغل مع الانتدابات المحدثة بعد 14 جانفي؟ - إن الدور الذي لعبه الاتحاد العام التونسي للشغل خلال المرحلة الانتقالية الأولى والتي تُوّجت بانتخابات 23 أكتوبر 2011 جعلت عديد الأطراف وخاصة الترويكا الحاكمة تعمل على الحد من دوره الوطني والتقليل منه وتعددت المحاولات لتشجيع ودعم منظمات أخرى برزت بعد الثورة لكن الواقع يؤكد أن الانتساب النقابي والانخراط في المنظمة قد تضاعف تقريبا في عديد القطاعات والجهات، كما أن عديد القطاعات التي حُرمت من حقها في ممارسة النشاط النقابي قد تحررت من تلك القيود بعد الثورة والتحقت تلقائيا بالاتحاد العام التونسي للشغل فكانت خير رافد له خاصة أنها تمثل قطاعات حساسة كالولايات والمعتمديات والداخلية والإطارات المسجدية التي تعرف أبشع أنواع الاستغلال، كما انضمت الى المنظمة قطاعات نوعية كمؤسسة رئاسة الجمهورية والوزارة الأولى والخارجية وإطارات وأعوان مجلس النواب ودائرة المحاسبات وغيرها... وهو ما حدا بالاتحاد وكعادته الى الاهتمام بهذه النقابات الجديدة وإيلائها العناية اللازمة فتعددت الندوات التكوينية التي شملت العشرات منهم، وكذلك مرافقتهم في الجلسات التفاوضية خاصة من قبل الاتحاد الجهوي للشغل بتونس وكذلك عديد الأقسام الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل. ونحن طبعا في انتظار انعقاد المجلس الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل لاستكمال المهام التي كُلّفنا بها في مؤتمر طبرقة والتي من بينها النظر في اعادة هيكلة المنظمة بما يجعلها أكثر ملاءمة للتحولات التي تعرفها العلاقات الشغلية من جهة ، وتعصير أدائه وكذلك التعامل السليم مع مئات الآلاف الذين يفدون سنويا على المنظمة من جهة أخرى، إن منظمتنا مُوَحَّدة رغم تنوعها وهو ما يحتم علينا السهر على تحصينها دائما من داخلها. هناك خطاب يقول بأن الاتحاد العام التونسي للشغل ومنذ اغتيال محمد البراهمي لم يعد يهتم إلا بالسياسي وأهمل الملفات الاجتماعية لمنظوريه فكيف تردون؟ - لو عددنا الجلسات التي انجزها الاتحاد العام التونسي للشغل عبر مختلف هياكله القطاعية والجهوية فهي تعد بالعشرات على كل المستويات وهناك عديد الملفات التي وقع حلها، إن قوة الاتحاد ومنذ 14 جانفي 2011 وتكريسا لتقاليده تكمن في حرصه على المحافظة على التوازن بين دوره الوطني والاجتماعي، فمع مساهمته الفعالة في المسار الانتقالي حقق عديد المكاسب الاجتماعية كالمفاوضات حول الزيادات في الأجور والأنظمة الأساسية الخاصة، وتعديل الفصل 2 من القانون العام للوظيفة العمومية، وابرام العقد الاجتماعي وملف المناولة والحظائر وهو تقليد حافظ عليه خلال هذه الفترة فوقع فض مشاكل عديدة في القطاع الخاص والعام وابرام اتفاقيات جديدة. وبالتالي فهذا الخطاب عادي لأننا ألفناه من الذين يستهدفون دوما الاتحاد وينزعجون من نجاحاته.