يمثّل لقاء الاطراف الاجتماعية حول طاولة المفاوضات حلقة مفصلية في تحديد طبيعة العلاقات الشغلية وأفق تحقيق مكاسب عمالية ولذلك تكتسي المفاوضات اهمية بالغة من حيث الاعداد لها والترتيب لموعدها بتأطير المفاوضين وتزويدهم بالتقنيات والمداخل العملية واطلاعهم على أدق تفاصيل المنظومة الشغلية واقعا وآفاقا... ضمن هذا الاطار تندرج الندوة الخاصة بالاعداد للمفاوضات الاجتماعية حول العقود القطاعية المشتركة التي نظمها قسم القطاع الخاص بالاتحاد العام التونسي للشغل بالاشتراك مع قسم التثقيف النقابي والتكوين العمالي بأحد نزل سوسة ايام 20 / 21 / 22 جويلية 2007 والتي افتتح فعالياتها الاخ عبد السلام جراد الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وحضر اشغالها خمسة اعضاء من المكتب التنفيذي الوطني الى جانب الاخ محمد الجدّي الكاتب العام للاتحاد الجهوي بسوسة. بعد ترتيبات الافتتاح من حيث استقبال المشاركين الذين فاق عددهم السبعين، وكلمات الافتتاح التي تداول عليها كل من الاخ محمد الجدي الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة وممثل منظمة فريديش ايبارت المموّلة لهذا النشاط والتي قدمها باختصار الاخ ساسي العدواني ممثل هذه المنظمة الصديقة للاتحاد، ثم كلمة الاخ عبد السلام جراد الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، انطلقت فعاليات الندوة بفقرتها الاولى والتي ترأسها الاخ عبيد البريكي الامين العام المساعد المسؤول عن قسم التثقيف النقابي والتكوين العمالي، وقد تضمنت مداخلة تاريخية تحليلية للاستاذ حسين الديماسي بعنوان التحولات الاقتصادية وتأثيراتها على أنماط التشغيل والتي تعرف من خلالها الحضور على اهم التحولات التاريخية التي طرأت على انماط التشغيل الجديدة المتسمة بالمرونة والهشاشة كالعمل وقتا جزئيا والعمل وقتا متقطعا والعمل بعقود لمدة معينة والعمل بالمناولة والعمل عن بعد وغيرها من الاشكال الهشة للعمل التي طغت على حساب العمل القار، وقد اشار المحاضر الى فقدان النقابات العمالية لقسط كبير من طاقتها على التفاوض والصمود خاصة امام احتداد التناقض بين العرض والطلب، اي بين الانتاج والاستهلاك، ليستخلص الاستاذ حسين الديماسي في خاتمة مداخلته ان هاجس السنين المقبلة لا يتمثل في خشية استفحال انماط التشغيل المرنة الهشة بقدر ما يتمثل في خشية زوال فرص التشغيل اصلا، وهي النقطة التي فتحت باب النقاش والحوار على مصراعيه، وقد تركزت اغلب مداخلات الاخوة المفاوضين على ضرورة توحيد الجهود امام استفحال هذه الاشكال خاصة في مواقع العمل بالقطاع الخاص والذي يمثل نموذجا لهذه الصيغ اللاانسانية في العلاقات الشغلية. من العام الى الخاص على خلاف مداخلة الحصة الصباحية التي تطرقت للوضع الشغلي عالميا في العقود الاربعة المنقضية، جاءت مداخلة الحصة المسائية التي ترأسها الاخ محمد السحيمي الامين العام المسؤول عن قسم الدراسات والتوثيق، وقدمها الاستاذ عبد الجليل البدوي وهي محاضرة بعنوان «المؤشرات الاقتصادية بتونس» حيث تدّرج فيها المحاضر من الوضع الاقتصادي العالمي الى انعكاساته وظلاله على المنظومة الشغلية ببلدنا مستندا الى واقع العمال والعاملات في عدة مؤسسات بمختلف القطاعات في جهات البلاد خاصة كالمعادن والسياحة والنسيج وقد نهضت مداخلة الاستاذ عبد الجليل البدوي على جملة من الاحصائيات والارقام «المفزعة» في علاقة بسلم الاجور والمنح وبقيمة الانتاج والاستهلاك وخاصة غلاء المعيشة وتطور نمط الحياة لدى التونسي والذي لم يرافقه تطور حقيقي على مستوى دخله، وقد مثلت مداخلة الاستاذ البدوي أرضية معرفية لتقدم جملة من نقاط الاستفهام اثارها الحضور ضمن نقاشهم، وقد عززوا هم ايضا مداخلاتهم بجملة من الاحصائيات والارقام الواقعية التي يقف عليها النقابيون من خلال علاقتهم بالعمال والعاملات في مواطن عملهم. القطاع الخاص: منفذ قد يصير قلعة في اليوم الثاني لهذه الندوة وقبل ان يقدم الاستاذ المنجي طرشونة مداخلته تدخل الاخ بلقاسم العياري الامين العام المساعد المسؤول عن القطاع الخاص باعتباره رئيسا للجلسة الصباحية، ليوضّح عدة معطيات عن طبيعة القطاع الخاص وعن اهم مشاغل عماله وعاملاته مؤكدا ان هذا القطاع الذي يمثل المنفذ الاهم لتطعيم العلاقة الشغلية بين الاجير والمؤجر يمكن للنقابيين متى تسلحوا بالمعرفة التامة وبالروح النضالية والصمود يمكن ان يجعلوا منه قلعة حقيقية ستتكسر على حصنها شراسة رأس المال وتتراجع امامها الامواج العاتية للاستغلال البشع واللااخلاقي لطاقة العمل على حساب الحقوق وعلى حساب كرامة البشر... حماسة الاخ بلقاسم العياري لاقت تجاوبا حسنا من قبل الحضور وحفزت ملكة الانتباه لدى الجميع للقراءة النقدية في اشكال العمل الوقتي من خلال الاتفاق الاطاري والاتفاقيات القطاعية المشتركة التي قدمها الاستاذ المنجي طرشونة والذي انطلق من قانون 1996 وخاصة الفصل 6 / 4 ليقف على طبيعة المناولة، وقد ارتكزت مداخلة الاستاذ على الاتفاق الاطاري وجملة من الاتفاقيات القطاعية المشتركة ومدى تطبيقها وامتثال الاعراف لها. هذه المداخلة تم التعقيب عليها من قبل الاخ عبيد البريكي الامين العام المساعد المسؤول عن قسم التثقيف النقابي والتكوين العمالي بمداخلة توضيحية ابرز من خلالها جملة من البنود والاتفاقات الشغلية الجديدة في المؤسسات الخاصة وقد أبدى الاخ عبيد البريكي مقدرة فائقة في تبليغ المعلومات التي تضمنتها مداخلته وابدى من الصرامة ما جعل كل الحضور ينتبه لخطورة المعلومات المقدمة. القانون نبراسنا ضمن فعاليات الحصة المسائية لليوم الثاني والتي تولى رئاسة اشغالها الاخ علي بن رمضان الامين العام المساعد المسؤول عن قسم النظام الداخلي والقى خلالها الاستاذ رشاد مبروك محاضرة قانونية عنوانها «الحق النقابي والاتفاقية 135» تطرق ضمنها الى جملة من المقارنات القانونية في ميدان قانون الشغل خاصة مع فرنسا وبعض الدول السكندينافية ليبرز تطور القوانين والتشريعات لصالح العامل ضمانا لحقوقه وكرامته من حيث الاجور والمنح والامتيازات وخاصة من حيث شروط عقود الشغل وبنودها، وقد وقف الحاضرون من خلال هذه المداخلة على عدة نقاط قانونية مهمة من شأنها ان تكون نبراسهم اثناء خوضهم للمفاوضات مع الاطراف الاجتماعية المعنية. القضية العادلة في اليوم الاختتامي لندوة الاعداد للمفاوضات الاجتماعية، وقبل ان يختتم الاخ عبيد البريكي نشط الاخ نبيل الهواشي حصة صباحية حول تقنيات التفاوض ومناهجه، وبعد ان عرض جملة من الخصائص والسلوك الذي يجب ان يتحلى به المفاوض قدم لجميع الحاضرين حكمة مرجعية تقول ان المحامي السيء لا يمكنه ان يدافع عن القضية العادلة، في اشارة واضحة الى ان كل نقابي مسؤول عن تطوير تقنيات التفاوض والتحلي بالاخلاق الفاضلة من اجل كسب القضية العادلة، قضية العمال المضطهدين...