سعيد يجتمع بعدد من الوزراء ويؤكد على اهمية اصلاح التربية والتعليم    سلطات مالي تعلن تحرير 4 سائقي شاحنات مغاربة    من مسبح المرسى الى سماء العالمية ..أحمد الجوادي قاهر المستحيل    تاريخ الخيانات السياسية (36) ..المعتزّ يقتل المستعين بعد الأمان    دراسة.. مواد غذائية بسيطة تقلل خطر السرطان بنسبة تقارب 60%    شبهات التلاعب بالتوجيه الجامعي ..فرقة الجرائم المعلوماتية تلاحق الجناة    سفنه تنطلق من تونس يوم 4 سبتمبر .. 6 آلاف مشارك في أسطول الصمود إلى غزّة    عاجل/ واشنطن تعتزم فرض شرط جديد للحصول على تأشيرة عمل أو سياحة..    أخبار الحكومة    بلاغ رسمي للملعب التونسي    أخبار النادي الصفاقسي .. حصيلة ايجابية في الوديات.. وتحذير من الغرور    بنزرت الجنوبية: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    المدير الجهوي للتجارة بنابل ل«الشرق» استقرار في التزويد.. وجهود لضبط الأسعار    تونس: تجميع أكثر من 11,7 مليون قنطار من الحبوب إلى غاية نهاية جويلية 2025    النجم الساحلي يتعاقد مع الظهير الايسر ناجح الفرجاني    النادي الصفاقسي يعلن رسميا تعاقده مع علي معلول الى غاية 2028    الدكاترة المعطلون عن العمل: ضرورة توفير خطط انتداب ب5 آلاف خطة    ليلة الاثنين: بحر مضطرب بالسواحل الشرقية والشمالية    القصرين: العثور على جثة كهل تحمل آثار عنف    المنستير: تظاهرة "فنون العرائس على شاطئ روسبينا" في دورتها الثانية بداية من 15 أوت 2025    مهرجان العروسة: جمهور غاضب وهشام سلام يوضح    وزير السياحة: سنة 2026 ستكون سنة قرقنة    التعاون بين تونس وإيطاليا : طاقة التفاوض وفوائض الطاقة    بطولة افريقيا للشبان لكرة الطاولة بنيجيريا: المنتخب التونسي يختتم مشاركته بحصد 8 ميداليات منها واحدة ذهبية    القصرين: سواق التاكسي الفردي يتوجهون نحو العاصمة سيرًا على الأقدام تعبيرا عن رفضهم للقائمة الأولية للمتحصلين على رخصة "تاكسي فردي"    مهرجان نابل الدولي 2025... تكرار بلا روح والتجديد غائب.    رونالدو يتحوّل إلى صانع القرار في النصر... ويُطالب بصفقة مفاجئة    488 تدخل للحماية المدنية في 24 ساعة.. والحرائق ما وقفتش!    التوجيه تحوّل لكابوس: شكون تلاعب بملفات التلامذة؟    أمطار وبَرَدْ دمّرت الموسم: الزيتون والفزدق والتفاح شنيا صار؟!    عاجل: ''تيك توك'' تحذف أكثر من 16.5 مليون فيديو ودول عربية في الصدارة    ماء في الكميونة يعني تسمم وأمراض خطيرة؟ رّد بالك تشرب منو!    التوانسة حايرين والتجار زادا مترددين على الصولد السنة!    عاجل: الاتحاد العام التونسي للشغل يردّ على تهديدات الحكومة ويؤكّد حقّ الإضراب    الدلاع راهو مظلوم: شنوة الحقيقة اللي ما تعرفهاش على علاقة الدلاع بالصغار؟    في بالك ...الكمون دواء لبرشا أمرض ؟    والد ضحية حفل محمد رمضان يكشف حقيقة "التعويض المالي"..    نواب ديمقراطيون يحثون ترامب على الاعتراف بدولة فلسطين..#خبر_عاجل    سليانة: رفع إجمالي 275 مخالفة اقتصادية خلال شهر جويلية    وزارة الأسرة تؤمن مواكبة 1200 طفل من فاقدي السند ومكفولي الوزارة عرض La Sur la route enchantée ضمن الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي    استشهاد 56 فلسطينيا برصاص الاحتلال خلال بحثهم عن الغذاء    بنزرت: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    القبض على "ليلى الشبح" في مصر: سيدة الذهب والدولارات في قلب العاصفة    "روبين بينيت" على ركح مهرجان الحمامات الدولي: موسيقى تتجاوز حدود الجغرافيا وتعانق الحرية    إصابة عضلية تبعد ميسي عن الملاعب ومدة غيابه غير محددة    جريمة مروعة تهز دمشق: مقتل فنانة مشهورة داخل منزلها الراقي    عاجل/ خلال 24 ساعة: استشهاد 5 فلسطينين جراء الجوع وسوء التغذية..    محمد عادل الهنتاتي: مصب برج شاكير كارثة بيئية... والحل في تثمين النفايات وتطوير المعالجة الثلاثية    البحر ما يرحمش: أغلب الغرقى الصيف هذا ماتوا في شواطئ خطيرة وغير محروسة    جريمة مروعة: امرأة تنهي حياة زوجها طعنا بالسكين..!!    تحذير طبي هام: 3 عناصر سامة في بيت نومك تهدد صحتك!    عرض "خمسون عاما من الحب" للفنانة الفرنسية "شانتال غويا" في مهرجان قرطاج الدولي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    من بينها السبانخ.. 5 أطعمة قد تغنيك عن الفيتامينات..تعرف عليها..    تاريخ الخيانات السياسية (35): المنتصر يقتل والده المتوكّل    اعلام من باجة...سيدي بوسعيد الباجي    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علامة فارقة في تاريخ الإتّحاد الحديث
صفاقس في الذكرى الأولى لرحيل فقيد الحركة النقابية، المناضل صالح برور: مناقب ومآثر وذكريات في شهادات الرفاق
نشر في الشعب يوم 01 - 09 - 2007

بمواصفات المفاوض الصلب، والعارف بدقائق الأمور... بخصال الذكاء والجرأة وسعة الإطلاع... بمآثر الثبات على المبادئ والنزاهة وتحري الأمانة وبجهد الموضوعية... عرّف وقدّم رفاق الراحل صالح برور في الذكرى الأولى لرحيله والّتي احتضنها مقرّ الإتّحاد الجهوي للشغل بصفاقس بحضور جمع من مناضلي الحركة الشغيلة وأعضاء النقابات الجهويّة وممثلي بعض النقابات الوطنيّة فضلا عن عائلة الفقيد وصحبه وأقاربه... المناسبة دعت إليها النقابة الجهوية للتكوين والتشغيل بصفاقس وأشرف عليها ثلّة من الأمناء المساعدين لمكتب التنفيذي للإتّحاد العام التونسي للشغل للوقوف على محطّات من التاريخ النضالي للرجل والتنويه بخصاله ومآثره ومناقبه الّتي جعلت منه علامة فارقة في تاريخ الإتحاد العام التونسي للشغل بل والحركة النقابية في تونس عموما إسوة بالمناضلين والمؤسسين ومن على هديهم سار واقتدى ولاسيما الراحل صالح برور...
سجّلت الإحتفاليّة الّتي انتظمت صبيحة السبت 25 أوت 2007 حضور ثلّة من الأمناء العاملين المساعدين ممثّلين عن الإتّحاد العام التونسي للشغل وهم الإخوة محمد شندول وعبيد البريكي وعلي بن رمضان ومحمد سعد، إضافة إلى الأخ مسعود ناجي الأمين العام المساعد السابق وأعضاء النقابتين العامّة والجهوية بصفاقس للتكوين المهني والتشغيل والهجرة، وممثّلي النقابات الأخرى وبعض رفاق الفقيد على غرار المناضل محمد السلمي ويونس الشلي والكاتب العام للإتّحاد المحلي بقرقنة الأخ محمد عروس وغيرهم من مناضلين وأعضاء الإتّحاد الجهوي الّذين كانوا محل ترحيب من الكاتب العام للإتّحاد الجهوي للشغل بصفاقس الأخ محمد شعبان، والّذي احتفى بعائلة الفقيد وخاصّة زوجته المناضلة السيدة لطيفة وبناته... فيما غابت والدة الفقيد نظرا لصعوبة تنقّلها في وضعها الصحي وسنّها المتقدّم وهو ما لم يسعفها لمواكبة الإحتفاء النقابي بابنها الراحل على حدّ تبرير السيدة لطيفة أرملة صالح برور ورفيقة دربه... احتفاء نالت صفاقس من خلال الاتحاد الجهوي والنقابة الجهوية للتكوين والتشغيل شرف تنظيمه باعتبار أنّ بداياته النضالية كانت بها فضلا عن كونه ابن جزيرة قرقنة مستجيبين لدعوة في الغرض من الاخ مصطف مقديش الكاتب العام للنقابة الجهوية للتكوين والتشغيل الذي شكر الجميع على حضورهم...
مؤسّس نقابة التكوين المهني والتشغيل والهجرة
بدايات صالح برور في رحلة نشاطه ونضاله النقابي كانت في صفاقس تحديدا في قطاع التكوين المهني والتشغيل والهجرة حيث أسّس رفقة نخبة من المناضلين أوّل نقابة في القطاع المذكور وقد كشف الأخ محمد شعبان عن وثيقة نادرة مؤرخة في 5 جوان 1971 تشير إلى موعد الجلسة التأسيسيّة لتلك النقابة والّتي واكبها بمعية الفقيد برور مؤسّسها في ظرف تاريخيّ حساس كان بمثابة الإرهاصات الأولى لمحنة الإتّحاد في قابل الأيام في العام 1978 أو حتّى أزمة 1985 .
إلمام صالح برور بخصائص قطاع التكوين والتشغيل منحه شرعيّة تأسيس النقابة العامّة لهذا القطاع ومن ثمّ الخوض في معركة تحقيق المكاسب ورفع التحديات وتقديم التضحيات من أجل تواصل الحراك النقابي في هذا المجال ليكون الراحل صالح برور عن جدارة بمثابة أب لهذا القطاع كيف لا وقد كان صدور أوّل قانون أساسي لأعوان التكوين والتشغيل ثمرة جهد ونضال مشهود لصالح برور ورفاقه أنذاك؟!. هكذا إذن تسنّى لصالح برور أن يكون مرجعا أساسيا في البلاد التونسية في مجال التكوين والتشغيل، الرجل وبفعل سعة اطّلاعه لم يكن ليترك شاردة أو واردة تفلت عنه ليسجّل موقفا أو اعتراضا أو تعليقا أو احترازا أو إضافات... وكان الجميع يقتنعون بوجاهة آرائه وردوده وتعقيباته عن كلّ مسألة طارئة أو مستجدّ، حتّى وإن كانت ردوده صلفة أو جافّة أو فضّة في نظر مخاطبيه أو مواجهيه أو خصومه، إلى حدّ جرّ أحد الوزراء السابقين في مجال التكوين والتشغيل يقسم في إحدى المناسبات: «والله لو كان صالح برور يقبل أن أعيّنه مديرا عامّا بوزارة التكوين والتشغيل لن أجد أفضل منه»، ذلك ما جاء على لسان الأخ محمد البكاي الكاتب العام للنقابة العامة للتكوين والتشغيل في شهادته الّتي قدّمها عن الراحل. وما قيل عن القانون الأساسي ودور صالح برور في نحت معالمه كمكسب للشغيلة في هذا القطاع يقال أيضا في القانون التوجيهي للتكوين المهني الصادر في بداية التسعينات والّذي خاض فيه الفقيد مفاوضات شاقّة وكان له دور رياديّ في صياغته النهائيّة وإيلائه المنزلة التي يستحقّها وذلك بتنزيله منزلة الجزء الّذي لا يتجزّأ من المنظومة التربوية ككلّ كما كشف عن ذلك الأخ محمد شندول الأمين العام المساعد المكلّف بالإعلام.
في المجلس الاقتصادي والاجتماعي أيضا
الفقيد الراحل كان مخلصا لنهجه النضالي في المجال الاجتماعي والحقوق والعدالة الاجتماعيّة، في كلّ المنابر وكلّ المسؤوليات الّتي قبل تحملها في مختلف المحافل الدولية والوطنية، كان ثابتا في الدفاع عن تلك المبادئ، صالح برور كان بارّا لقناعته النضالية ملتزما بثوابته حريصا على الإصداع برأيه ومواقفه حيث ما أدلى بدلوه، وهو لا يدخل معركة تفاوضية إلاّ بعد تروٍ ودراية ودراسة مستفيضة لكافّة ملفّاته، مطّلعا على جميع دقائق الموضوعات وجزئياتها حيث كان يبهر الجميع بإلمامه بمختلف التشريعات والقوانين، «لذلك ظلّ على الدوام مرجعا تشريعيا لنا». والكلام للأخ محمد سعد الأمين العام المساعد في شهادته عن الفقيد حيث يذكر أنّه كان رحمه الله دائم الاصطحاب بمحفظته المتضخّمة التي لا يُرى إلاّ وهو يحملها أو يتأبّطها، وهي المكتنزة بملفّات مختلفة في مجالات اهتمامات شتّى، ليعكف على دراستها حين اختلائه بنفسه في مكتبه بمقرّ الإتّحاد بنهج محمد علي «كان بحقّ رجل الملفّات».
ويذكر الاخ محمد شندول في هذا الصدد صولات الرجل بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي حيث كان يدفعنا ويحفزنا إلى عدم تفويت الجلسات دون تسجيل موقف الإتّحاد وتقديم مبادراتنا وعرض بدائلنا ومقترحاتنا ورؤانا، وما يحضر الاخ محمد شندول في هذا السياق ما ذكره عن تقديم مشروع القانون على أنظار المجلس حول التصحّر، وقد اندهشنا لحرص الرّجل على تداول هذا القانون ومناقشته من جهة أنّه قد يكون غير خبير أو مطّلع على دقائق هذا المجال وطبيعة مشاكله ومتعلّقاته، لكن كان جوابه المقنع دائما «هذا الملف قد يكون لا يهمّنا الآن ولكنّه يهمّ حقوق الأجيال القادمة والتاريخ لن يرحمنا إذا تغافلنا عن تلك الحقوق...!».
رجل الاستقلالية حتّى في الإتّحاد الدولي...
كلّ مداخلات الحاضرين نوّهت إلى قيمة ثابتة في خصال الفقيد وقناعاته إذ لطالما كان متشبّثا بخطّ الاستقلاليّة، أي استقلاليّة الحركة النقابيّة على الخيارات الرسمية والتوجّهات السياسية التي قد تخلّ بالحريات النقابية وقد تتسبّب في احتواء المناضلين وتضييق نشاطهم النقابي ممّا يهدّد سلامة القرار النقابي ويُضعف مواقف الشغيلة في الداخل والخارج... استقلالية تشبّث بها برور فلم تجلب له إلاّ المتاعب والمصاعب في عديد المحطّات النضالية الّتي خاضها بدءا من أزمة 26 جانفي 1978 حيث كان أوّل المعتقلين آنذاك ولكنّه بإصراره وتجلّده وثباته على مواقفه كان أيضا آخر المسرّحين، بعد أن سُجن لمدّة سنتين وكان يكفيه أن يقدّم عبارات الاعتذار الّتي كان يرى فيها هزيمة وضعفا ونكوسا وتبعيّة... فيرفض ويصرّ على الرفض لذلك احتسب دوما على ما قيل أنّه «زعيم جبهة الرفض» ويستشهد الأخ عبيد البريكي في هذا الصدد بحادثة تاريخيّة هامّة ذلك أنّه ولدى انتقال المرحوم صالح برور إلى واجهة أخرى من واجهات العمل النقابي والدفاع عن حقوق الشغيلة في الوطن العربي بالإتّحاد الدولي للعمّال العرب وفي ختام إحدى الندوات تقدّم بعض المتدخّلين بمقترح توجيه برقية شكر وامتنان وتقدير وإكبار لأحد الزعماء السياسيين أو لعلّه كان أحد القادة العرب، وهنا جُوبه هذا المقترح بتصدّ وممانعة واعتراض من المرحوم صالح الّذي صرّح بقوله: «نحن هنا للدفاع على حقوق استُؤمنا عليها دفاعا ومطالبة، لا للشكر والتنويه والمبايعات... والإتّحاد الدولي منظّمة مستقلّة عن سياسات الحكّام العرب وخياراتهم وتوجّهاتهم...».
إصرار وثبات واستقلالية كانت شعارات وقناعات وممارسات لمسها فيه كلّ من عاشر برور حتّى في أحلك الظروف قسوة فلم ينحنِ قطّ للابتزاز والاستدراجات والاستمالات والمساومات... وظلّ برور رافضا لكلّ العروض التي قدّمت إليه عبر أحد الوُجهاء في السلطة إبّان أزمة 1978، رفض الخطط الرسمية والمناصب الّتي عُرضت عليه لإثنائه عن عزمه وتغيير مساره كما ذكرت أرملة المرحوم السيدة لطيفة، تلك المرأة المناضلة الّتي عاشرت المرحوم حوالي 33 سنة كانت فيها رفيقة دربه أسريّا وفي النضال الاجتماعي. وقد كانت أيضا هي حبل الوصل بينه وبين المناضلين لدى إخضاعه للإقامة الجبرية بأحد نزل جزيرة قرقنة حسب إفادة السيدة لطيفة في مداخلتها المقتضبة والمؤثّرة، مداخلة أكّدت فيها المرأة المناضلة أنّ وراء الرجل العظيم بمناقبه وخصاله ومآثره الأمّ الأعظم هنيّة المبروك، ولكن أيضا الزوجة الصالحة. الأمّ العظيمة هنيّة التي ربّت المرحوم صالح تعلمّت على يدها أيضا المناضلة لطيفة الصبر والأناة والثبات والقدرة على تحمّل الصعاب كيف لا وهي الصادعة بقولها في موقف الابتزاز والمساومة لابنها سابق الذكر مخاطبة من جاء يعرض عليه الجاه بقولها: «إنّ ابني كما ربيتُه نقابي صادق ومخلص ولا يقبل مساومات وإذا ما رضخ لابتزازاتكم وقبِل مساوماتكم فلن أكون له أمّا...!!!».
برور بخصاله تلك ومواصفاته النضالية هو سليل العائلة النقابيّة، فكما كان والده المعلّم محمد برور رفيق درب الشهيد حشاد ارتبط تاريخ صالح برور بالمرحوم الحبيب عاشور...
رجل المبادرات والحنكة التفاوضية
«رفيق عاشور» كذلك يُعرف صالح برور، كان بالغ التأثّر بمواقف عاشور بخياراته وبناء مواقفه «فكنّا نستجلي وجهة نظر عاشور من خلال محاورة برور ومجادلته» هكذا صرّح الأخ محمد شعبان الكاتب العام للإتّحاد الجهوي بصفاقس «لقد تدخّل عاشور شخصيّا لنقله ووضعه على ذمّة الإتّحاد لاتّخاذه كاتبا خاصّا مستشارا له بعد أن تعرّض إلى عقوبات مهنيّة شتّى نتيجة مواقفه النضالية النقابية كان آخرها نقله تعسفيا إلى باجة، بعدها قرّبه إليه عاشور ليكون خير سند له بنصحه ومشورته، فلم يكن على اطّلاع واسع بالقطاعات المهنيّة والمجالات التفاوضية فحسب، بل وأيضا كان عارفا بالرجال إذ له علاقات متشابكة بالشخصيات الوطنية والدولية... «فهو الّذي قدّمني إلى الزعيم عاشور كما يحسن التقديم» والقول لمحمد سعد، «وهو أيضا أعرف بالتاريخ، تاريخ الأحداث وتاريخ الرجال» فكان لا ينسى ما جدّ في تلافيف الزمان من مواقف الأشخاص، ومن متغيّرات التنظيمات، والتحوّلات السياسية وخيارات بعض الأطراف، فكانت معارفه سندات له للمقارعة والحجاج والمجادلة لنظرائه وخصومه ومحاوريه... لقد قدّم صالح برور إضافة حيث ما حلّ بعطائه الغزير والّتي يشهد بها الجميع «لقد كانت مختلف الشخصيات والوفود الدوليّة والعربية تستجلي المواقف الرسميّة للإتّحاد الدولي للعمّال العرب إزاء مختلف القضايا الراهنة والشواغل الدولية من خلال تصريحاته نظرا لعمق اطّلاعه ونظرته الثاقبة لخصائص الأمور ولأبعاد المستجدّات، فلا معقّب على ما يصرّح به صالح برور، تلك هي إفادة الأخ علي رمضان الّذي لم يخف تأسفّه على انتقال الفقيد إلى سوريا للعمل بالإتّحاد الدولي للعمال العرب، حيث وصف ذلك بالخسارة الّتي مُنيَ بها الإتّحاد العام التونسي للشغل خلال تلك الفترة، «كنّا نتمنّى أنّه لم يغادر إلى سوريا رغم أنّه قدّم الإضافة إلى الإتّحاد الدولي وكذلك يفعل حيثما حلّ، ولكنّه ترك مع ذلك ثغرة شاسعة في الإتّحاد العام التونسي للشغل لم يتسنّ سدّها بأيّ حال من الأحوال...!».
رجل المواقف رجل الديمقراطيّة أيضا...
مواقف الفقيد صالح برور صالحة لكلّ الدهور لمن هو في وضع التفاوض والجدل والحوار والنّقاش، وهي لعبة كان الرجل يجيد قواعدها فكان يصدع برأيه دون مواربة بعيدا عن التنميق والملاطفة والبروتوكولية المزيّفة... فاعتُبِر بذلك خصما عنيدا مناورا صلدًا معتزّا بمواقفه لا يتخيّر ألفاظه بقدر تخيّر أفكاره ومواقفه والدفاع عنها. فلا خوف من لوم لائم، ولكنّه رغم ذلك لم يكن متفرّدا بالرّأي، بل على العكس كان مؤمنا بالعمل الجماعي كيف لا وهو من خصائص العمل النقابي وأدبيات الديمقراطية صلب الإتّحاد العام التونسي للشغل؟!، غير أنّه لم يكن يتقن قطّ آليّة المجاملات تماما كما لم يكن يحسن لعب المخاتلة والمغالطة والمراوغة، بل عكس ذلك كان شفّافا يحبّ الوضوح والمكاشفة... كلّ هذه الخصال جعلت كلّ من يواجه برور يحترمه ويقدّره وهم أكثر تقديرا له حين يكتشفون بعد زمن وجاهة رأيّه وصواب خياراته وصدق مواقفه وموضوعيتها. ذلك ما أكّد عليه علي بن رمضان: «كنّا نختلف معه ولكنّنا كنّا أيضا نحترمه». هو بالفعل رجل ديمقراطيّ أو هو يتعاطى بروح الديمقراطية، ويذكر الجميع حينما بادر الراحل إلى دعوة المديرين العامين ورؤساء المؤسّسات إلى مقرّ الإتّحاد وهي سابقة لم تشهدها الهيئات الإدارية للإتّحاد، مع ذلك تمكّن الرجل من مقارعتهم ومحاججتهم إلى حدّ أنّه عبّر بقوله رحمه الله: «سأكتّفهم!» وفعلا تمكّن الرجل بوجاهته المعهودة، وحجّيته المستساغة من تحقيق مطالب لم تتوصّل إلى تحقيقها خلال المفاوضات العاديّة كما شهد بذلك الأخ محمد سعد.
تقول الابنة الصغرى للفقيد برور جيهان: «لقد كان رحيل والدي ثغرة وفجوة كبرى وخسارة للعائلة، لكنّنا نعتزّ بما زرعه فينا من روح النّقد وقبول الرأيّ المخالف ونحن كعائلة مع حرصنا على حقّ النقد وحرّيته نحن أكثر حرصا على كتابة تاريخ والدي صحيحا دون مغالطة» عبارة تكشف بحقّ أنّ الراحل لم يمُتْ بما خلّد من أفكار ومبادئ وقناعات تتداولها عائلته وبناته ومن بعدهم...
برور على نهج الأساطين...
مناقب الفقيد صالح برور هي من خصال عظماء الشغيلة في تونس على غرار حشاد والتليلي وعاشور وآخرين، تجعل من الإتّحاد مدرسة وطنية في النهوض والتنمية والدفاع الاجتماعي والعدالة والمساواة والحرّية... مآثر تكشف عنها مواقف الرجل في أزمة جانفي 1978 وأزمة الهياكل الشرعيّة في العام 1985، رجل التضحيات والعطاء الّذي لا ينضب، أيام مرضه ورغم آلامه الحادّة، والمضنية إلاّ أنّه كان شديد الحرص على عمله مصرّا على القيام على شؤونه بنفسه «ما دُمت قادرا على الحركة فعليّ أن أعمل» هكذا ينقل عنه محمد شندول وعن روحه العمليّة المعطاء، وحادثة فقدان صوته الشهيرة في إحدى المفاوضات حيث استعان بمضخّم صوت لإبلاغ صوته لهي أفضل شاهد على اندفاعية الرجل إلى العمل دونما حسابات، العمل الشغل النضال إلى آخر نبض فينا... ليس شعار بل هو ممارسة جسمها في أفضل تجلياتها الفقيد برور -وإذا كانت النفوس عظاما تعبت في مرادها الأجسام- برور كما هو في ذاكرة عبيد البريكي: «رجل الاقتدار وقوّة الشخصية والجرأة». وهو في نظر محمد سعد «رجل الشجاعة والقدرة والجرأة». وفي تقييم علي رمضان: «يبقى برور رجل صدق وثبات على الموقف». وفي تقدير محمد سعد: «فالفقيد رجل مواقف ومبادرات». مسعود ناجي أمّا هو فيسم صليح وكذلك كان يناديه بأنّه: «رجل نظيف اليد نقابي صادق يرفض المشاركة السلبيّة أو ما عبّر عنه بالمواقع الخالية (Les chaises vides)». ووصفه شعبان: «بأنّه رجل مخلص صبور ثابت حكيم». زوجته المناضلة لطيفة تثمّن فيه خصلة الأمانة مع الجميع بدء من العائلة وكذلك يكون خارجها «أمّا جيهان صغرى البنات فتستحضر من خصال والدها رحابة صدره وقبوله للنقد ما دام هو أفضل منْ يمارسه».
تعدّدت التعريفات بتعدّد الخصال، بتميّز المواقف وتعدّد مقتضياتها: دهاء نقابي / وفاء / ذكاء / صراحة / حوار / إقناع / عطاء / اقتدار / أمانة / جدّية /... هو رجل فعل لا رجل شعارات، رجل مواقف وليس ظاهرة خطابية كلامية، شديد في غير عنف جريء بغير ضعف، برور في عين معاصريه ورفاقه صفحة لا تنطوي من تاريخ الإتّحاد ما دامت قيمه ومبادئه بمثابة الضمير الجماعي لمناضلي الإتّحاد العام التونسي للشغل، الرجل كغيره من الهامات حديث بعده وفي تاريخ تونس والإتّحاد تداول بأنمله العشر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.