عندما اطيح بالزعيم الجماهيري الباكستاني ذو الفقار علي بوتو زعيم باكستان في انقلاب عسكري عام 1977 لم يكن أيا كان يفكر في ان ابنته بنازير بوتو ستحقق حلمه وتستعيد المكانة الاولى في باكستان... والسبب ان عائلة ذو الفقار علي بوتو تظم ولدين كان يعتقد انهما سيتكفلان بهذه المهمة غير ان السيدة الجميلة حققت حلم الزعيم بعد ذلك بسنوات عديدة... وقفة بنازير بوتو مع السلطة طويلة الا اننا سنستعرض ابرز مراحلها. قرابة الثماني سنوات قضتها السيدة نصرت زوجة الزعيم الراحل ذو الفقار علي بوتو في السجن مع أولادها قبل ان يسمح لهم الجنرال ضياء الحق باختيار بريطانيا كمنفى... وسرعان ما استشهد الابن الاكبر مسموما في مدينة كان الفرنسية وظن الجميع ان أمل العائلة في استعادة حقها السليب في الحكم قد ولى الى غير رجعة... لكن ما حدث لم يكن في الحسبان ولم يفكر احد يوم ذاك ان بينازير بوتو التي كانت تمثل الحلم لوالدها ستحققه وتصبح أول رئيسة للحكومة في الباكستان. بداية المسيرة ولدت بينازير بوتو عام 1953 وتعلمت في بلادها وعندما بلغت سن السادسة عشرة اي عام 1969 ارسلها والدها الذي كان يوليها عناية خاصة الى الولاياتالمتحدةالامريكية للدراسة بمدينة بوسطن... فشاركت وهي في تلك السن في المظاهرات المعادية للتدخل الامريكي في فيتنام... بعد ذلك انتقلت الى جامعة اكسفورد في بريطانيا لدراسة الاقتصاد والسياسة... وتم انتخابها رئيسة لاتحاد الطلبة في الجامعة... وكانت اول اجنبية تفوز بهذا المنصب.. كان والدها ذو الفقار علي بوتو يعدها لتكون نموذجا للمرأة الباكستانية المثقفة والمناضلة واصطحبها وهي لم تبلغ سن العشرين الى الاجتماع التاريخي الذي ضمه وزعيمة الهند أنديرا غاندي سنة 1972... وكان يريد لها ان تكون أنديرا الباكستانية... وقد أخذ عن الزعيم الهندي الراحل جواهر لال نهرو صاحب المقولة الشهيرة «ما أسخف العقول المتشبثه بالماضي ونعيم الماضي وسلطان الماضي... وما أطول لسان الطاغي حين يشعر بالخذلان... وان بعض المبادئ تستغرق زمنا طويلا حتى يهضمها الناس... وان استقلال الامم وحريتها لا يمكن ان يتحقق الا بجلاء الدرس من الشعوب السابقة». تأثرت بنازير بأفكار أبيها حول الديمقراطية.. وتحقيق العدالة الاجتماعية في مجتمع تنعم فيه أقلية محدودة بخيرات البلاد قاطبة.. في المنافي والسجون غير انه في سنة 1979 حصل الانقلاب العسكري على والدها وحزبه (حزب الشعب) وفيما كانت بنازير تحاول تنظيم صفوف الحزب من جديد اعتقلت هي ووالدتها لعدة اشهر وما ان اطلق سراحها حتى عاود الجيش اعتقالها وسجنها... من سنة 1981 الى سنة 1984 حيث ارغمت على مغادرة البلاد الى المنفى سنة 1985... وعاشت بنازير مرارة السجن والمنفى... وصارت اكثر صلابة وتصميما على اعادة مجد أبيها بانتصار الديمقراطية في البلاد والقضاء على دكتاتورية ضياء الحق.. وحين عادت من السفر سنة 1985 استقبلها الملايين من ابناء الشعب الباكستاني وكانوا يهتفون باسم هذه الفتاة النحيلة والجميلة وسموها الشمس المشرقة... شعروا انهم ليسوا امام امرأة عادية بل زعيمة حقيقية.. وتكرست زعامتها خصوصا بعد موت شقيقها مسموما في فرنسا... وملاحقة أخيها الثاني بتهمة اختطاف طائرة... أول رئيسة حكومة في العالم الاسلامي في أواخر سنة 1988 كان حزب الشعب الذي تتزعمه بنازير بوتو هو الفائز بغالبية الاصوات في أول انتخابات ديمقراطية في البلاد واصبحت بنازير بوتور اصغر رئيسة حكومة في العالم وأول رئيسة حكومة في العالم الاسلامي والعصر الحديث.. وحين كانت تهب في وجهها العواصف كان جوابها دائما وأبدا «أنني خضت معركتي السياسية بأيد نظيفة وكفى...». ويبدو ان خصومها لم يستطيعوا النيل منها شخصيا فلجؤوا الى اسلوب خبيث وهو النيل من زعامتها عبر زوجها آصف زرداري فاتّهم باستغلال منصبه بطريقة غير مشروعة... وأودع السجن... وكانت النتيجة ان خسرت بنازير بوتو الانتخابات سنة 1990... بعد خسارتها انطلقت معركتها الجديدة كقائدة للمعارضة فكانت المفاجأة ان والدتها نصرت تذكرت ان لها ابنا فأرادت ان تأتي به ليحل محل بنازير بوتو... وفعلا خاضت المعركة ضد أمها وأخيها مرتضى وقد أضعفها امام منافسها الرئيسي انذاك نواز الشريف زعيم حزب الرابطة. ورغم احتداد المنافسة ربحت السيدة الجميلة المعركة.. ولم يتورع خصومها ان يتهموها حتى في جمالها... وبنازير بوتو هي فعلا جميلة فرغم تعرضها للسجون والمنافي ورغم خوضها لأقسى المعارك السياسية وتسلمها الحكم وقيادة البلاد اكثر من مرة، الا انها لم تخسر أنوثتها فبقيت الزوجة الوفية والجميلة المعروفة ببساطة اناقتها. بنازير مازال الحلم يدغدغها بالعودة الى السلطة وقد تحصل مفاجآت لم نقرأ لها حسابا.. فباكستان تغلي وهي على فوهة بركان وبنازير قادرة بحكم رصانتها ودهائها على اجتثاث جذور الارهاب.. وللأمانة فان بنازير بوتو فرضت على الليدي ديانا غداة زيارتها باكستان بارتداء لباس يليق بقداسة المسجد الذي طافت بأرجائه ومما يعرف عن ابنة الزعيم ذو الفقار علي بوتو اعجابها الشديد بالمناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد حيث قالت غداة تواجدها بالمنفى انها كلما تصفحت تاريخ جميلة الجزائر الا وأجهشت بالبكاء جراء ما تعرضت له من تعذيب واغتصاب وحشي مضيفة ان شرف هذه الأبية كتيب معلق في رقاب نساء الجزائر وبقية دول العالم الاسلامي... جميلة هي أمّي.. هي أمّي.. هي أمّي... قالتها بنازير باكية!