قبل عقود؛ عندما كان الاتحاد السوفياتي يخوض حربا باردة ضد الامبريالية في الغربيْن الاوروبي والامريكي، ويدعم سياسيا وعسكريا دول المواجهة والصمود والتصدي ضد العدو الصهيوني من عدن الى الجزائر مرورا بدمشق وبغداد وبيروت، كانت واشنطن تدعم انشاء تنظيم (القاعدة) الارهابي وتغطي سياسيا تمويله الخليجي ورفده بالمتطوعين المضللين دينيا وتدربهم المخابرات الامريكية مباشرة، وتصفهم بالمقاتلين من اجل الحرية، فقط لأنهم يحققون أهدافها في ايجاد جرح نازف في خاصرة موسكو، هو أفغانستان، حيث كان شعار اسقاط نظام كابول الأحمر المدعوم من الاتحاد السوفياتي يظلل الدعم الخليجي لتنظيم (القاعدة) وحركة (طالبان) ويسيل لعاب واشنطن. وكان ضحايا (القاعدة) آنذاك أفغانا «مرتدين عن الاسلام» وجنود «احتلال سوفياتي»؛ والان ماذا يحدث في أفغانستان نفسها؛ ولكن هذه المرة على أيدي جيش الوصاية الغربي من أوروبا والولاياتالمتحدة، جيش الحلف الاطلسي (الناتو) الذي يصاحب عملياته العسكرية في هذا البلد المنكوب الكثير من الضحايا في صفوف المدنيين؟ فالجيش الامريكي الذي اعتدى على العراق واحتل أراضيه واستعمر شعبه متخذا أكذوبة امتلاك بغداد أسلحة دمار شامل ذريعة زورا وبهتانا، لا يتردد طيرانه في توجيه ضربات جوية الى تجمعات السكان الآمنين وبيوتهم الفقيرة بناء على معلومات غير صحيحة؛ الامر الذي جعل عدد الضحايا من هؤلاء السكان يجاوز الخمسمئة رجل في الاشهر الستة الاولى من العام الحالي 2007؛ وهذا العدد يفوق كثيرا عدد الضحايا الافغان في السنة المنصرمة، هذا فضلا عن آلاف اللاجئين ايضا. وهذه المعطيات توجب القول ان ازدياد عدد الضحايا المدنيين يخفض الى الحد الادنى امكانية القيام بعمليات لمكافحة الإرهاب ويجعل الاستقرار اخر أهداف (الناتو) في أفغانستان!؛ خاصة في ظل السكوت المتواطئ عن العمليات المتعلقة بالاغتيال والعمليات الحربية غير القانونية. وكحالها في بقية دول العالم تمارس السياسة الامريكية ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين في أفغانستان ايضا، وفي مجال حقوق الانسان، والمثال الصارخ على ذلك الاتفاقية المبرمة بين نظام كرزاي وقادة الناتو بشأن عدم تسليم المواطنين الامريكيين أو من دول الناتو الذين يتهمون بالجرائم الى المحكمة الجنائية الدولية، الامر الذي يجعل حياة الشعب الافغاني المسلم منتهكة ودمه مباحا من قبل قوات الناتو التي تستخدم ضد هذا الشعب المظلوم قوة قاسية لا تتناسب مع وضع المدنيين الافغان العزل. وهنا يجد المرء نفسه في حالة تساؤل عن صمت قادة الدول الاسلامية بشأن ما يتعرض له الشعب الافغاني المسلم على أيدي قوات الناتو، بينما كانوا يقيمون الدنيا ولا يقعدونها هم والولاياتالمتحدة ضد مساندة موسكو لحكومة كابول الاشتراكية! إن أقل ما يجب على من يتنطعون لزعامة العالم الاسلامي ان ينشطوا المنظمات والدول الاسلامية ويفعلوا دورها الطبيعي في الضغط على الولاياتالمتحدة ودول الناتو وارغام واشنطن وحلفائها على الاعتراف بمخالفاتهم ومن ثم التخلي عن استخدام القوة غير المتناسبة ضد الشعب الافغاني الذي بات حقل تجارب للسياسة الامريكية الرعناء، هذا إن كان قادة العالم الاسلامي يريدون حقا إضفاء مصداقية ما على خطابهم السياسي، ولو من خلال الاتيان بحركة في هذا السياق تنفي ما يتهم به دورهم الاقليمي والدولي من شلل وتبعية ظاهرين لكل ذي بصر أو بصيرة!