لا شك ان السياسة الخارجية الامريكية قد تصدرت الاحداث العالمية خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر، حيث غدت هذه السياسة مقرونة بخاصية محاربة الارهاب سواء ارتبط بالافراد أو بالحكومات. ولعل ما يجري اليوم في العراق وافغانستان من احداث دامية جعل العديد من المراقبين وخبراء الشؤون السياسية والعلاقات الدولية يتساءلون هل تحولت السياسة الامريكية من الديمقراطية الى الاساليب الامنية بما اسس لأساليب متنوعة من التضييق على حقوق الانسان وعلى سيادة الدول ام ان اتساع رقعة الارهاب وتطور اساليبه بات بدوره يهدد الديمقراطية وحقوق الانسان في العالم؟ في هذا الاطار تفتح «الشعب» هذا الملف للنخب السياسية. الاستاذ منذر ثابت الامين العام للحزب الاجتماعي التحرري العملية المشبوهة تتفق اكثر من قراءة على ان احداث 11 سبتمبر كانت بالمفهوم الامني عملية مشبوهة، حيث لم تتبين الى اليوم الهوية الحقيقية لتنظيم القاعدة وطريقة التنظيم التي يعتمدها. فبدت المسألة وكأن الامر يتعلق بواجهة اعلامية تتحرك من ورائها اجهزة ومخابرات قوى عظمى لكن بقطع النظر عن هذا المستوى فان المصلحة السياسية والاستراتيجية لهذه الواقعة تفيد ان الادارة الامريكية امام استحقاق الصراع الدولي المفتوح من اجل انتاج الهيمنة اقتصاديا وعسكريا، كانت محتاجة لصنف كهذا من الوقائع لتشرع تعليق الشرعية الدولية وانتهاك سيادة الدول. والجانب الشكلي الذي يحكم العلاقات الدولية الى حدود 11 سبتمبر اجّل الى آجال غير معلومة. فبعد ان كانت الحرب الاولى على العراق محكومة بضوابط القانون الدولي ومشرّع لها بانتهاك نظام صدام حسين لسيادة دولة الكويت، فان هذا المنطق الذي يمر عبر قرارات مجلس الامن ألغي لفائدة العودة الى التوظيف الساخر للعنف العسكري كما هو الشأن في احتلال العراق واحتلال افغانستان، حيث ضرب عرض الحائط لأدنى القيم والمبادئ التي حكمت العلاقة بين الدول منذ الحرب العالمية الثانية. والاكيد ان المشهد الدولي الراهن يضع الايديولوجيا الامريكية في مأزق التناقض المفضوح بين جمالية الشعارات الكلاسيكية المتصلة بالديمقراطية وحقوق الانسان وبشاعة الحرب ومعتقل قوانتانامو والتشريعات المتصلة بمقاومة الارهاب والمضيقة على الحريات. كل هذه المعطيات تضعنا امام مسؤولية البحث عن اعادة صياغة العلاقات الدولية وفق المبادئ المقدسة لحقوق الانسان والديمقراطية، وهذه المهمة من المفروض ان تتجند لها كل قوى التقدم والحرية والسلم في العالم. ومن المفروض ان تكون الحركة الديمقراطية العربية في مقدمة هذه القوى خاصة ان المنطقة العربية تتبوأ الموقع الاول في جدول هجمات القوى المعادية للحرية في العالم. واعتقادنا ان الانتصار للشرعية الدولية على ضيقها ومحدوديتها يشكل الموقع الاخير الذي من الضروري ان نتشبث بالدفاع عنه فالمعركة الراهنة بين القوى العظمى مسرحها العالم العربي وافريقيا، وكل المخططات تستهدفها، لذلك نقول ان رد الفعل العقلاني والواقعي أمر ضروري لافشال هذه المخططات ولضرب مرتكزاتها، ونعني بذلك التطرف والارهاب باعتبارهما المدخل العملي لتسرب الاستعمار الجديد. السيد المنجي الخماسي الامين العام لحزب الخضر: هذا هو التاريخ لا يمكننا فهم السياسة الحالية للولايات المتحدةالامريكية ان لم نقدر فعليا احداث 11 سبتمبر. ان تفجيرات 11 سبتمبر تعد بمثابة الانقلاب العسكري على العالم بأسره ومسكه بيد حديدية وعلى هذا الاساس، فان الحرب على الارهاب في امريكا يستند على الاسطورة. فلنقم بقراءة تاريخية للسياسة الخارجية الامريكية لنلاحظ تعدد التدخلات الامريكية في شؤون الدول الاخرى، 1912 التدخل في نياراوا ذهب ضحيتها 200 الف مدني وشهدت البلاد حالات تعذيب، وسنة 1945 كان القصف الذري على هيروشيما خلف قرابة 250 الف ضحية وفي سنة 1951 التدخل في كوريا بما سمي بالعدوان الشيوعي الشمالي ضد كوريا الجنوبية. وسنة 1954 التدخل في ايران خلف الالاف من القتلى. وسنة 1975 في اندونيسيا، حيث كانت تعمد امريكا للانقلاب وحصلت مجازر وصلت الي حدود مليوني قتيل. وفي سنة 1973 دعمت الانقلاب في الشيلي فكان مصرع الالاف وفي الفيتنام اين دام الغزو 11 سنة، استخدمت فيها الولاياتالمتحدة انواع الاسلحة المحرمة دوليا. وها انه بعد 30 سنة لا يزال مليون شخص يعني في الفيتنام من اثار الحرب من بينهم 150 الف طفل مشوّه. وابان حرب الخليج ذكرت مصادر رسمية ان هناك مليون طفل قد توفو نتيجة الحصار وانعدام ابسط المقومات للحياة. فالحرب ضد الارهاب هي عنوان غامض من المفهوم والتعريف به وخاصة على مستوى ممارسته واساليبه وتداعياته، وها هو التاريخ يشهد بأن الحرب على الارهاب مرادف للانتهاك. فالارهاب بات وكأنه لا حدود له ولا شرعية ولا اقليمية وغدا الشعار الذي يرفع في كل هذه الاحداث بمثابة التبرير لكل التجاوزات في مجال حقوق الانسان. وبهذا قد وضعت الولاياتالمتحدةالامريكية نفسها في موقع التناقض من الوثيقة الدولية للاعلان العالمي لحقوق الانسان وكل المواثيق الدولية الاخرى الخاصة بهذا المجال وفي ومقدمتها ميثاق الاممالمتحدة، وكلها تحت تعلة الحرب ضد الارهاب وتبشر بالديمقراطية، بحيث جرى ذلك باستغلال حاجة بعض الشعوب التي ترزح تحت وطأة بعض الانظمة الاستبدادية من حالات توظيف التعاون الى حالة من الهيمنة العسكرية والاستبدادية، فأي ارهاب تقاومه الولاياتالمتحدةالامريكية. الاستاذ هشام الحاجي عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية وعضو مجلس النواب: الثبات والاستمرارية أعتقد ان السياسات الامريكية لم تتغير في جوهرها لانها تبقى دائما محكومة برؤية استراتيجية تضع المصالح الامريكية فوق كل الاعتبار وتسعى لتأمين الهيمنة الامريكية على الجميع. وفي اطار تنفيذ السياسات التي تنبثق عن هذه الرؤية، تتغير هذه الاساليب وتعمد الادارة الامريكية الى خلط المفاهيم حتى لا يدرك الجميع اهدافها الحقيقية. ورغم ان تفجيرات احداث سبتمبر الارهابية والتي لا يمكن الا ادانتها شكلت في حينها صدمة مروّعة للضمير الانساني وللوعي الامريكي، فان ردود الفعل التي اعقبتها اكدت وللأسف ان الادارة الامريكية لم تتخل عن الاعتبارات الامنية، فكان غزو افغانستان بما يمثله من اعتداء على سيادة دولة مستقلة ثم شن الحرب على العراق بما يعنيه كذلك من خرق للسيادة وللمواثيق الدولية. وبما ان الادارة الامريكية ليست جادة في نشر الديمقراطية فان هذا الغطاء الذي حاولت ان تخفي به اهدافها الحقيقية سرعان ما سقط لتستعيد السياسات الامريكية مفرداتها القديمة فتنطلق في البحث عن القواعد العسكرية وتنصرف الى بيع سلاحها وتتناسى تماما الشعارات البراقة التي اطلقتها بدعوة نشر الديمقراطية ولم تقنع بها الا بعض العملاء وقصيري النظر في الوطن العربي. السيد العروسي النالوتي الناطق الرسمي باسم حركة الديمقراطيين الاشتراكييين وعضو مجلس النواب: مقاومة الارهاب لا تقتضي الارهاب ان محاربة الارهاب لا تقتضي استعمال اساليب الارهاب ذاته. فالولاياتالمتحدةالامريكية التي تعرضت الى عمليات ارهابية في 11 سبتمبر لا يبرر لها استعمال القوة ضد سيادة الدول وضرب الشرعية الدولية والتنكر لقرارات الاممالمتحدة. بل ان الولاياتالمتحدةالامريكية التي قدمت مفاهيم عامة وغامضة عن الارهاب، صارت تشرّع لنفسها استعمال القوة لبسط نفوذها وتوسيع مصالحها في العالم بتلفيق تهمة الارهاب الى من تريد. وبات هذا الامر محيرا خاصة لما اقترن الارهاب بالاسلام. فالولاياتالمتحدةالامريكية التي ادعت في السابق دفاعها عن القيم الانسانية الكونية، مطالبة اليوم، واكثر من اي وقت مضى باعتبارها قوة اقتصادية وعسكرية في العالم ان تعيد لهذه المبادئ والقيم مفاهيمها الحقيقية عبر احترام الاتفاقيات الدولية والمؤسسات والشرعية وخاصة قرارات الاممالمتحدة، لا ان تتفرد بأسلوبها الذي يعرفه العديد من الخبراء بالتعنت والعنجهي حتى تقترف جرائم ضد المدنيين والابرياء، وبالتالي تضرب في العمق مبدأ السيادة واحترام حق الشعوب في تقرير المصير واختيار مستقبلها وفق ارادتها الحرة والمستقلة.