تحيي تونس في الخامس من ديسمبر من كل سنة ذكرى اغتيال الزعيم النقابي الوطني فرحات حشاد مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل ، والزعيم الوطني والأممي الفذّ الذي دفع حياته ثمنا لاستقلال الوطن والتحرر الاجتماعي وحرية العمل النقابي. اضطر حشاد الى دخول معترك الحياة صغيرا والارتزاق من منصب متواضع شغله بالشركة التونسية لنقل السيارات بالساحل، وخلال سنة 1936 انخرط في نقابة عملة النقل التابعة للجامعة العامة للعمل (F. S. M) الفرنسية، وما كاد يشارك في العمل النقابي حتى احتل بين العملة والمسؤولين النقابيين بالجهة من تونسيين ويهود ثم فرنسيين مكانة مرموقة نظرا إلى ما أظهره من فكر نير وبعد نظر ونشاط وإقدام، تجلى خصوصا خلال قيادته لإضراب عملة النقل بسوسة في أواخر سنة 1937 قصد إرغام الشركة على الاعتراف بحقوقهم والإذعان لمطالبهم، الشيء الذي ترتب عنه نقله الى فرعها بصفاقس نتيجة ما لحقها من ضرر. تفرغ فرحات حشاد للعمل النقابي الصرف، بعد مغادرته فرع إدارة الأشغال العمومية العامة بصفاقس ، رغم نجاحه في مناظرة الوظيفة العمومية في أواخر 1940 ، وقرر حينها تكوين وإنشاء حركة لا تهدف إلا لحماية مصالح العمال التونسيين التي أهملها تباعد عنها مسيرو منظمة س / ج / ت وتمكن بالفعل خلال سنة 1944 من إنشاء النقابات المستقلة بالجنوب، التي تضم معظم عملة صفاقس وما حولها ، وكان هذا النجاح حافزا ودافعا لقدوم فرحات حشاد الى تونسالمدينة أين انشأ اتحاد النقابات المستقلة بالشمال، الى جانب الجامعة العامة للموظفين التي كانت موجودة من قبل ، وتم الاندماج فيما بينها في 20 جانفي 1946 أثناء عقد المؤتمر التأسيسي الذي تم على اثره بعث الاتحاد العام التونسي للشغل وانتخب فرحات حشاد كاتبا عاما له. ولم تمض سنة واحدة على تأسيس الاتحاد حتى تم تنظيم شبكة من الاتحادات الجهوية والمحلية ، وفروع للجامعة العامة للموظفين في مناطق البلاد كافة، مع الازدياد الكبير للانخراط الشيء الذي تولد عنه سخط السلط الاستعمارية تجاه حشاد ومسؤولو نقابات س. ج. ت في الآن نفسه. لقد عرف الراحل فرحات حشاد الى جانب عمله النقابي بوطنيته الصادقة فكان متعاونا مع الحزب الحر الدستوري التونسي، وتحمل بكل شجاعة واقتدار حركة المقاومة التحررية مع بقية زملائه في الاتحاد والحزب ، وبعد اعتقال بورقيبة في ديسمبر 1952 اشتد حقد المستعمر على المناضل والوطني والنقابي الصادق فرحات حشاد في ديسمبر 1952 ، وبدؤوا يقومون بعملية مطاردته فامتدت أياديهم القذرة عن طريق منظمة اليد الحمراء إليه وهو في طريقه من مقر سكناه الى دار الاتحاد العام التونسي للشغل صباح 5 ديسمبر 1952 حيث تم اغتياله. وقد دأب اتحادنا منذ اغتيال الشهيد فرحات حشاد في 5 ديسمبر 1952 على إحياء هذه الذكرى تخليدا لنضال حشاد على الصعيدين الوطني والنقابي ووفاء لشهداء تونس عموما، ولتضحيات ونضالات النقابيين منذ مطلع القرن العشرين على يد رائد الحركة النقابية الوطنية المستقلة محمد علي الحامي من أجل تحرير الوطن من ربقة الاستعمار وممارسة الشعب التونسي لحقه في تقرير مصيره بنفسه وتأسيس مجتمع متحرر تسوده العدالة الاجتماعية وتنتصر فيه مبادئ التقدم والديمقراطية. فعندما نقف اليوم إجلالا لذكرى مؤسس اتحادنا فليس ذلك لاجترار الماضي أو العيش على ذكرى الأحداث التاريخية فحسب وإنّما للاستلهام من نضال الأسلاف والرّوح التي تسلحوا بها في دفاعهم عن كرامة الوطن وحقوق الشغالين ، والوقوف من جديد على الارث النضالي لاتحادنا المنسجمة مع المبادئ التي انبنت عليها الحركة الوطنية النقابية ومواصلة المسيرة على نفس المنهج ، وفاء للوطن، وقضايا الشغالين مع المحافظة على حمايتها واستقلالية منظمتنا النقابية وديمقراطية هياكلها والدفاع عن حقوق العمال بالفكر والساعد والسير على درب بناء مجتمع العدالة الاجتماعية وتكريس روح المواطنة...