تزامنا مع ايام قرطاج المسرحية اتحفتنا دار الجنوب للنشر بتونس باصدار جديد يندرج في اطار سلسلة «المسرح الحي» حاملا للنص المؤسس للمسرحية الحدث «خمسون» للممثلة القديرة والكاتبة السيدة جليلة بكار. الاصدار الجديد «خمسون» الذي جاء تقديمه للقارئ العربي عموما والتونسي على وجه الخصوص على علته، في إطار ايمان دار الجنوب للنشر بدينامكية الفعل المسرحي وعلاقته التلازمية بالحياة وجاء ايضا امتدادا لذات التمشي الذي اختارته هذه الدار الرائدة نشرا ودعما للثقافة الجادة والابداع الفكري الرصين كما انه يتنزل في سياق اصداراتها لعدد من العناوين ضمن سلسلة «المسرح الحي» التي قدمت للقارئ العربي مؤلفات محمد ادريس «اسماعيل باشا» وجليلة بكار «جنون» و»البحث عن عائدة» والفاضل الجعايبي «فاميليا» وتوفيق الجبالي «كلام الليل» والزميل أحمد حاذق العرف «المسرح التونسي وعوائق التجاوز» وللفاضل الجعايبي أيضا «عشاق المقهى المهجور» الذي صدر باللغة الفرنسية. من هذه الزاوية التي تراهن على اثراء المكتبة المسرحية حري بنا ونحن نتلقف بفرح طفولي بعد ان استثنتنا ادارة فاميليا من متعة مشاهدة المسرحية ركحيا لاسباب لا يعلمها الا المسؤول عن ادارة شركة فاميليا للانتاج!!! ان نثمن هذا الجهد الكبير الذي اقدمت عليه كاتبة خمسون السيدة جليلة بكار وادارة دار الجنوب للنشر بتونس اللذان لم يحرماننا من لذة مطالعة الاثر عسانا نلتقي مع سعي هذه الدار في تبني النصوص المسرحية ونشرها مستقلة بذاتها فتعيد تشكيل شخوص الفعل الابداعي امام قارئ لم يتسنّ له مشاهدة المسرحية.. ولعلنا لا نغالي حين نجزم ان دار الجنوب للنشرتؤسس باقدامها على تبني النصوص المسرحية ونشرها مستقلة بذاتها مسارا جديدا يتحد فيه القارئ بالمشاهد فيتحول الخطاب الركحي الى نص مكتوب كتابة ترسخ في ذهن المتلقي ما كان قد شاهده ويغذي ذاكرته بروعة ما اكتشفت عيناه وليكون (ايضا وهذا هو المهم في اعتقادنا) مرجعا مهما يعود اليه متى اراد ذلك. ان خصوصية النص نابعة من لحظة القراءة التي تجعله يعيد اكتشافه ويتعمق في فهم معانيه او ما قد يبدو لحظة تلقي الخطاب كنص شفوي منطوق في حدود الركح غامضا ، فلذة المطالعة قد تعيد لنا تمثل المسرحية ذهنيا... قد لا يعسر الامر وما ذهبنا اليه على من شاهد «خمسون»مسرحية وقد يكون ايضا!! ولكن قد يستحيل او لنقل قد يصعب على من يكتشف «خمسون» من نافذة دار الجنوب للنشر بتونس ليبقى من الضروري على القارئ وهو يقبل على تلقف المسرحية / الاثر استكمال شغف المنجز الابداعي بمشاهدة العمل الركحي... نترك لمن شاهد «خمسون» ركحيا متعة العودة للاثر «الكتاب» والذي نراه مكملا اساسيا لا محيد عنه لاستعادة تمثل «خمسون» ومناخاتها بحثا في تناقضات فكرية وايديولوجية وانفصامات كبيرة في بنية الشخصيات فتشترك في الهموم حد التباعد وتنهض الوقائع من ركام الاشلاء وتزهر ساحة الفعلة / الفعل وتتولد التقاطعات تفجر استنطاق ما رسخ في «خمسون» الزمان والمكان والمسرحية او هكذا يخيل الينا ولمن لم يجد لمشاهدة المسرحية / الحدث سبيلا ولا هادي!!!