شرع الرئيس الأمريكي جورج بوش منذ يوم الثلاثاء الماضي في جولة في منطقة الشرق الأوسط يزور خلالها الأراضي الفلسطينية الخاضعة للسلطة الوطنية وإسرائيل إضافة إلى خمسة دول أخرى وصفها خلال تصريح سبق هذه الرحلة بأنها «حلفاء أميركا الرئيسيين في العالم العربي « وهي : الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر. وتأتي هذه الزيارة قبل سنة من مغادرة جورج بوش البيت الأبيض، الذي تنتهي ولايته الثانية بنهاية السنة الجارية . وفي هذه الفترة يتحول الرئيس الأمريكي عادة إلى مجرد «مصرف للشؤون العادية» ويفقد الكثير من القدرة على اتخاذ القرارات المصيرية على الساحتين المحلية الأمريكية والدولية وتضعف مبادرته كي لا يؤثر ذلك سلبا على المرشح الذي ينتمي إلى حزبه أو يستفيد منها المرشحون الخصوم في حمى المعركة الانتخابية التي تشغل أمريكا طوال سنة في انتظار تسليم السلطة إلى خلفه في مطلع السنة القادمة. لكل هذا، لا يعلق الملاحظون آمالا كبيرة على النتائج التي ستتمخض عنها هذه الجولة خاصة بعد الفشل الواضح الذي طبع مجمل سياسات الرئيس جورج بوش في منطقة الشرق الأوسط بمجملها، والصراع العربي الإسرائيلي بوجه خاص. ومما يزيد الشكوك حول النتائج المنتظرة لزيارة بوش، حدة التعقيدات التي شهدتها الساحة الفلسطينية، من جهة، بسبب انقلاب حماس واستيلائها على السلطة في غزة، وبسبب المتاعب السياسية التي يواجهها حاليا الوزير الأول الإسرائيلي إيهود أولمرت من جهة ثانية. وفي وضع كهذا يبدو تفاؤل الرئيس بوش المعلن مفتقدا إلى أية قاعدة أو سند موضوعي على أرض الواقع، وتتحول وعوده إلى ما يشبه الأماني التي لا يصدق أحد أنه لايزال، وهو في نهاية ولايته، يملك القدرة حقا على تحقيقها. ويغدو قوله، في الحديث الإذاعي الأسبوعي الذي سبق رحلته إلى الشرق الأرسط: «... وسأحث الزعيمين (رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس) على التحرك والتقدم بمفاوضات السلام التي بدآها في نوفمبر في أنابوليس . وهذا عمل صعب، فهو سيتطلب اتخاذ قرارات صعبة بالنسبة لقضايا معقدة . لكنني متفائل بالنسبة للاحتمالات . وسأوضح بجلاء أن أميركا ملتزمة بشدة بمساعدة الطرفين في تحقيق الرؤيا التاريخية التي نشترك فيها وهي : دولتان ديمقراطيتان، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن» مجرد إعلان نوايا طيبة لا يعرف أحد كيف يمكن أن تتحقق. ويبدو هذا أكثر وضوحا في حديث بوش عن الجزء الثاني من زيارته حيث يقول: «سأزور في الجزء الثاني من جولتي خمسة من حلفاء أميركا الرئيسيين في العالم العربي : الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر. وسأشكر قادة تلك الدول على صداقتها لنا، وسأحثهم على إبداء تأييدهم الشديد للمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين . وسأبحث معهم أهمية التصدي لمطامع إيران العدوانية. كما سأؤكد لهم أن التزام الولاياتالمتحدة بأمن أصدقائنا في المنطقة شديد ودائم». إن زيارة بوش هذه ليست في حقيقة الأمر أكثر من زيارة مجاملة لرئيس متخل لمنطقة يسودها اضطراب كبير ولكنه لا يملك لحلفائه فيها سوى تقديم «الكلمة الطيبة» في انتظار تسلم خلفه مقاليد السلطة ويختار بين أمرين : إما المضي قدما في سياسته المغامرة التي سلكها سلفه بوش أو الإنعطاف بدفة السفينة إلى اتجاه آخر أكثر أمانا للولايات المتحدة والعالم.