إنّ تخليد التواريخ التي تشهد وقائع هامّة يكون لها تأثيرها في مسار الأحداث وتاريخ الأمم والمنظمات وطنية كانت أو عالمية هو في الأساس تخليد لمن قاموا بهذه الأعمال القيّمة والتي استحقّت أن تذكر بها الأجيال المتعاقبة وتحتفل بها وتقام بمناسبة ذكراها المنابر والندوات والاحتفالات وحتّى الأعمال الفنية الرمزية لتتاح الفرصة للجميع للمساهمة في هذه المناسبة أو تلك ومن أهم هذه الأحداث على الصعيد العالمي عيد الشغل واليوم العالمي لحقوق الإنسان واليوم العالمي لمكافحة الفقر وكذلك على الصعيد الوطني تخلّد عديد المناسبات الوطنية الهامّة والتي تعتبر من المحطات المؤثّرة في تاريخ البلاد وفيها ما نحتفل بذكراه بعطلة رسمية وفيها ما هو دون ذلك لكن كل هذه المناسبات تأخذ حظهّا إعلاميا وتقع تغطيتها من جميع الوسائل وتذكّر بوقائعها وتمجّد رموزها لما قاموا به، لكن هناك عديد المحطات نمر عليها وعلى رموزها ومواقفهم وما قدّموه من أجل الوطن مرور الكرام ويبقى الاحتفال بها أمرا داخليا في إطار التنظيم الذي ينتمي إليه هؤلاء الذين قاموا بتلك المواقف، يمكن أن تقرأ بعض المواقف بهذه الشاكلة لكن ما أتحدّث عنه اليوم هو حدث عالمي تجاوز إشعاعه القطر التونسي أو الإيالة التونسية كما كانت تسمّى لتطال المغرب العربي ويصل صداه إلى كل بلدان العالم المتحرّر والمنظمات الدولية إنّه يوم 20 جانفي العظيم يوم تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل هذه المنظمة الوطنية حقّا لأنّ تاريخ 20 جانفي انطلق منذ العشرينيات من القرن الماضي من منطلقات وطنية اصلاحية مقاومة للاستعمار مدافعة عن الفرد التونسي من أجل كرامته وحقّه في العيش كإنسان وحتّى بعد أن أجهضت هذه الحركة وأخمدت جذوتها ظاهريا لأنّ شبه الرماد احتفظ بداخله ببعض الجمرات التي ما إن توفّرت لها الظروف الملائمة حتّى اندلعت من جديد محافظة على نفس التاريخ 20 جانفي وهي حركة فيها الكثير من الوفاء والصدق والإخلاص للروّاد لتشهد ميلاد الاتحاد العام التونسي للشغل الذي جاء منذ نشأته بمشروع ورؤية اجتماعية وانسانية وحتّى سياسية تونسية لحما ودما تجاوب معها كل الشعب التونسي الشيء الذي أربك الاستعمار نظرا للدور الريادي الذي أدّاه الاتحاد منذ الوهلة الأولى لفضح ممارسات المستعمر مركّزا على حق هذا الشعب في الحرية والانعتاق وتقرير المصير وكان ذلك على البعدين الإقليمي والعالمي علاوة على الحركية الشعبية التي أحدثها رجالاته بالداخل وذلك بتجنيد كل فئات المجتمع من أجل الصمود والتصدّي لكل الممارسات المذلّة التي كان يتعرّض لها المواطن التونسي في بلده وبين أهله وذويه، وأمام شدّة وطأة هذه التحرّكات وظنّا من المستعمر بأنّه يمكنه اخماد هذه الجذوة المنتفضة والمنبعثة من جديد على غرار ما قام به مع محمد علي بالنّفي فعمد إلى أحقر الممارسات فاغتال فرحات حشاد لكن هيهات هذه المرّة فالتجربة كان عودها قد اشتدّ وكان حول حشاد رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه والوطن وأنفسهم عليه فواصلوا المشوار حتّى بعد الاستقلال حيث أسهم الاتحاد العام التونسي للشغل بأوّل مشروع اقتصادي واجتماعي اعتمدته السلطات كبرنامج عمل للخروج بالبلاد ممّا هي عليه من تخلّف على جميع الأصعدة هذا اضافة إلى ما وفّره الاتحاد من إطارات ساهمت إلى حد كبير في تسيير شؤون البلاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في بداية الاستقلال ومازال الاتحاد العام التونسي للشغل يؤدّي دوره الريادي والمتقدّم من أجل نفس الهدف ألا وهو ازدهار تونس وعيش شعبها في أمن واستقرار اقتصادي واجتماعي وسوف يظل كذلك برجالاته لا تستهويهم المناصب والشهرة وإنّما هي مبادئ ورثوها عن أسلافهم مازالوا على عهدهم بها سائرون. إنّ مثل هذا التاريخ الذي انطلقت معه الشرارة الأولى للانعتاق والذي اتّخذت أحداثه المقاومة المسلّحة والخط السياسي ذريعة لتكثّف نشاطها وتحرّكاتها وإنّ الطريقة التي استشهد بها محمد علي وحشاد والتليلي وفي الظروف التي يعلمها الجميع هذا دون أن ننسى التضحيات الجسام التي قدّمها أبناء الاتحاد العام التونسي للشغل على امتداد هذه المسيرة الوطنية المشرّفة لكل تونسي لا يمكننا إلاّ أن نعلنها محطّة تاريخية وطنية ونعلن يوم 20 جانفي يوما وطنيا على غرار كل المحطّات التاريخية الوطنية التي نفخر بها. نحن لا نطالب بيوم عطلة لأنّ الاتحاد العام التونسي للشغل إنّما جاء يدعو إلى العمل ومزيد تنمية خيرات البلاد وتقوية اقتصادها وهو ما طالب به أحمد التليلي بعد الاستقلال ونحن بعد الجميع نطالب بأن يعتبر رسميا يوم 20 جانفي عيدا من الأعياد الوطنية يحتفى بها سنويا وأعتقد أنّ ذلك أكثر من مستحق لهذه المنظمة العتيدة التي سوف تبقى في مقدمة القوى الحيّة بالبلاد المدافعة عن كل مقوّمات الحياة الكريمة للفرد والمجموعة وكل عام والاتحاد العام التونسي للشغل بكل خير قويّا منيعا أبد الدّهر. عبد الخالق قفراش عضو الجامعة العامة للكهرباء والغاز