خواطر جالت ببالي فضاق صدري، فلم أجد سوى هذا العنوان لأعبّر به عن فزعي من «الوعي» الوهمي الذي نفثته قنواتنا التلفزية وأطراف أخرى بأرجاء وطننا العربي الجريح، فصرفت الجماهير العربية عن قضاياها الحقيقية وحوّلت وجهتها تحويلا إلى أمور لن تزيدها إلاّ تخلّفا: مواطن ليس له من المواطنة سوى بطاقة الهوية التي يحلمها. يجلس في المقهى يتابع مقابلة تونس ومصر في كرة اليد. ويمكن أن نعلّق على تاريخ المقابلة بأنّه جيّد جدّا لكي يبدع هذا «الرّقم» في وطنيته! فعندما كان عشرات الفلسطينيين يتساقطون أمام رصاص وقنابل وصواريخ العدو الصهيوني بقطاع غزّة، كان صاحبنا يرعد ويزبد جازما بأنّ المصريين لا يحبّوننا وأمام الشتائم التي كان يقذفها هذا «المتفرّج» في اتّجاه لاعبينا وما نسبه لهم عن دمار الأمّة خيّل إليّ أنّ الحرب ستقوم بين مصر وتونس! حمي الوطيس بأحد مقاهي المدينة حول مشكلة البطالة بجهة فصة خاصّة اثر الأحداث التي عرفتها منطقة المناجم. لكن الجميع سقطوا في تحاليل جهوية بدأت بضرورة الاحتجاج على تشغيل عمّال غرباء عن الجهة ووصلت إلى حد تأكيد أحدهم أنّ هذا الحق يجب أن ينفرد به عرش بعينه!!! أو حي من أحياء المدينة بعينه!!! وعبثا حاولت أن لفت نظر هذا الخطيب المتحذلق لكي يربط العلاقة بين تفشّي البطالة والاختيارات الاقتصادية الكبرى أو ما يعرف ببرنامج الاصلاح الهيكلي الذي يقيّم النّجاح بزيادة الانتاج دون اعتبار البعد الاجتماعي للتّنمية! تائب إلى اللّه حديثا ينعم بملذات الثورة الاعلامية التي لا تقل حلاوة عن الشراب المختلفة ألوانه والخارج من بطون النّحل. لكن صاحبنا يجلس بيننا مستنكرا ومتظاهرا بالفزع من فساد المجتمع حيث أنّه رأى التلاميذ ذكورا وإناثا يتبادلون صورا جنسية إباحية على جهاز الهاتف الجوّال مرفوقة بمشاهد عنف حدثت بأحد أحياء عاصمتنا في المدّة الأخيرة. ولمّا قلنا لصاحبنا أنّ الاعتداء على القيم المجتمعية وتحويل مظاهر العنف إلى ظاهرة فرجوية (أكثر من مقبولة بل مطلوبة) هو جوهر الايديولوجية العولمية، الأمريكية، والذي تروّجه عن طريق قنواتها وأذناب قنواتها. فليس هناك عنف أكبر من أن تعدم رئيس دولة شرعي وتمرّر ذلك مباشرة على شاشات التلفزة ويعمد بعضهم إلى تصوير ذلك بالهاتف الجوّال (انظر التماهي مع ما شاهده صاحبنا) ويعمد رئيس حكومة عميلة إلى اهانة من سينفّذ فيه الاعدام بوصفه كذبا كما لو كان جبانا. وفوق ذلك تعمد القنوات العربية إلى اعادة العملية كما لو كانت مسلسلا. أبعد ذلك تطالب شبابك الذين ذبحت ضمائرهم عند ذبح الشهيد صدّام حسين بأن يقلعوا عن متابعة لقطات إباحية مصحوبة بعنف؟!! ولكن أمام ما ذكرت لم يجد صاحبنا من اجابة سوى التعريج في الحديث عن كأس افريقيا للأمم!!!