بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيس الجامعة التونسية، نظّمت الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي يوم السبت الماضي بفضاء التياترو بالعاصمة يوما دراسيا حول الحريات الأكاديمية تحت اشراف الأخ المنصف الزاهي الأمين العام المساعد المسؤول عن الوظيفة العمومية بالاتحاد العام التونسي للشغل. هذا اليوم أرادت من خلاله الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي تقييم دور المؤسسة ومردوديتها بين المنتظر والحاصل. وتعتبر الجامعة العامة، الحريات الأكاديمية بمثابة الدعامة التي لا غنى عنها لكل تعليم يطمح لتحقيق الجودة، ولكلّ بحث علمي يهدف إلى التوعية والاضافة، فهي بهذا المنحى تعني حرية التدريس دون أي ضغوطات وحرية القيام ببحوث ونشر نتائجها، وحق المدرسين في التعبير الحرّ عن آرائهم حول نظم التدريس دون رقابة وفي المشاركة في أنشطة المنظمات المهنية والجمعيات الأكاديمية وفي الملتقيات العلمية والسفر والنفاذ إلى المعلومات دون تضييقات. كما تعتبر الجامعة العامة الحريات الأكاديمية جزءا عضويا وركنا من الحريات العامة وحقوق الانسان باعتباره كائنا مثقفا ومفكرا ومتكلما وكاتبا. الافتتاح هذا اليوم الدراسي افتتحه الأخ المنصف الزاهي بكلمة موجزة عبّر في مستهلها عن المكانة الرمزية للجامعيين باعتبارهم نخبة المجتمع والذين لابدّ أن يكونوا حسب رأيه محلّ تقدير من قبل مكوّناته، ذلك أنّ لا خير في شعب لا يحترم مربيه، وأضاف ان المربين والأساتذة والباحثين لابدّ لهم من مجال رحب من الحرية لدعم مجهودهم العلمي والابداعي. وشدّد الأخ المنصف الزّاهي على أهمية الذكرى الخمسين التي تستوجب احتفالا وطنيا بارزا نظرا لدور الجامعة ولمكانة التعليم، ثمّ تطرّق إلى مجمل الاشكاليات التي تواجهها الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي في علاقة بسلطة الاشراف التي حمّلها الأمين العام المساعد مسؤولية ما ترتب عن هذه العلاقة المهتزة. المراكمة ومن جانبه بيّن الأخ سامي العوّادي الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي ما للجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي من برامج قطاعية متكاملة تنهض على أهمية الحريات الأكاديمية في حياة الجامعة والجامعيين على حدّ السواء، وهو ما يفسّر ادراج هذا المحور ضمن الاحتفال بالخمسينية والذي تزامن مع المصادقة على القانون التوجيهي، في حين أنّ من أوكد المطالب النقابية الجامعية هي الاعتماد على الآليات الرشيدة في تسيير الجامعة والهياكل التمثيلية أي ما يسمّى بدقرطة الحياة الجامعية. واعتبر الأخ سامي العوادي الحريات الأكاديمية من الآليات الأساسية في التسيير الديمقراطي ورشاده. وذهب الأخ سامي العوادي إلى التأكيد بأنّه في غياب الحريات الأكاديمية يصبح تنقيح قانون 1989 وما ادخل من تعديلات تهمّ الأمد والجودة والتقييم لا مبرّر لها، خاصة أنّ الأنظمة الانلوساكسونية قد اعتمدت في مجمل الاصلاحات التي قامت بها على مبدأ الاستقلالية في الجامعات والحريات الأكاديمية. فالحريات الأكاديمية من وجهة نظر الأخ سامي العوادي مدخل أساسي للبحث والارتقاء المهني المستندين إلى مبدإ الحرية. واعتبارًا لهذا المبدإ نظّمت دولية التربية ندوة في مدينة مالا الاسبانية حول الحريات الأكاديمية على اعتبارها نقطة مفصلية في جدول أعمال كلّ الأطراف والهياكل اضافة الى كونها جزءا لا يتجزأ من الحريات الاجتماعية المدرجة في منظومة حقوق الانسان والحريات السياسية. الحريات الأكاديمية وفي باب المداخلات، تولّى الدكتور عبد الستار السحباني رئاسة الجلسة العلمية التي افتتحتها الأستاذة منية بن جميع بمداخلة حول الاطار القانوني للحريات الأكاديمية مستندة على مقاربة تجمع القوانين المحلية والدولية. المحاضرة اعتمدت في اثراء مداخلتها على عديد النصوص المعتمدة في اليونسكو والمنظمات الدولية ذات العلاقة بالشأن التربوي بصورة عامة بينما حاضر الأستاذ محمود بن رمضان حول الحريات الأكاديمية واشكالية النفاذ إلى المعلومات وقد اعتمد في مداخلته على شواهد ملموسة تهمّ المنظومة البنكية من ناهية والمنظومة الاقتصادية على وجه العموم. وبيّن كيف أنّ الباحثين والخبراء مساهمون بشكل من الأشكال في حالة الاستقالة والصمت عبر ما ينتاب الادارة من عجز واضح... منتهيا إلى خلاصة أكدت الاستنتاجات التالية: حالة الصمت للباحثين والجامعيين بشكل ارادي وغير ارادي. وضع مسافة بين المثقف والمجتمع. وضع المجتمع في حالة عجز وعدم ردّ الفعل ازاء المجريات والمستجدات. غياب المراكمة التي يفرزها تلاقح التعليم بالبحث والتقاء مساريهما. ومن جانبه تساءل الأستاذ جلول عزونة عن اشكالية الحريات الأكاديمية والنشر. حيث بيّن في مستهل مداخلته ما يعانيه الكاتب والجامعي من «محاصرة» أو «منع»زمن الأنترنات والطرق السيارة للمعلومات. وفي هذا السياق قدّم المحاضر مؤشرات على مصادرة الكتب والبحوث خلال مرحلتين مختلفتين الأولى تبدأ من 1956 إلى 1987 والثانية تمتد بين 1993 وتتواصل إلى 2007 مستعرضا أسماء الكتاب والباحثين وعناوين كتبهم التي لم تجد طريقها للنشر رغم أنّ البعض منها قد أنجز على النفقة الخاصة. وخلص المحاضر إلى التساؤلين التاليين: هل يوجد منطق في المصادرة؟ هل القضية مرتبطة بحركة الفكر أم بحرية النشر؟ كلّ هذه المداخلات شكلت منطلقات هامة لنقاش تراوح بين الأكاديمي الصرف والانطباعي العام ساهم في دفع مساراته الباحثون والجامعيون والنقابيون المناضلون حيث ارتفعت درجة حرارته كلّما لامس خيطي القانون التوجيهي والعلاقة مع سلط الاشراف. ندوة وان تميّزت بحدث تاريخي يتعلّق بالذكرى الخمسين للجامعة التونسية فإنّ اختيارها لموضوع الحريات الأكاديمية يعطيها قيمة مضافة من حيث التقاء المناسبة مع طبيعة الموضوع المطروح. غير أنّ هذا الحدث خرج من طبيعته الاحتفالية ليتجذّر في الهم الجماعي المشترك للجامعيين في راهنهم وفي اطار تدريسهم وما يحف بها من الانسان وسياساته.