عندما بدأنا الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات أردنا له ذاك البعد العالمي لان قضايا المرأة تكاد تكون هي نفسها في كل مكان ولكننا قد نبدو أكثر حاجة ل 8 مارس من مناطق أخرى في العالم نظرا لطبيعة النظام الابوي السائد في الحضارة العربية وهو نظام يكتسي غالبا صفة القداسة فلا يكون من السهل تغييره أو المساس به، إذ يرتكز في عمومه الى الدين وهو نظام يحتضن الكثير من القواعد التمييزية ضد المرأة عدم المساواة في الميراث بين الجنسين وهي اشياء تبنتها العادات والتقاليد أيضا فصعّبت مهمّة تحويرها برغم ان هناك أشياء أخرى تم تجاوزها من خلال الدين كإلغاء تعدّد الزوجات في تونس أو إلغاء سلطة الاب بالسلطة العائلية في مدونة الاحوال الشخصية في المغرب... وباسم هذا الدين نفسه تمّ التحفظ على الاتفاقية الدولية لإلغاء جميع اشكال التمييز ضد المرأة... وهو ما يكشف التوظيف السياسي للدين، لذلك نحن نطالب بضرورة فصل الدين عن الدولة... فالقواعد التي تنظم علاقة المرأة بالرجل هي قواعد انسانية وجب ان تراعى فيها كرامة المرأة التي لا تخضع ابدا للانتماء الى حضارة معينة... ونحن كنساء عربيات نطالب بحفظ كرامة المرأة وحفظ حقوقها التي يجب ان لا تداس من خلال تكريس التمييز ضد المرأة أو تسليط العنف عليها. احتفالنا باليوم العالمي للمرأة كان فعلا نضاليا لم تستطع بلوغه الا من خلال ايجاد الاطر المناسبة لاحتضانه وأعني الاطر المستقلة تلك التي لم تكن تنتمي للحزب الحاكم... فقد حاولنا تطوير خطاب بديل للخطاب الرسمي السائد الذي كان يردّد أنّّه حقّق للمرأة كل ما تصبو إليه من خلال مجلة الاحوال الشخصية... فنحن المؤسسات لاحياء ذكرى 8 مارس كنا في مجملنا من جيل مجلة الاحوال الشخصية التي وإن كنّا نقرّ ما جاءت به من مكاسب للمرأة الا اننا تمكنا من بلورة بعد نقدي لفصولها يرمي الى تدعيمها ومراجعتها كلما اقتضت الضرورة استجابة للمتغيرات وتدعيما لمكانة المرأة... كإلغاء قاعدة المهر مثلا.... لقد كنّا صلب نادي قضايا المرأة في نادي الطاهر الحدّاد نطوّر نقاشاتنا ونبلور أفكارنا حول واقع المرأة تم بدأنا الاحتفال ب 8 مارس صلب نقابة التعليم العالي سنة 1982 واحتضنتنا قاعة أحمد التليلي بالاتحاد العام التونسي للشغل وقد توجهنا بعد احتفالنا الى الاخ الطيب البكوش لمطالبته بتكوين لجنة وطنية للمرأة العاملة. إن النساء اليوم لم تعد لديهن نفس الرغبة على ما يبدو في المساهمة في الحياة العامّة أو الحياة النقابية فبتنا أكثر ركونا الى البيت وأكثر قابليّة لاستيعاب الخطاب الرجعي المعولم والفضائي ولكننا منذ بداية الثمانينيات تمكنا من تحقيق بعض المكاسب في علاقة بالشأن النسوي فقد اقنعنا أصحاب القرار بمراجعة مجلة الاحوال الشخصية وتدعيمها بمكاسب اضافية للمرأة وهو ما تحقق سنة 1993 كما تمكنا وهو أيضا أمر مهم من تغيير عقلية المسؤولين حول الاتفاقية الدولية لإلغاء كل اشكال التمييز ضد المرأة التي باتت اليوم تذكر وتناقش دون وجل في انتظار أن نتمكن من رفع التحفظات حولها، كما تمكنا من الخوض في مواضيع مهمّة ومناقشتها ومحاولة التصدّي لها كالعنف ضد المرأة الذي كان من المواضيع المحظورة في مجتمعنا... فقد تمكنا من كسر جدار الصمت حوله وهاهو يُناقش اليوم كظاهرة إجتماعية يتم التصدّي لها ضمن الاطر الرسمية... حاولنا ومازلنا نحاول منذ احياء ذكرى اليوم العالمي للمرأة لاول مرة، مازال الطريق طويلا ولكن يكفي ان السلطة التي كانت تعتبر 8 مارس عيدا مستوردا عندما كرسنا لاحتفال به صلب الاتحاد العام التونسي للشغل قد باتت تحتفل به اليوم ولكنه للاسف بات يكتسي صبغة احتفالية لا نضالية أو فكرية، فلم يعد فرصة للنقاش الجاد أو فرصة لاصدار البيانات المطالبة بتحسين واقع الحريات والديمقراطية او المطالبة بتطوير الواقع التشريعي والقانوني للنساء بغاية تحسين ظروف حياتهن بل صار 8 مارس كرنفالا خطابيا واحتفاليا وليس نضاليا.