احتل الاتحاد العام التونسي للشغل منذ تأسيسه موقعا متميزا ومحوريا في إطار الحراك الاقتصادي والاجتماعي وكذلك السياسي الذي مرّت به بلادنا منذ معركة الانعتاق والتحرير الى الاستقلال الى اليوم ويعود ذلك الى دوره الريادي الحاسم الذي قام به سواء أثناء معركة التحرير الوطني أو اثناء بناء دولة الاستقلال الفتية. يعود هذا الرصيد التاريخي الهام الى ما قدمه الرواد المؤسسون من تضحيات جسام الى حدّ ضريبة الفداء بالدم «الشهيد الخالد حشاد» والكثير من الشهداء لحبّهم العميق لهذا الوطن وايمانهم المتزايد بالنضال لفرض حق كل افراد الشعب في الانعتاق والتحرر الاجتماعي ونيل الحرية والاستقلال من براثن الاستعمار الغاشم. كما مثل الاتحاد تاريخيا فضاء رحبا يتسع لكل ابنائه الشغالين بالفكر والساعد ومختلف فئات المجتمع باتجاهاتهم الفكرية والسياسية المتباينة في فسيفساء قلّ ان تجدها في اي تنظيم اخر... لم تزده الا مناعة وقوّة اذ نجح الى حدّ بعيد في إيجاد الارضية الملائمة والمناسبة للتعايش السلمي وتحقيق عديد المكاسب شملت كل فئات المجتمع من عمال بالفكر والساعد ويستند في ذلك لتحقيق هذه الاهداف الى مبادئه النبيلة «اليد في اليد» وثوابته الازلية «الحرية ... الاستقلالية... النضالية... الديمقراطية».. لكن هذا الدور الريادي والزخم النضالي الذي حققه الاتحاد وإشعاعه على المستوى الوطني والعربي والاقليمي والعالمي يجب ان لا يحجب مواقع الضعف التي تتمثل في الازمات والعديد من السلبيات في النسيج النقابي المتتالية خاصة ازمة 78 و 85 وتداعياتها السلبية والضغوطات الكبيرة التي واجهها خلال العقود الاخيرة لتدجينه واحتوائه اضافة الى ذلك الانحرافات المرتكبة من طرف بعض قيادته نتج عنها ضعف وتصدع في صفوف مناضليه وانحراف عن مبادئه وثوابته، وكل هذا ادى الى التقليص من قوته ونجاعة ادائه الذي اصبح يتصف بالشخصنة والانفرادية في التصرف فتعمقت الازمة وازدادت خاصة بفعل التحولات الاقتصادية والاجتماعية وهشاشة التشغيل... وضرب حقوق ومكاسب العمال بتأثير من العولمة المجسدة للنيوليبرالية المتوحشة المهمشة لكل الاقتصاديات الناشئة والوطنية والمجوّعة للعمّال ودفعهم إلى أتون البطالة والحرمان... إن هذه المنظمة ولدت من رحم الشعب ومن رحم الكادحين في زمن الاستعمار الغاشم ولانها تحمل رسالة نبيلة وثقيلة ومن ثوابتها النضال انتفضت على واقعها المتردي والعنف فتحرك ابناؤها الغيّورون بكل حزم ومسؤولية وارادة لتصحيح لا ينثني واصرار على تغيير الواقع واسترداد عوامل القوة والمناعة ليخرج الاتحاد منذ مؤتمر جربة 2002 من الفئوية ليستعيد زمام المبادرة والاهتمام من جديد بهموم منخرطيه فتتحقق عديد المكاسب رغم صعوبة الظرف بل استعاد موقعه كقوة دفع لمزيد تطوير العمل النقابي والاحاطة بالعمال واعلاء شأن الاتحاد في كل المستويات حتى تبوأ مكانة رائدة في المحافل العمالية العربية والاقليمية والدولية وهذه المكانة ليست منّة ولا هبّة من أحد بل نتيجة للعزيمة القوية التي تسلحت بها القيادة الوطنية للاتحاد وعلى رأسها الاخ الامين العام عبد السلام جراد الذي دأب على القول «إن العمل النقابي ليس ممارسة مناسباتية بل هو جهد يومي غزير دون هوادة» وازدادت ترسخا هذه النجاحات والنجاعة في الاداء والفعالية والاشعاع المكتسب وطنيا ودوليا منذ مؤتمر المنستير 2006 الذي دعّم رهان جربة التصحيحي ودعا الى المحافظة على مكاسب العمّال وتطويرها والزيادة في فعالية الاداء النقابي في كل المستويات والتشديد على تكريس مبدأ ممارسة الديمقراطية المسؤولة في الواقع النقابي للمنظمة لان كل المناضلين النقابيين يتقدمهم الاخوة اعضاء المكتب التنفيذي الوطني برئاسة الاخ عبد السلام جراد آمنوا بان المنظمة الديمقراطية وحدها الموحدة الاهداف ذات الاستراتيجية والمناهج والفكر النيّر البنّاء والمتضامنة فيما بينها قادرة على مجابهة التحدي وفرض احترام الجميع لها وليس خلاف ذلك؟» وفي مجال اعلاء كلمة التضامن والانتماء شدّد الاخ عبد السلام جراد في عديد المناسبات على «أن الاتحاد سييقي الفضاء الرحب لكل ابنائه بالفكر والساعد وغطاؤهم النقابي من الذهب الخالص الذي لا يتأثر بالهزات ولا بالأزمات». وفي إطار ثنائية الحق والواجب المجسدّة للعلاقات الشغلية بين العمّال والمؤسسات الاقتصادية دوما يشدد الامين العام على تدعيم لغة الحوار والعمل على المحافظة على ديمومة المؤسسة والاستقرار في الشغل للعمال بالفكر والساعد والمحافظة على مكاسبهم وتنميتها حتى لا يدخرون اي جهد لرفع الانتاج والانتاجية لازدهار المؤسسة والاستقرار الاجتماعي في ظل تنافس شديد ولّدته العولمة التي ازاحت كل الحدود وذلك للرقي بالوطن واستقراره وهذه الفلسفة تثبت الحبّ العميق للعمال والوطن... وفي علاقة الاتحاد بالواقع السياسي دأب الاتحاد منذ نشأته على التمسك باستقلاليته عن كل الالوان السياسية حيث يقول الاخ عبد السلام جراد إن النقابي يؤمن بان عمل النقابات ليس عملا سياسيا ذلك انه لا يمكن ان تكون للنقابات برامج عمل سياسية لانها لا ترغب في الوصول الى الحكم وليس الحكم غاية من غاياتها ولا هدف من اهدافها بل هدفها هو العمل الاجتماعي كما ان استقلالية المنظمة لا تعني العداء للاخرين بل ان تكون العلاقة مع الاخرين علاقة احترام متبادل وتعاون بعيدا عن التدخل في الشأن النقابي. إذن هذه هي اهم الخطوط التي رسمتها قيادة الاتحاد برياسة الاخ عبد السلام جراد وهم حريصون كل من موقعه ومن خلال قسمه على تحديث العمل النقابي من خلال الخطط العملية الملموسة في إطار رؤية مستقبلية للفعل النقابي تفضي الي بناء استراتيجية للتحديث النقابي تعتمد حسب تقديري وقراءتي للواقع الاجتماعي والاقتصادي وتداعيات العولمة على مسرح الاحداث على خمسة محاور اساسية كفيلة بان تقود منظمتها العتيدة الى التعامل الايجابي مع العصرنة المنشودة في المرحلة التاريخية الراهنة. 1 الدعوة الى التذكير بتاريخ المنظمة النضالي التحرري والتحريري وثوابتها ورسالتها النبيلة وكفاح رموزها المؤسسين خاصة عند الشباب العامل والمرأة وتكثيف الانتساب والالتحام اكثر بالعمال وتفعيل طريقة الاتصال المباشر. تفعيل التضامن النقابي خاصة بين الاتحادات الجهوية من تبادل للزيارات والتجارب المثمرة خاصة بين الشباب والمرأة العاملة لان قوة المنظمة ومستقبلها في شبابها. 2 بلورة استراتيجية نضالية تحدد سياسة الاتحاد تجاه مجمل القضايا التي تواجهها المنظومة الشغلية والتحديات التي تطرحها العولمة على الطبقة الشغيلة بالفكر والساعد وخاصة في القطاع الخاص عبر تفعيل عمل ودور المرصد الخاص به كي يصبح مصدرا للمعلومات الاستشرافية للاستباق والكشف عن مواطن الخلل والصعوبات وتطويقها السريع.. 3 دعم التمشي الديمقراطي المسؤول بين اوسع فئات المنظمة من قواعد واعضاء وإطارات من القاعدة الى القمة لانه في تقديري إن المنظمة الديمقراطية وحدها، الموحدة ذات الاهداف النبيلة المتضامنة فيما بينها قادرة على مجابهة التحدي وفرض احترام الجميع لها وكذلك التعاون وفتح باب تبادل الافكار مع مكونات المجتمع المدني في كنف الشفافية والاستقلال الى جانب استغلال العلاقات مع المنظمات الدولية لصالح العمال واحترام قوانين النظام الداخلي للاتحاد وتفعيلها بين كل النقابيين على حد السواء وضرورة النقد والمحاسبة في كل المستويات ليس للارباك بل للبناء والتقدم. 4 ايلاء دور التكوين والتثقيف العمالي مزيدا من العناية والواقعية حتى يستفيد منه مختلف فئات العمال وخاصة الاطر النقابية الشابة والمرأة العاملة لكي نقطع مع اساليب العمل الرعواني عند التفاوض ومتابعة المتكونين وتشريكهم الفعلي في العمل الممنهج والمنظم في الحياة الشغلية. 5 تنزيل عمل قسمي التشريع والنزاعات والدراسات والتوثيق الى اكبر عدد من الإطارات النقابية من خلال احداث مكتبات بمقرات الاتحاد الجهوية والمحلية تحتوي على جميع الاعمال الصادرة لتعم الاستفادة الجميع وخلق ثقافة نقابية مشتركة واعية بتفاعلات واقع العولمة وتمثل جزءا لا يتجزأ من هوية الاتحاد.