يلاقي العمل النقابي في كل بلاد العالم عديد الصعوبات منها الذاتي، ومنها الموضوعي الذي حتمته ظروف العولمة وتداعياتها على الشأن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي فتأثرت بذلك قلاع وجود التمثيل النقابي في مواقعه التقليدية القوية (الوظيفة العمومية القطاع العام والدواوين) من جراء تنامي ظاهرة الخصخصة والتفويت في مؤسسات القطاع العام، بل تزداد الاوضاع اكثر حرجا وأعمق صعوبات في القطاع الخاص وما دار في فلكه والذي يعتبر الارضية المثالية لانتهاك حقوق العمال والتشاريع الشغلية سواء كادت محلية او عالمية فكرست الليبرالية الاقتصادية البشعة انماطا جديدة للشغل تتناقض مع ابسط حقوق الانسان وكرامته بتعلة احداث فرص شغل متجددة... فنتج عنها مواصفات جديدة للعلاقات الشغلية مثل العمل بالمناولة والتشغيل الهش وضرب كل ما يمت بصلة للعمل اللائق. وتعتبر هذا واقع سوق الشغل المعولم، المبني على امتصاص دماء الشغالين بالفكر والساعد وحماية مرابيح الاعراف اصحاب الشركات العملاقة المسيطرة على السوق العالمية للشغل وكنتيجة لهذه الاوضاع المذكورة تأثرت عديد المنظمات النقابية وتراجعت في أداء دورها النضالي الحمائي والتعديلي لفائدة مصالح وحقوق الطبقة الشغيلة لفقدان التمثيلية في مواقع العمل المستحدثة مما ادى الى اختلال في موازين القوى التقليدية بين سلطة الاعراف وسلطة وجود النقابات التي تقلص دورها او فقد...فنتج عن هذا الاختلال في الموازين تفاقم ظاهرة تسريح العمال ليس لأسباب اقتصادية فقط بل لزيادة إثقال كاهل العمال الباقين بعبء ما كانوا يقوم به المسرحون من عمل والمقابل زهيد...؟! وفي كثير من الاحيان ضياع المقابل...؟! وقد يوضع على قائمة المسرحين من لا يقبل...!؟ فكان ان أزداد فقر العمال وزادت ثروات الاعراف الا ان تجربة منظمتنا العتيدة الاتحاد العام التونسي للشغل ذات التاريخ النضالي المجيد المبني على ثوابت رائدة ومبادئ غاية في النبل المتمثلة خاصة في المحافظة على انسانية الانسان من حرية وعمل لائق وكرامة... وبالنظرة الاستشرافية للاحداث العالمية المتعلقة خاصة بحياة العمال بالفكر والساعد كان الاتحاد دوما حريصا على مواكبة المتغيرات الكونية في عالم الشغل للبحث الدائم على تطوير وتجديد آليات عمله وتفعيلها مع ما تأتي به هذه الطفرة من المتغيرات في انماط الشغل المعولم وتداعياته السلبية، على العمال وتمثيلهم النقابي وفي هذا الاطار راهن المكتب التنفيذي الوطني ونخبه على سلاح المعرفة والتكوين والتثقيف وكان قسم التكوين باشراف الاخ عبيد البريكي سباقا لاعتماد هذا التمشي التحديثي من خلال اشرافه على مدرسة محمد علي للتكوين والتثقيف العمالي على المستوى الوطني بل يسعى دوما الى مزيد التطوير والتطور والمواكبة من خلال الكم الكبير من الندوات المخصصة للغرض في جهات البلاد كافة بل بتأثيث نخبه من اهل الاختصاص الجامعيين في عديد الميادين التشريعية، القانونية، الاقتصادية، المالية، النقابية الميدانية مع اصدار عديد النشريات التأليفية والكتب ليستفيد منها الجميع... كما اصبحنا نلمس هذه النزعة التحديثية لتطوير آليات العمل في جل الاقسام وعلى سبيل الذكر لا الحصر ما يقوم به قسم الدراسات تحت اشراف الاخ محمد السحيمي من بحوث ودراسات ومراجع توثيقية تتعلق بعديد المسائل وخاصة الراهن النقابي وسلبياته والمستقبل النقابي واستشراف اسباب التطوير وكذلك بعض الدراسات المتعلقة بالتنمية الجهوية وكيفية تحقيقها ورؤى حول العدالة الاجتماعية وخاصة على مستوى الجهات يعني الالمام بكل تطورات الشأن النقابي والاجتماعي واخرها الكتاب المتعلق بشأن المفاوضات الاجتماعية الحالية 2008 2010 وهذا الاصدار أعان كثيرا لجان التفاوض ليكون لها حجة لتحقيق الافضل للعمال بالفكر والساعد. وفي نفس الاطار اصدر قسم التشريع والنزاعات تحت اشراف الاخ حسين العباسي كتاب حول »متابعة التحركات النقابية ورصد تطورها خلال ستة اشهر من شهر جانفي الى موفى جوان 2008« حوصل بالاحصائيات والارقام والجداول والرسوم البيانية الملونة لتقييم الاوضاع النقابية والاجتماعية في كل القطاعات بالقطاع الخاص المتمثلة في »التحركات النقابية : الاسباب وانواع التحركات في كل الاتحادات الجهوية وهذا المجهود في الحقيقة يحسب لهذه الاقسام والاقسام التي نسقت معها وكذلك العقلية التحديثية الآخذة بأسباب التطور المنشود. ان ركزت في منحى كلامي على هذا الحراك المتواصل للتحديث والتطوير ليقيني أن هذه الاقسام تعتبر العمود الفقري والمحوري لأي تطور في آليات العمل النقابي المستقبلي مثلما اشار الى ذلك في عديد المناسبات الاخ الامين العام القائد الملم بمكامن الضعف والقوة للأداء النقابي حيث يقول »ان قسم التشريع والدراسات والتكوين يكملون بعضهم البعض ونراهن عليهم لكسب سلاح المعرفة والتكوين«. ومن هنا تبرز الاسئلة الحارقة ومنها: هل ان مجهودات هذه الاقسام في التطوير بلغت اهدافها ومقاصدها..؟ هل ان الاطارات النقابية على المستوى الجهوي والقطاعي استفادت من هذه الاصدارات والرؤى لتطوير آليات العمل النقابي؟ هل الأطر النقابية الدنيا والوسطى مستعدون للالمام بهذه الرؤى التحديثية لتطوير الفعل النقابي لمسايرة التطورات المستحدثة في عالم الشغل.