تعيش الساحة الاجتماعية حراكا واسعا ونقاشا محتدا عن النظام الجديد للتأمين على المرض، ولقد طلبت ادارة الصندوق من المواطنين ضرورة اختيارهم لمنظومة علاجية محددة من بين ثلاث منظومات قبل موفى مارس 2008 والا فان كل من يتخلف عن هذا الموعد فانه سيجد نفسه مرسما وجوبا في المنظومة العلاجية العمومية. واطباء الاختصاص كمواطنين تونسيين مطلوب منهم مع عائلاتهم الاختيار من بين هذه المنظومات الثلاث، فما هي قراءتهم لخصائصها؟ ومن ناحية اخرى، هم من مسدي الخدمات الصحية فما هي اعتراضاتهم وانتقاداتهم لنظام التأمين على المرض؟ ثلاث منظومات علاجية في البداية لابد من الاشارة الى ان نظام التأمين على المرض دخل حيز التطبيق في مرحلته الاولى في جويلية 2007 وتستكمل مرحلته الثانية والاخيرة في جويلية 2008. وقد توزعت منظومة العلاج في اطار النظام الاجباري القاعدي الى ثلاث منظومات علاجية يجب على المضمون الاجتماعي الاختيار بينها قبل 31/3/2008 وهذا الاختيار صالح لمدة عام واحد قابل للتجديد اذا لم يعترض على ذلك المضمون الاجتماعي قبل ثلاثة اشهر نهاية كل سنة ادارية. 1 المنظومة العلاجية العمومية: الورقة الزرقاء هذه المنظومة تسمح لمن يختارها التداوي في المؤسسات الصحية العمومية من مستوصفات ومستشفيات جهوية وجامعية وكل المؤسسات الراجعة بالنظر الى الصندوق وهي تجيز علاج كل الامراض المزمنة والثقيلة وكذلك الامراض العادية من دون سقف علاجي ويكون طريق الخلاص فيها عن طريق الطرف الدافع وهو الصندوق على ان يدفع المضمون الاجتماعي معلوما تعديليا مباشرة الى المؤسسات الصحية ويكون محدودا بسقف اذا بلغه اثناء السنة فانه يعفى تماما من تحمله ويصير علاجه مع عائلته مجانيا، هذا السقف حدد بأجرة شهر ونصف سواء كان المضمون الاجتماعي أجيرا أو عاملا غير أجير أو متقاعدا وتسمح هذه المنظومة بالمرور الى طبيب الاختصاص متى شاء ذلك ولكن العلاج في القطاع الخاص غير ممكن الا على نفقته الخاصة يعني من دون استرجاعها من الصندوق. 2 المنظومة العلاجية الخاصة او المسار العلاجي المنسق: الورقة الصفراء وهي تسمح للمضمون الاجتماعي بالعلاج في القطاع الخاص ولكن بعد تحديد طبيب للعائلة يلتزم به جميع افراد العائلة عند التوجه للمداواة ولا يسمح له بتجاوزه نحو طبيب الاختصاص الا بعد موافقته ما عدا طب الاطفال وطب النساء وطب العيون والامراض المزمنة، هذه المنظومة تمكن المضمون الاجتماعي من تحمل الصندوق بصفة كلية ل 24 مرضا مزمنا فقط (من مجموع 100 مرض مزمن تقريبا) والى مداواة الامراض العادية في حدود نسب معينة وقائمة ب 19 عملية جراحية في بعض الاختصاصات وبنسب محددة، مع العلم ان هذه المنظومة لها سقف مالي سنوي لم يحدد الى الان اذا بلغه المضمون الاجتماعي مع عائلته فانه يتحمل مصاريف العلاج وحده، هذا السقف يستثنى منه علاج الامراض المزمنة والعمليات الجراحية والكشوفات بالسكانار والرنين المغناطيسي. اما طريق الخلاص فالمنظومة تعتمد على الطرف الدافع وهو الصندوق على ان يدفع المضمون الاجتماعي معلوما تعديليا في حدود 30 في المائة للعيادات والادوية والكشوفات والتحاليل البيولوجية وفي حدود 60 الى 70 في المائة للعمليات الجراحية المسداة في القطاع الخاص، اما الاستشفاء في المؤسسات العمومية فهو ممكن للعمليات الجراحية فقط مع دفع المعلوم التعديلي. 3 منظومة استرجاع المصاريف: الورقة الخضراء تجيز هذه المنظومة للمضمون الاجتماعي العلاج في القطاع الخاص أو العمومي معا على ان يدفع مصاريف العلاج والادوية والاعمال الطبية مسبقا الى مسدي الخدمات ثم يسترجع نصيبا منها في اطار نسب محددة من الصندوق ولكن دون تحديد آجال لذلك، هذه المنظومة تمكن ايضا المضمون الاجتماعي من تحمل الصندوق لقائمة قليلة من الامراض المزمنة بشروط عديدة كما في المنظومة السابقة كما تشمل قائمة ب 19 عملية جراحية في بعض الاختصاصات وتسمح بمداواة الامراض العادية في حدود سقف مالي سنوي لم يتحدد الى الان ولا نعلم ان كان للعائلة جميعا أو لكل فرد منها مع امكانية تمتع كل العائلة بها أولا؟ نشير هنا الى ان هذه المنظومة تعطي المضمون الاجتماعي وكل فرد داخل عائلته حق حرية اختيار طبيبه سواء كان طبيبا عاما او مختصا وبالتالي لا تفرض عليه المرور المسبق بطبيب العائلة. ثلاثة مطالب أساسية لقد شكل مطلب اصلاح المنظومة الصحية التونسية مطلبا اساسيا للعائلة الطبية من عمادة ونقابات منذ مطلع الثمانينيات ولئن اصبح هذا الاصلاح واقعا ملموسا منذ جويلية 2007 الا انه بقي مبتورا لغياب طرف اساسي في تجسيد هذا الاصلاح وهم الاطباء المختصون الذين لم يتجاوز عدد المتعاقدين منهم مع الصندوق في كامل الجمهورية الثلث (33 في المائة) وفي ولايات تونس الكبرى العشر (10 في المائة) ان هذا الاقبال الضعيف على التعاقد مع الصندوق من طرف اطباء الاختصاص يعكس رفضا لصيغة تعامل الصندوق مع هذا القطاع الحيوي والاساسي واحتجاجا قويا على نقابة اطباء الممارسة الحرة التي هرولت للامضاء على الاتفاقية القطاعية المنظمة لمهنة الاطباء مع الصندوق دون الرجوع الى القاعدة الطبية لاستشارتها والتصويت عليها أو لها. وهذا ما جعل اطباء الاختصاص يسارعون الى تأسيس نقابة اطباء الاختصاص في الممارسة الحرة وقد انضم اليها اغلبهم معتبرين اياها الممثل الشرعي والوحيد لهم مع سلطة الاشراف والصندوق. وقد عينت سلطة الاشراف كاتبها العام في المجلس الوطني للمرض وحضر أولى جلساته في 26/12/2007 كما أمضى الاتفاقية الاطارية في اكتوبر 2007 كباقي مسدي الخدمات الصحية، فلماذا بقي اغلب اطباء الاختصاص خارج التعاقد وما هي مطالبهم الاساسية؟ 1 إن النقطة الاساسية الاولى تتعلق بضرورة احترام ادارة الصندوق لمجلة واجبات الطبيب وهي القانون الاخلاقي المنظم لمهنة الطب بالجمهورية وهي صادرة بأمر رئاسي عدد 93 1155 بتاريخ 17/05/1993 والذي يؤكد المبادئ التالية: ضمان حرية اختيار المضمون الاجتماعي لطبيب الاختصاص وعدم اجباره بالمرور المسبق على طبيب العائلة كما هو مطلوب منه في المنظومة الثانية فأطباء الاختصاص يرون ان ذلك يتعارض مع البند العاشر لمجلة واجبات الطبيب ويفتح بابا واسعا للتجاوزات في خطوط العلاج الاولى والثانية كما يضع هذا الاجراء حاجزا في توفير العدالة في فرص العمل بين مختلف اطباء الاختصاص باعتبار ان طب الاطفال وطب العيون وطب النساء والتوليد هي وحدها معفاة من المرور المسبق لطبيب العائلة ونقابة اطباء الاختصاص طلبت من الصندوق اعتماد المرونة في المنظومة الثانية وذلك بتمكين المضمون الاجتماعي من التوجه حسب رغبته الى طبيب الاختصاص دون المرور بطبيب العائلة. الالتزام بتعريفة عمادة الاطباء الخاصة بأتعاب أطباء الاختصاص والتي تتراوح بين 25 دينارا و 35 دينارا والمعمول بها مدة 8 سنوات وعدم تقييدها بتعريفة تعاقدية واحدة (25 دينارا) وذلك لسبب بديهي جدا ان اطباء الاختصاص في المناطق الداخلية للجمهورية يعملون بأدنى التعريفة منذ سنين نظرا لتدني المستوى المعيشي لمرضاهم وكذلك نظرا لانخفاض تكلفة الممارسة الطبية في تلك المناطق (كراء أجرة كاتبة أثاث...) أما أطباء المدن الكبرى وهم الاكثر عددا فتكلفة الممارسة الطبية أرفع وأكبر فيها ولذلك يعملون منذ سنوات ب 30 أو 35 دينارا. ونقابة أطباء الاختصاص تتعهد من جهتها بالتصدي لأي طبيب يتجاوز هذا الحد الاقصى اذا رضي بالتعاقد في اطاره ويكون عرضة للمساءلة والتأديب من قبل العمادة. كما تؤكد النقابة ان مهمة مراجعة هذه الاتعاب تتم حسب مؤشرات الاسعار والتضخم ومن طرف العمادة والهياكل النقابية للأطباء فقط. احترام حرية الطبيب في وصفته الطبية وعدم اجباره على وصف الادوية الجنيسة وكذلك عدم ابدال الادوية التي يصفها لدى الصيدلي الا بعد مواقفته عليها لأن مسؤوليته القانونية والجزائية في الميزان ولذلك تعتبر نقابة اطباء الاختصاص ان حرية وحرمة الوصفة الطبية هي من الضمانات الدنيا لصحة المريض وتقديم خدمات صحية راقية له، على انه يمكن الضغط على كلفة الدواء ببذل الجهد من اجل وصف اقل عدد ممكن من الادوية واستعداد الاطباء لتشجيع استعمال الادوية الجنيسة اذا تم تشريكهم في لجان علمية لتحديد قائمات للأدوية الجنيسة ذات الفاعلية المثبتة علميا بشهادات المعادلة وكذلك اذا خفضت شركات الدواء من سعرها الى النصف مقارنة بالدواء الاصلي وحتى تساهم هذه الشركات بطريقة غير مباشرة في تمويل نظام التأمين على المرض. 2 أما النقطة الثانية فهي تهتم بمبدأ الاستقلالية المعنوية والوظيفية للأطباء تجاه الصندوق، فأطباء الاختصاص يرفضون ان يكون هذا الاخير له سلطة عليهم في عملهم باعتبارهم يمارسون مهنة حرة تحت اشراف معنوي من العمادة فقط فهم يرفضون ان يتحولوا الى اجراء للصندوق وان لا تتم محاسبتهم ان صدر منهم مخالفة لمجلة واجبات الطبيب الا من طرف عمادتهم وهياكلها الشرعية. 3 أما النقطة الثالثة والأخيرة فهي تهتم بموقع اطباء الاختصاص الذين لا يريدون التعاقد مع الصندوق لسبب أو لآخر أو الذين يتم الاستغناء عن خدماتهم بعد مدة من التعاقد مع الصندوق، هؤلاء الاطباء سيعيشون بطالة مهنية باعتبار ان الصندوق يرفض استرجاع مصاريف المضمون الاجتماعي (العيادة الادوية التحاليل الاقامة في المصحات) وبالتالي فان هذا الاخير سيضطر الى هجران طبيبه الذي كان محل ثقته ورضاه والبحث عن طبيب اخر متعاقد مع الصندوق ونقابة اطباء الاختصاص اذ تدعو ادارة الصندوق الى الموافقة على جميع المطالب المذكورة أعلاه حتى يسهل على جميع منظوريها التعاقد معها ولكن لا يمكن ان تتجاهل هذه الفئة من الاطباء الذين فضّلوا عدم التعاقد مع الصندوق وتطالب بعدم معاقبة المرضى الذين يتوجهون اليهم وذلك باسترجاع مصاريف أدويتهم وتحاليلهم وكشوفاتهم واقامتهم بالمصحات الخاصة على الاقل. هذه اذا مطالب أطباء الاختصاص وهي مطالب معقولة وممكنة التحقيق ونقابة اطباء الاختصاص مستعدة لمواصلة الحوار والتشاور مع وزارات الاشراف من اجل ضمان إلتحاق جميع منخرطيها بهذا الاصلاح الوطني العظيم في اطار شراكة حقيقية تفيد البلاد والعباد. د. محمد كمال الغربي مختص في أمراض الحلق