هذا رأي يلزمني وحدي وهو مقترحٌ قد يلقى استحسانا لدى الاطراف المعنيّة، وهو كذلك فكرة ليست مبتكرة في بلادنا وفي ذهنيتنا بعكس عدّة دول اخرى في العالم... الفكرة بسيطة جدا وقابلة للتحقق وفائدتها ستعود على كل مواطن ومواطنة تونسية... وهي تتمثل في انجاز برنامج تلفزي موسمي يؤمن للمشاهد التونسي متابعة تفاصيل المفاوضات الاجتماعية التي تُجرى بين الطرف النقابي والحكومة بخصوص القطاع العمومي وبين الطرف النقابي ومنظمة الاعراف أي الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بخصوص مفاوضات القطاع الخاص، وهذا البرنامج هو على غرار ما تقدّمه التلفزة التونسية أثناء نقلها للمناقشات البرلمانية بمجلس النوّاب... رغم أنها تبثها في منتصف الليل!!! وحتى أكون دقيقا في هذا المقترح أرى أن يتم اعداد أربع حلقات من هذا البرنامج بحيث تُخصص حلقتان لمفاوضات القطاع العمومي، حلقة أولى قبل انطلاق جولات التفاوض يقدّم فيه ممثلو اتحاد الشغل مقترحات منظمة الشغيلة وصيغها ويقدم فيها الطرف الحكومي مقترحاته وصيغه وطبعا كل طرف وفق وجهة نظره، ثم حلقة ثانية لنفس القطاع أي العمومي تُبرمج اثر انتهاء جولات التفاوض والوصول للاتفاقيات الترتيبية والماديّة وضمن هذه الحلقة يكشف كل طرف للمواطن التونسي ما تم التوصّل إليه، وقد اقترح هنا أيضا تدخّل المواطن / المشاهد عبر الهاتف أو الأنترنات لابداء رأيه ولمَ لا التصويت على حصيلة تلك الجولة من المفاوضات وتقديم نتائج التصويت او الاستفتاء مباشرة قبل انهاء بث الحلقة... ونفس هاتين الحلقتين يتم انجازهما حول سير المفاوضات الاجتماعية للقطاع الخاص بين الطرف النقابي ومنظمة الاعراف، بنفس الصيغة والبرمجة في القطاع العمومي... مع مراعاة الخصوصية القطاعية... هذه الفكرة بسيطة وقابلة للتحقق ومن شأنها أن تُحدث نقلة نوعية في علاقة التلفزة بالمشاهد التونسي من خلال قربها من مشاغله ومن خلال انفتاحها على المنظمات والجمعيات، ونجاح هذا البرنامج يتوقف طبعا على تجاوز حلقات ذاك الخطاب الواحد والمنمّط وشعار «كل شيء على ما يرام» وعلى توسيع دائرة الحرية في تقديم خطاب كل طرف حتى نتمكن من فرز الخيط الابيض من الخيط الاسود ويقف المواطن البسيط على حقيقة واقعه الشغلي ومستقبله، ويعرف مصدرزيادة الاجور وقيمتها ونصيبه من التنمية ومصيره في ظلّ طوفان الخصخصة... هل تذكرون تلك الحلقة الحوارية بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ومنافسته في الانتخابات الفرنسية الاخيرة سيغولان رويال، فرغم ان المقارنة لا تجوز، إلاّ أن السؤال المطروح يتمثل في الآتي: الانتخابات الرئاسيّة لا تختلف عن المفاوضات الاجتماعية فالاثنان شأن وطني يهمان الرأي العام الشعبي والنقابي والسياسي على حد السواء، كما أن مهمة التلفزة ومسؤوليتها تجاه من يموّلها أي الشعب هو الالتصاق بمشاغله وقضاياه ومحطاته المصيرية... ثم ما الذي حدث في فرنسا بعد تلك الحلقة؟ لا شيء، لم تقم ثورة ولم تحدث فوضى بل بالعكس حققت التلفزة أعلى نسبة مشاهدة وكسبت رهان القرب من المواطن من خلال شفافية مادتها المقدمة... ولنا في مؤسستنا التلفزية كل التجهيزات اللازمة لبرنامج كهذا... و لكن التجهيزات وحدها لا تفي بالحاجة ما دامت الافكار مُداسة بالأقدام..