الآن وقد انطلقت المرحلة الثانية والاخيرة لتطبيق النظام الجديد للتأمين على المرض (غرة جويلية 2008) يمكننا القول دون مبالغة او مفاخرة بأن المجموعة الوطنية بهياكلها الممثلة قد نجحت في وضع القواعد الاساسية لتطوير المنظومة الصحية الوطنية وتحقيق اهدافها السامية وفي مقدمتها المساواة امام المرض بين المضمونين الاجتماعيين كافة ومن في كفالتهم وكذلك في مواصلة الدولة التكفل بعلاج غير المضمونين اجتماعيا من المعوزين وفاقدي السند والعاطلين عن العمل. ان الحوار الذي انطلق حول هذا الموضوع الحيوي منذ سنة 1996 يعدّ مثالا ناجحا ونموذجا للحوار الاجتماعي الناجح اذا ما توفرت الارادة السياسية والتحلي بروح المسؤولية من لدن مختلف الاطراف المتدخلة. وفي هذا الاطار أولى الاتحاد العام التونسي للشغل منذ الوهلة الاولى اهمية قصوى للموضوع بحيث كوّن لجنة نقابية وطنية لا تزال قائمة فعقدت اجتماعات ماراطونية لدراسة مختلف جوانب واشكاليات النظام الجديد للتأمين على المرض من جهة والتفاوض مع الاطراف المعنية (الوزارة والصندوق والاطراف الاجتماعيين الممولين لنظام التغطية الاجتماعية) من جهة ثانية، كما نظم الاتحاد استشارة نقابية وطنية شملت الاف النقابيين من الجهات والقطاعات للاستئناس بآراء ووجهات نظرهم حول المسألة وتقديم مقترحاتهم في اطار الحوار الدائر وقد مكنت هذه الاستشارة من بلورة تصور نقابي متجانس لاصلاح نظام التأمين على المرض يقوم على ثلاثة محاور اساسية تتمثل في: 1) تأهيل القطاع الصحي العمومي ومراجعة الخارطة الصحية لتحقيق التوازن بين الجهات والاقاليم وهي مسألة مثلت النقطة الاولى في الاتفاق الممضى بين الاتحاد ووزارة الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج في ماي 2004 وقد صدر في شهر جوان 2006 نصا ترتيبيا ينص على تكوين لجنة وطنية لتأهيل القطاع الصحي العمومي باشراف وزارة الصحة العمومية يشارك فيها الاتحاد وتفرعت عنها لجان فنية تعمل على قدم وساق من اجل ضبط مقاييس التأهيل واولوياته والاعتمادات المالية الضرورية لإنجازه ومما يذكر بكل اعتزاز ايضا تقدم الاتحاد بمقترحات عملية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتأهيل مصحاته باعتبارها جزءا لا يتجزأ من المنظومة الصحية العمومية ومكسبا ثمينا لفائدة الشغالين واسرهم. 2) المحافظة على الحقوق المكتسبة للقطاعات (تأمين جماعي تعاونيات طب المؤسسة) ذلك ان نظام التأمين على المرض يهدف الى تحسين الخدمات الصحية لفائدة المضمونين الاجتماعيين كافة وبالتالي لابد من الحفاظ على هذه المكاسب بل وتدعيمها من خلال تطوير التغطية التي يوفرها النظام القاعدي الاجباري. ولابد في هذا الصدد من الاشارة الى حرص القطاعات المعنية على صيانة مكاسبها المنصوص عليها ضمن الاتفاقيات المشتركة والقوانين الاساسية مدعومة في ذلك من الاتحاد الذي يتمسك بتطبيق ما جاء بالاتفاق المذكور حول هذه المسألة. 3) تعميق التفكير في قضية تمويل التأمين على المرض ذلك ان النسبة المطلوبة للتمويل 75،6 وحسب الخبراء ودراسة الاتحاد سوف لن تكون كافية على المدى المتوسط للاستجابة الى متطلبات النظام الجديد وفي نفس الوقت لا يمكن الاقتصار مستقبلا على الطريقة التقليدية في تمويل الضمان الاجتماعي عموما والمتمثلة في اشتراكات الاجراء والمؤجرين لان هذا الامر سيؤثر بشكل كبير على المقدرة الشرائية للعمال وعلى التوازنات المالية للمؤسسات في ظل المنافسة والصعوبات الاقتصادية الراهنة والمستقبلية وهو ما يحتم على الجميع التفكير بعمق في تنويع مصادر التمويل والاعتماد اكثر فأكثر على التضامن الوطني لتحقيق التوازن المالي لأنظمة الضمان الاجتماعي ومن ضمنها نظام التأمين على المرض حفاظا على النظام التوزيعي القائم على التضامن بين الجميع. ان هذه المحاور الاساسية التي ركز عليها الاتحاد والتي وجدت تجاوبا من الاطراف المشاركة في الحوار من شأنها ان توفر الارضية الصلبة والامكانيات الضرورية لنجاح النظام الجديد للتأمين على المرض. وبغض النظر عن التفاصيل والاشكاليات المثارة هنا وهناك وتأخر بعض الاطراف عن الانخراط في النظام الجديد في اطار حسابات ضيقة ونظرة مطلبية لا تراعي البعد الوطني والاستراتيجي الشامل لمثل هذا الاصلاح لابد من تأكيد اهمية التصرف الرشيد في الموارد المتاحة لان توازنات نظام التأمين على المرض وديمومته متوقفة على مثل هذه النظرة، ذلك انه ليس من مصلحة اي طرف ان يستنفذ الصندوق الوطني للتأمين على المرض موارده في ظرف وجيز بسبب الاستجابة لبعض المطالب غير الواقعية التي لا تراعي ولا تهتم بمختلف الجوانب الشائكة والمعقدة للتغطية الاجتماعية عموما ونظام التأمين على المرض خصوصا. ان آليات المراقبة والمتابعة والتقييم التي نص عليها القانون عدد 71 لسنة 2004 المتعلق بنظام التأمين على المرض سوف توفر الفرصة الى الجميع للمشاركة بصفة مباشرة او غير مباشرة في عملية التقييم التي تعد اساسية للمراجعة والتعديل ولما لا اصلاح الاصلاح ان تطلب الامر ذلك، لأجل ذلك تكتسي مسألة المتابعة اهمية بالغة في تقييم النتائج المالية وسلوك المنتفعين بالخدمات الصحية ومقدمي هذه الخدمات ومدى التقدم في تأهيل القطاع الصحي العمومي واستصلاح الخارطة الصحية وكذلك التوصل الى مقاربة واقعية وناجعة في تمويل نظام التأمين على المرض، كل هذه العناصر يقوم عليها نجاح المنظومة الصحية الوطنية بقطاعيها العمومي والخاص في حماية الصحة العامة للشعب وتحقيق التوازن ودعم الاستقرار والامن الاجتماعي.