معطيات جديدة بخصوص منتحل صفة صفة مسؤول حكومي: الاحتفاظ بكاهية مدير بالقصرين    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    رابطة الهواة لكرة القدم (المستوى 1) (الجولة 7 إيابا) قصور الساف وبوشمة يواصلان الهروب    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    المسرحيون يودعون انور الشعافي    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    تعرف على المشروب الأول للقضاء على الكرش..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متى نعود ل»بيوتنا» من جهة الشعر ؟
بقلم : صلاح الذاودي
نشر في الشعب يوم 16 - 08 - 2008

نحاول أن نخرج من الحائط كالاشباح، ولكن احرارا. نحاول ان نرسم بيتا بين البحر والبحر. بين الامواج. وقلب سؤالنا هو التالي: كيف لا نفكر ولا نبني ولا نسكن شعرا؟ ان التفكير والبناء والسكنى شعرا اصبح أفقا مسدودا كما أي أفق، انه يستحيل علينا ان نسكن أفقا دون ان نحتل ونستعمر ونستخلي ونستوطن. اننا نرغب في ان نمر مرور الكرام، مجرد عابري سبيل، أفضل، أبناء سبيل.
لا يعني ذلك انه يجب علينا ان لا نفكر وان لا نبني وان لا نسكن شعرا وانما علينا بما لم نفكر به وما لم نسكنه وما لم نبنيه. نحط ضيوفا جذريين دون استدعاء، دون استقبال وترحيب ودون تطفل او تزلّف او مداهنة او توديع، بلا سلطة، اي أفقيا وعَرْضيًا.
نحن البدو الرحّل، بعد هيدغر نقول لما بعد الشعر ان يعود لما قبل الشعر، نقول لما بعد الحب ان يعود لما قبل الحب ومن ثم نعود ونشد الترحال من جديد، أليس شعر العصر ما سيكون؟ وشعر الانسان ما سيكون وشعر الحياة ما سيكون وشعر العالم ما سيكون... الخ؟ هوذا الشعر: ما سيكون. اختلف فيه الناس ولا آخر في الناس. كلهم راحلون يدخلون ويخرجون. وان اي مُخرج للناس هو شاعر واي داخل هو خارج واي مَخرج ومدخل هو شعر، هو ذا شعر. تلزمنا الاشارة ان الشعر هنا عام ومشترك وتاريخي:
شاهد عيان وغياب، فعل وكمون.
كيف اذن لا نبني ولا نفكر ولا نسكن الا على قدر الشوق بين موجتين؟ وعلى قدر الفرق بين عصرين أو بين غريبين؟
كيف يورد درويش «الخيل الجميلة ماءها» ويجش «نبض الأبجدية في الصدى» ويعود «نافذة على جهتين»:
«أنسي من أكون لكي أكون جماعة في واحد، ومعاصرا المدائح البحارة الغرباء تحت نوافذي، ورسالة المتحاربين الي ذويهم، لن نعود كما ذهبنا، لن نعود... ولو لماما !» (لماذا تركت الحصان وحيدا (؟) على أمواج الشعر، بين موجتين على الاقل، ولو صَدفة، ولو صار الشعر شاطئا للمقاومة والبحر نثر. ان ذلك هو لأجل الرغبة الحياة الحب الصداقة لأجل الشعر العام او النثر العام الذي لا يتكوّن الا من الفرادات والخصوصيات ولا يتوانى عن ابداعها وتكوينها لتدل اكثر فأكثر علينا ونحن لم نظل نتكاثر «لا الشعر شعر ولا النثر نثر» (سرير الغريبة). هذه ذورة التجربة وعنصر وصنوة ما نسميه العلاقات الابداعية المشتركة بين الشاعر وشاعره. بينه وبين أثر وأثر. بلا أي أثر أو بين لا أثرين، هناك هنا، عمليات وفعاليات تعديد وتكثيف وتوليد وثراء. لا يلزمنا كثيرا التفريق ما بين المعني والمعني وصورة المعني و «شكل المعني» (بول فاليري) الذي نفرق به بين النثر والشعر مثلا. إننا لا نحتاج الى انساق انتاج وتواصل بقدر ما نحتاج اكثر واكثر الى انشائيات حيوية للخاص وللعام، لنثر العالم، للرغبة الصغرى والكبرى. يهمنا «منطق المعني» (دولوز) واتجاهه وقاياماته الداخلية. ان نمشي على أدمغتنا، ان نهيم بالخلاءو ان نلبس الليل ونتوسد الصحراء، لعله ينبت منا الضياء.
النثر عند درويش «بيان عام يتعاطى مع سؤال عام، مع كيفية دخول الخارج الى الداخل وخروج الخارج مُضرَّجا بشظايا مرآة الداخل.. دون أن تكون العملية قريبة من بيان شخصي». (الرسائل)، نحن ننوي الحوار بين بيان خاص وبيان عام، بين شعر الداخل ونثر الخارج بين الشعر المحلي والنثر العام وبين نثر القلب والشعر العام، ونحن ندري بمعية درويش «الحاجة الى اعلاء شأن الفروق الصغيرة بين الشعر والرحيل والتيه والذهاب والاياب والتنقل، والانتقال، والترحال، والخروج، والدخول، والضياع، واللجوء، والتشرد، والهجرة وما يحركه إختلاف الخطوة عن الخطوة من دلالة!» (الرسائل).
من هذه التفاصيل الدقيقة تنشأ التغيرات الكبرى. هذه، حسب رأينا، اهم سمة من سمات الشاعر المعاصر. ان درويش هو احد هؤلاء الشعراء الجاهليين المعاصرين النادرين، وهو منشق من الجاهليين، عن الجاهليين، وهو غريب ودون غرض قديم، وهو كذلك لأسباب.
لأنه انخرط بعد في الفن الحيوي لهذا العصر: في اللاّمكان واللاّفضاء، في اللاّوطن والكامن والعام والمشترك.
إنه ارتحل، رحل، ترحّل في مكانه ، من دون مكان، من مكان لمكان وخارج المكان لانه رحل، طرد، فصل، إنتفي، نفي، إنه تنحي، تنزّع، سحب من الارض، أعادها لمكانها، حطّ وألتحق،، هطّ وعاد ولم يعد، احن الى اللهجة العامية الفصحى لو أقول «شّع»، «هجّ»، «لّع» انه من الذين اذا تكاثروا بالصحراء، علّقنا راية جديدة وكتابا جديدا، ليس من اجل الراية ولا من اجل الكتاب ولكن من اجل فتحة جديدة في عالم جديد. انه من الذين يعدّوننا ويعدوننا اذا ما تعالقنا معهم ابداعيا، لأدب وعلم جديدين، بل لفلسفة جديدة، لفن حيوي ولا ستراتيجيات استعداد حيوي لأجل الحق في الحياة والحق في الرغبة والحق في المقاومة: الحياة الكبرى والرغبة الكبرى والمقاومة الكبرى.
ليست الحياة أبدا لحي وحيد، واحد، فريد، أخير
ليست الرغبة أبدا تملكا واستحواذا
ليست المقاومة أبدا سيطرة وتدميرا
قد نكون منهمين، في هذاالمقام، بعائلة واحدة من الأسئلة وهي:
لماذا لنا الفن ويقتلنا اللافن؟ لماذا فينا الفن وليس لنا فن؟ لماذا فينا ومنا الفنانون ولا فن في حياتنا؟ لماذا ليست لنا فلسفة فن ولا فلسفة في حياتنا؟
لماذا تضيع فينا طاقات هائلة وتتجمد صداقات قوية وينطفئ الاسلوب المضيئ من الحياة، أي الحياة بشكل فني، ونحن نحاول، حسبنا الحدة والشدة والحرارة في أحد الأنامل لعل أحد اللاّ شعريين، لعل احد اللاّموالين يحط ببطئ او بضربة خاطفة على درجة من درجات النبض بين الواحة والصحراء. لعله يوجد ماء.
سنكون في ضيافة محمود درويش، ضيافة لا تأخذ بالاحضان وإنما تبدع الأحضان وتعمرها فيتبادل ويبدّل الانسان فيها الانسان.
«لا وجود الا لسيولات تنفذ او تتجمد او تفيض تارة وتتقارب او تتباعد أخرى» (دولوز بارني، حوارات).
I / عن الفرح
«في وسع أجمل الأزهار أن تتفتّح
في ساحة شهدت أشدّ المعارك
وحشية وفي وسع النرجس
أن يتملّي وجهه، جذلا في
بركة ذبحوا فيها طفلا
منذ قليل»
(م / د)
«الإنتفاضة.. هي
عمرنا الجديد، هي
الفرح الصعب»
في المعركة الحقيقية يكون الفرح أجمل وأنبل الاسلحة. يكون سلاحا فريدا وتكون المعارك الحقيقية جذلي، واما الحقد فالاه الحروب واليأس رسول الهزائم. وأما الحزن فليس نقيض الفرح «الكمال الأرفع» والأقصى بلغه سبينوزا وإنما هو «الكمال الأقل» أو الأدني، فهو صمود ومكوّن للمقاومة التي لا تكون ولا تظل مقاومة اذا تراجع الحزن الى ما دونه من الأهواء الشقية والتّعيسة واذا «تراجع الحب» كما غنّت فيروز وإذا لم يحوّل الى فرح كما يتحول الالم الى فرح. انه علينا ان نهرب دائما كما كتب درويش لسميح القاسم «مما يصير شروطا للفرح» لأنه لا يصير فرح بشروط ولا يبقى فرحا، كيف اذن «مسّنا طرب جماعي» كيف «مسّنا شبق الى التكوين»؟ (لماذا تركت الحصان وحيدا؟).
إن الفرح ثوري او تمردي، حالات عصيان وغضب حي. ممتنع عن الاختناق، منيع عن الامتصاص، حصين عن الاجتثاث. كدت أقول: نلتقي في «نثر العالم» (مرلوبنتي / فوكو) وفي الشعر العام، لقاء ولقيا، وبين لقاء والتقاء «ننثر لحمنا» في القصائد (سمح القاسم). الفرح لا حلو ولامر، لا نشوة ولا نكد. الفرح لا هو إيطوبيا ولا هو أوبيوم، لا تحليه ولا تخدير. الفرح تقرير، تصيير، تدبير وتكوين وتوليد حب من كمون الى تحقيق ثم كمون. كان يقول: «ولم أوقف حصاني الا لأقطف وردة حمراء من بستان كنعانية أغْوَتْ حصاني، ومضيت أبحث عن مكاني» (الرسائل)، كان يقول «ابتسمي يزهر اللوز اكثر». لما كان الورد الحزن، كان أقل، كان أرفع؟ وكنت الداخل / الخارج الاّ وطن / الوطن. وكنت المبعد / المفصول، المهاجر / المسافر لعلل ومن دون علل. قل لما «إكتملت (لديك) كل اسباب الرحيل» ولم تكتمل (جدراية)، قل لهم لماذا تصل، ولم تصل؟ وكيف في وسع السماء ان تتمشي حول أحواض الجحيم؟ وان تنعس خلف الليل الثمل؟ وكيف عليّ ان أدلك نهود البراري وأفخاذ الجبال بماء الهزائم وملح الذكريات؟ كيف نفرح قبل التخدّر بتقنيات النعومة والرطوبة وجراحة وملاحة اللاّذاكره؟
لا عذر لتارك الحصان، لا عذر لأمي ان كنت اعتذرت ولم تحرس بكائي. لا عذر لأي حبيب ان كنا افترقنا في طريقين مختلفين ومسّه «برد بين اليدين (سرير الغريبة).
لا عذر لك يا محمود ان لم تداوني من الاسئلة. لا عذر لي ان لم أسئلك. محمود، ان ابنائنا، أحفاد الأخطل والبحتري ممنوعون من اختيار الدواوين التي يريدونها. هل كنت تعلم؟ هل كنت تعلم ان الشعراء والامراء والانبياء، والفلاسفة كلهم يموتون رميا بالتراب الحي؟
«تعبر الخيل الغريبة... يعبر سادة الوقت، الفلاسفة، إمرؤ القيس الحزين.. يعبرون تحت القصيدة» (لماذا تركت) وأنت أنت. كيف كنت، كيف تكون؟ ستكون! كيف تقول لشعرك كن فيكون؟ وأنت لولا شعرك لم تكن لتكون.
اعتصر، اما آن لحشود النيران ان تغتسل؟ إعتصر هذا المقت الحقير المفتت لدمي.
إليْ، فان سواحل الدنيا وحدودها حبال يعلق عليها المقتولون كأسماك صغيرة شائحه... ملح... ملح القاتلين وقاتلي الفرح والعاطلين عن الحياة، بدعوى الاقليم الارض المجال الدولة الوطن!
امن تلقاء نفسي عشقت اللحم اللحم الحي؟ أم أن الجبهة ميتة؟ أم ان الجبهة صدّ، مقاومة للمقاومة وتسلية لتجار الدم: أحباب القديسة أمريكا ومشعوذي التنمية التقدم التنافس، الغد.
للشعر يا محمود رائحة الرياح وطبع الرماح، للشعر ضوء السرعة، رياح الخيل وأنواء الليل، للشعر فرح «التعبير عن البقاء بالمظاهرة والتفاؤل؟؟ (الرسائل) والالم هو ان لا تعلق سيدة البيت حبل الغسيل صباحا، وان تكتفي بنظافة هذا العلم» (الرسائل).
«وداعا وداعا لشعر الألم !» (طباق)
II / «موسيقانا» (1)
«جيتارتان تتبادلان
موشحا وتقطّعان بحرير
يأسهما رخام غيابنا،
وترقّصان السنديان»
«والحياة هنا تتساءل:
كيف نعيد اليها الحياة»
كان المكان حطاما. من الركام خرجت علينا باحثا عن الاّمكان، خرجت في اليد تشايكوفسكي وفي الأخري تشوبارت. رأيت إدوارد سعيد «يعزف لحنا لموتسارت» (طباق).
همستُ: أنا من الذين عُزِّفُوا كموسيقي الأموات، وذبحوا على آلة الكتب العالمية بساراييفو. فقلتَ: «الحياة التي لا تعرّف الا بضد هو الموت ليست حياة». وألقيتَ : «جرّب الان الحياة تدرّبك الحياة على الحياة» (لا تعتذر). عاودت الهمس: هنا الحياة من دون حياة، هنا الحياة دون الفن ودون الحياة.
سألتُ: «ما الذي يجب» وأجبتُ: الحياة التي هي الحياة. وراح صديقنا ودار يصور الموت وهو يحاول الانتحار، يصور الحياة وهي تحاول الانتظار. هنا هناك، كان الحطام احتضار. وانت من الركام خرجت. ونحن نغني:
إما ان نكون واما ان نكون. وانت عزفت: هنا لحن هنا انتصار، ثم بكيت: ««عد يا عود» بالمفقود وأذبحني عليه، من البعيد الى البعيد» (لماذا تركت).
III / الرغبة الكبرى
خذي فرسي وأذبحيها وأنا سأذبح
دبابتك، خذي فرسي وأذبحيها،
لأحمل نفسي حيا وميتا وانا
سأذبح دبابتك لتمر فرسي
دفىءا دفىءا عليك
دفئا دفئا عليها... وتحطين كطير»
«أما الخيل، فلترقص
طويلا فوق هاويتين،
لا موت هناك... ولا حياة»
ان رغبت في المعجزة كوني، كوني انت المعجرة، قلبٌ معي، قلب معك. كأنك خرجت للتوّ من البحر. وفجأة حلمت بالبيريني
والساحل العاجي، تبحثين في الخيام عن رغوة العشق الاخير، تحبين فونيز (Venise) وطائر المهد، تتكلمين الاسبانية بوجد لا تيني ولهفة نادرة. تتدللين: «القصيدة، بوسعها ان تعلمني ما تشاء». تلاعبين الحبر على صدري ومن على فمي. فلما لا تحيرين اية نبضة تغير خط الاحتراق الطويل الى الأودية؟ يقتلني انك حية / لست حية. «لا آسم لما ينبغي ان تكون عليه الحياة، سوي ما صنعته بروحي وما تصنعينه» (لماذا تركت) وللحياة الاسماء كلها وللنبض الاوزان كلها: تقتلني وتقتل قاتلي وأحييه بالرغبة الكبرى. يقتلني الناس والنفس والدولة. يقتلني الميت، يا ليتني يقتلني الحي. تقتلينني كميدوز (Méduse). ميدوز وهم وأنت الحقيقة تقتلني الحقيقة، هي الرغبة هي الحرية لا وعي الرغبة. وتحييني الرغبة الحقيقة المقاتلة. والرغبة / الاّرغبة الاخري، حقيقة قاتلة. أحبك حتى بيان العظم. أحبك في كل الناس. أحبك الرغبة في القلب، الرغبة في الرأس. أحبك وتكفي حقيقة واحدة لأبقي على رغبتي المقاتلة. «تصابين مثلي، برحلة طير» «وتصغي الى ما بنا من حنين الى شارع غامض: لي حياتي هناك، حياتي التي صنعتها القوافل وأنصرفت، وهنا لي حياتي على قدر خبزي وأسئلتي عن مصير يعذبه حاضر عابر، وغد فوضوي جميل». غد للرغبة الكبرى.
IV / الى بربري صغير
«هل تذكر كيف كنا نبحث عن موسيقي
ميكيس تيودوراكيس لنعرف انها
ممنوعة في اليونان، وأن اسم الفنان
ايضا ممنوع»
«أمسّك مس الكمان
الوحيد ضواحي
المكان البعيد»
قلت: العبيد يرحلون، والمسافة أقصر من ظلهم. أتحلم؟ هم يرحلون، وأنت لا تراهم لأنك نمت اكثر من موتهم. أطلت الانتظار حتى شارف على اللحاق بهم وهم خارجون. قلت يرحلون ولم تكن صادقا لتصدقني، فأذهب لباقي الرقاب، قل لمنكس المساكن: كيف للحب اني يأوي الامكنة؟ قل لمشرّد المدائن: كيف للبيوت ان نسكنها، برضاها؟ لا الحرب مقدسة ولا السلم عذراء. عد يا بني للمدرسة، وأكتب بالابيض: لا أحبك. ان كنت لا تحبني، أحبك. إن كنت تحبني. كن ما تشاء. عد وقل للضوء الخافت في عين المعلمة: أكتبي في عيني، أراك في الظلام وفي الضوء، أغرق. عد وأسأل. سيرحل الراحلون بالأسئلة. سيرحل الراحلون عندما يعود أطفالنا للعب في بهو الديار. سيرحلون من فرط ابتسامات الصغار. سيرحلون، لو نخرج من كذبة العرش، لو ندخل مدائننا من الابواب. لو تعزف الفاتنة فتنتها فلا يجرحها احد. سنعود، ان لم تمت أمهاتنا من حزننا وقلة شعرنا سنعود، ويرحل العبد للحر للنثر للشعر العام. وتذكر انك كنت انفصال وتذكر انك كنت تكتب لا أحبك عندما لا تكتب تكتب الابيض بالظلام. عد، عد يا بني، وان بكيت من غير لوح فأملأ به سقف المدرسة. وأنسج نشيدك أعلى الجدار.
V / بيان
«ثقوا بالماء يا سكان أغنيتي»
«إن النهاية أخت البداية»
1 إلى حبيبتي: لا تصدقي أنني أحبك،
2 إلى صديقتي: لا تصدقي أنني لا أحبك،
3 إلى منبوذ النثر: لا تكن شعرا،
إلى منبوذ الشعر : لا تكن نثرا،
5 الى الولايات المتحدة الامريكية: انت قرية عليها ان تتخلص من شيوخ الفساد
6 الى القرية العالمية: انت ولاية عليها ان تتخلص من شيوخ الاصلاح
7 الى العراق: انت أول معلقة، ونحن لم نقرأ الشعر أبدا، انت اخر معلقة... كلنا شعراء!
8 الى الناس والوقود والحجارة: كونوا بردا وسلاما على الجحيم
9 الى أسفل درك في الجحيم: أدرك الساعة الثانية
10 الى القيامة: مرحبا بك في جزيرة منتصف النهار
11 الى الجنّة: أنا الربيع
12 الى الخلود: من انت؟ ومن الفناء؟
13 الى أهلي: أنا أول أب
14 الى وطني: أنا اخر أم
15 الى قيس: إن لم تزل تحبها، تعال وخذها
16 الى الأزليه: أنت مستنسخه
17 الى الوحدة: عذرا، أنا غفير
18 الى الناس: آسف لغربتي
19 الى محمود درويش: سلم على أمك حورية وقل لها انا مع التطبيع الذي يعيد الاشياء الى طبائعها. أنا مع التطبيع الذي يعتبر ان الصراع امر طبيعي. أنا مع التطبيع الذي يجعل المسمى اسرائيليا مجرد مواطن فلسطيني وليس الذي يجعل العرب اسرائيليين. أنا مع الاشتراكية الفدرالية التي تتعايش فيها الجماعات القديمة الجديدة على اختلاف أديانها ولغاتها... ولست مع دولة اسرائيل وشقيقتها الشبح فلسطين. أنا لست مع الحزب، أنا مع الحركة، أنا مع التحرير لست مع المنظمة. أنا لست مع الشعب، أنامع الجماهير، أنا لست مع الفصائل، أنا مع الانتفاضة الثالثة.
20 الى محمود درويش: سلم على حبيبتي وقل لها ألا تخشى الفقر، فهو ألطف كائن رياضي
21 الى محمود درويش: سلم على الملائكة وقل لها ألا تخجل من الشيطان فهو مجرد حيوان منطقي
VI / الى آخر بربري
«أينا قال: قد تحفظ اللغة
الأرض مما يلمّ بها من غياب
إذا انتصر الشعر»
«كل قصيدة أم / كل
قصيدة حلم»
ولتكن «الذبابة حول سقراط» ذكرى (الرسائل) و «السحابة فوق أفلاطون» ذكرى (الرسائل) وألمي على ابناء روسو وماركس، ذكرى وفينوس (Venus) ذكرى و «مارس» فيلاسكاز (Vélasquez) ذكرى وليكن، وليكن الحصار الوداع الذاكرة الرسائل، العابرون، ذكرى. ولتكن الاغنية والمديح والنرجس ذكرى، ولتكن يا محمود «شخصية مفهومية» ذا فرادة عالية. لا أنا أنا ولا أنت أنت، لا أنا منك ولا أنت مني، ولا «العبارة كاملة».
أقرؤك السلام
ولتكن «حياتنا عبء على ليل المؤرخ. «كلما أخفيتهم طلعوا علي من الغياب». ولتكن حياتنا عبء على الرسام: «أرسمهم، فأصبح واحدا منهم، ويحجبني الضباب». ولتكن «حياتنا عبء على الجنرال: «كيف يسيل من شبح دم... وحياتنا هي ان نكون كما نريد» (لا تعتذر).
ها أنت أنت «كشرفة بيت» «تري ما تريد».
VII / إلى ناجي الخشناوي
«أحُطُّكَ على الجرح فيبْرَأْ...»
متى نُقعِد الجحيم على البحر؟ متى نُنَقِّي الجمرَ من القلب؟
------------------------------------------------------------------------
1) موسيقانا، Notre musique هو الفيلم الجديد لودار وهو الفيلم الذي شرفنا محمود درويش وهو يقرأ الشعر في ذات المكان الذي حطمت فيه المكتبة الوطنية بساراييفو.
كل الوارد بين ظفرين لمحمود درويش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.