أوّلا: لابدّ من اعتراف الجميع بأنّ المقاومة اللبنانية قد خاضت معركة الامة ضد العدو مدة 33 يوما وحققت الانتصار المرجوّ على الرغم من المساندة التي تلقاها هذا العدو من الامريكان واوروبا وبعض من الأنظمة العربية. ثانيا: أثبتت تجربة تموز أنّ مواجهة العدوّ لا تكون إلاّ بأسلوب المقاومة لا بالجيش النّظامي. ثالثا: أمّا السّؤال عن قدرة العراق العسكرية ومصيرها فيكشف لنا حقيقة أنّ العراق لم يحقق توازنا استراتيجيا مطلوبا لردع ايّ تهديد خارجي لان مفلهوم الاستراتيجيا يشترط توفير مجموعة من العناصر تكون متظافرة فيما بينها وظيفيا وبنيويا بحيث أنّ أيّ ضعف في أيّ عنصر سيحدثُ اختلالا في التوازن وسيؤثر سلبا في مجريات المعركة ومكاسب الحرب، وتكمن أهميّة هذه العناصر في الكيف والكم ولهذا السبب تمّ غزو العراق. فالعراق لم تكن لديه مقاومة قبل الغزو بل انّ المقاومة جاءت متأخرة وهذا لم يكن لصالح العراق. إضافة الى ان القوة العسكرية العراقية والاقتصاد العراقي استنزفتهما حرب الثماني سنوات ضد ايران وانعكاس ذلك على الحالة السيكولوجية والاجتماعية للشعب العراقي بشكل سلبي ومدمّر الامر الذي ادّى الى حدوث تصدّع خطير في الجبهة الداخلية العراقية ظهرت نتائجه متأخرة وبشكل مفجع ولدرء هذا التصدع توجه الجيش العراقي الى الكويت وكان الحصاد مرا ثم جاء الحصار ودخل الشعب العراقي في دوّامة المجاعة الحقيقية وتدهور البنية التحتية للعراق لتعصف به في اتجاه الغزو والاحتلال. فالمشهد العسكري العراقي لم تتوفر لديه منذ البداية العناصر الكافية لبناء استراتيجيا بل ان المشهد العراقي العام كان مختل التوازن حتى يبني استراتيجيا والا كيف نفسّر ما آل اليه العراق الان؟؟ العراق الان تحت الغزو والاحتلال وتحكمه حكومة مشبعة بالعمالة والغدر والخيانة حتّى النّخاع، العراق الان مشبع بالجواسيس والعملاء والقوادين، العراق الان تحت السيطرة الصهيونية. فالمقاومة اللبنانية لم تنتظرالامم المتحدة والمجتمع الدولي لتنفيذ القرار 425 الخاص بخروج قوات العدو الصهيوني من لبنان بل المقاومة بادرت بالتحرير وعلى العكس من ذلك فقد شرّع العراق ابوابه امام لجان التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل الموهومة. وهنا تكمن المصيبة فلا مجال للمقارنة هنا بين مشهدي لبنان والعراق حتّى نقع في فخّ الرّهان الخاسر مرّة اخرى. ثمّ أنّ المقاومة اللبنانية (حزب اللّه) اوسع من ان تحشر نفسها في منطق شيعي ضيّق او ان تكون حاملة لمشروع ايران او ان تكون اداة سورية تهدد امن واستقرار لبنان فالمسألة لا تفسّر بهذا الشكل من الرؤية والتفكير وانما ينظر اليها من جهة ان لبنان هو جزء من سورية واستقلاله من استقلال سورية ثم ان لبنان كما ذكرنا هو ساحة الحسم العسكري في هذه المرحلة الحرجة للبنان وسورية والمنطقة والامة على حدّ سواء. اما عن الملف الإيراني فالكلّ انقسم على نفسه وافرز قراءات متعددة ومختلفة ومواقف متباينة جدا تحمل معها احيانا بذور العداء الشخصي وهذا ما يضرّ بمستوى الحوار والنقاش الهادئ والهادف حتى ان الكثير من الندوات والمحاضرات واللقاءات والاجتماعات تحاول ان تتجنّب الدخول في تفاصيل هذا الملف وهذا خطأ يفرض على الجميع خاصة في الساحة السياسية هنا في تونس ان يتجاوزه ويخرج من حالات الاحراج التي تفتح احيانا على أبواب المجاملة الى حدّ النفاق. ثم أين يكمن الاشكال؟ إذا وقفت سورية الى جانب لبنان ومدّت المقاومة بالاسلحة وبالمال وبالعتاد العسكري وبالدعم والمساندة السياسية. اين يكمن الاشكال اذا تدخلت سورية بشكل مباشر في الاستحقاق الرئاسي ودعم المعارضة والمشاركة في تفكيك الاحتقان السياسي في لبنان وان يكون لها موضع قدم فيه. هل نسينا اصل قوى (14 اذار / مارس) واهدافها السياسية هل نسينا ان لبنان الان مشبع بالعملاء والجواسيس والقوادين. هل نسينا ان لبنان مستهدف في أمنه وشعبه وفي ارضه وفي جباله وفي اشجاره وفي دوابه وفي سمائه وفي مشروعه الوطني والقومي، من قبل الكيان الصهيوني. هل نسينا الاعتداءات والاختراقات المستمرة لاجواء لبنان ولحرماته من طرف العدوّ؟.. هل نسينا ان لبنان في حالة حرب؟؟ وعليه كان يدافع عن نفسه سيما ان الوضع الدّاخلي اللبناني يختلف كليّا عن أيّ وضع آخر سياسيا واجتماعيا ودينيا. أمّا عن ايران نريد هنا ان نذكّر الجميع بانّ كان مرتعا للشركات الصهيونية والامريكية وكان نظام الشاه يحرس مصالح الغرب في المنطقة ولا احد من الانظمة الخليجية يجْرؤ على المس بسيادة ايران وعندما انقلب الوضع على الشاة وخرج مطرودا من ايران سلمت الثورة الاسلامية السفارة الاسرائيلية في ايران الى فلسطين. اما ان يتلقّى «حزب اللّه» المد العسكري من ايران للدفاع عن مشروع الامة فهذا من حقّه وهذا مشروع ألأنّّه انتصر على العدو فنكنّ له العداء ونحاربه ونتّّهمه. سنتحدّث في مقال آخر عن المشهد السوري وسنتناول الكثير من النّقاط المهمّة جدا من بينها علاقة سورية بإيران وبحزب الله ومصير المشروع القومي.