شهر رمضان المبارك هو مناسبة كريمة لإحياء القيم الانسانية النبيلة في ذواتنا وتنبيه الآخرين اليها، واذا كان ديننا الحنيف يدعو الى مكارم الاخلاق وسموّ النفس من اجل تحقيق التسامي والترفّع عن الاسفاف، فان من ابرز مظاهر رفعة الاخلاق حسن المعاشرة بين اهل البيت الواحد سواء كانوا أخوة أو أزواجا بل ان الذين الاسلامي دعا في اكثر من موضع من الكتاب والسُنة الى حسن المعاملة وطيب المعشر، ومن ابرز مظاهر طيب المعشر بين الازواج تجنب العنف والتجريح الذي يسلطه بعض الازواج على زوجاتهم نتيجة تربية خاطئة أباحت لهم ذلك او نتيجة عدم اطلاع جيد على تعاليم الدين الاسلامي او ربما نتيجة امراض وعقد نفسية خطيرة. ان العنف الذي يسلط على المرأة تختلف انواعه ومظاهره وتتفاوت درجاته من مجتمع الى اخر بحسب مستوى الوعي الجماعي وبحسب تطور التشريعات التي تنظم اقامة النساء في العالم، وللعنف الذي يستهدف المرأة نتائج خطيرة على الافراد والجماعات الشيء الذي دفع بالامم المتحدة الى ان تبادر منذ سنة 1991 الى تخصيص فترة محددة من كل عام تمتد بين 25 نوفمبر و 10 ديسمبر من اجل تنظيم حملات عالمية لمكافحة ظاهرة تعنيف النساء والتصدي لها واستنباط ما يلزم من وسائل وتسخير كل الامكانيات المتاحة للقضاء عليها خصوصا وهي تشمل فئة مهمة من النساء في العالم تترواح نسبتها بين 10 69. ومن الانواع المتعددة للعنف يمكن ان نذكر : العنف النفسي أو العاطفي وهو من أخطر أنواع العنف لانه غير محسوس وله اثار مدمرة على الصحة النفسية للمرأة، ويتجلى خاصة من خلال التقليل من اهمية المرأة وتحقيرها ووصفها بصفات لا تليق بكائن بشري، فالسب والشتم والتهميش والهجر والاهمال كلها اشكال من اشكال تعنيف المرأة، ومن العنف النفسي ايضا منع المرأة من ممارسة اعمال ترغب في القيام بها مثل مواصلة التعليم او العمل او الزواج. العنف الجسدي الذي يكون ظاهرا ويستهدف جسد المرأة (لَكْم صفع ركل قذف بأجسام صلبة استخدام بعض الالات الحادة او التهديد بها). العنف الجنسي: وهو كل قول اوفعل يمس كرامة المرأة، ويخدش خصوصية جسدها مثل التعليقات الجنسية في الشارع او الهاتف او محاولة تلمس اعضاء من جسد المرأة دون رغبة منها، ثم يأتي الاغتصاب والختان وتزويج القاصرات وارتكاب جرائم الشرف. العنف المدرسي ويعني حرمان الفتاة من حقها في التعلم او اجبارها على مغادرة المدرسة او اجبارها على دراسة اختصاص تعليمي لا ترضاه. العنف الاقتصادي ويشمل المنع من العمل مثلا او الاستحواذ على الاجر او الاستيلاء على الممتلكات او الحرمان من الميراث او منع الوثائق الشخصية عن المرأة (بطاقة تعريف جواز سفر...). وهذه الانواع من العنف تخلف اثارا سلبية للمرأة منها: فقدان الثقة بالنفس والشعور الدائم بالذنب والاحساس بالاتكالية وعدم الاعتماد على النفس والشعور بالعجز والذل وعدم بلوغ السلام النفسي والعقلي مما قد يفقد المرأة الاحساس بالمبادرة واتخاذ القرار وقد يذهب عقلها. هذا على المستوى الفردي اما على المستوى الجماعي فآثار العنف تمتد لتطال محيط المعنفة ايضا فقد ينتج العنف الطلاق والتفكك الاسري وتسرّب الابناء من المدارس وجنوح الابناء ونزوعهم الي العدوانية. ولان نتائج العنف المسلط على المرأة خطيرة جدا فاننا نذكر بمناسبة هذا الشهر الكريم ان الدين الاسلامي قد دعا الى تكريم المرأة وعدم اهانتها ففي سورة الاعراف (18) يقول الله تعالى: «هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجا ليسكن اليها» وفي سورة الروم (21) يقول الله تعالى: «ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك آيات لقوم يتفكرون». وفي سورة النساء يقول الله العزيز الكريم: «وعاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا» آية (19). فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد ساوى بين الرجل والمرأة في حسن المعاملة ودعا الى التعايش في كنف الاحترام فلماذا يُصر بعض الافراد على ايتاء تصرفات غريبة تستهدف حرمة المرأة وكرامتها عبر تعنيفها ويبررون ذلك بأن الدين قد امر بذلك، وما هذا الا فهم خاطئ للدين الاسلامي وتعاليمه السمحة، فليكن شهر رمضان الكريم مناسبة تراجع خلالها بعض الاعتقادات الخاطئة ونعمل من اجل السموّ بممارساتنا تماهيا مع روحية هذا الشهر على ان لا يكون تقيدنا بمكارم الاخلاق مرتبطا بشهر الصيام كالزلابية والمخارق.