أتحفت القناة الفضائية التونسية 21 النظارة ليلة الجمعة 10 أكتوبر ببرنامج ثقافي أعدّته وأنجزته وقدّمته الدكتورة والباحثة في علم الاجتماع الأستاذة فتحية السعيدي، اختارت له من العناوين «في حضرة الغياب» وكرّمت من خلاله الشاعر الراحل محمود درويش. وما دفعني للكتابة عن هذا البرنامج هو الجهد المتميّز لمعدّة البرنامج ولثراء مادته وكذلك لأهمية الضيوف المشاركين وأيضا لمساحة الوقت الذي استأثر به البرنامج. فبرنامج «في حضرةالغياب» خرج عن طبيعة البرامج الثقافية التنشيطية واقترب من البرامج الثقافية العميقة التي تضيف للمشاهد من خلال جدّية المقاربات وزوايا التناول التي تطرّق لها الضيوف كشعرية محمود درويش وعلاقته بالجماهيرية ومراحل تطوّر شعره وأيضا التباس الشعري بالنضال. البرنامج حضره الشاعر الصغير أولاد أحمد والشاعر والناقد الدكتور محمد الغزي والموسيقي عادل بوعلاق والروائي الفلسطيني توفيق فياض ولكل واحد من هؤلاء تقاطعات متفاوتة من الشاعر محمود درويش. الدكتورة فتحية السعيدي ولئن افتتحت برنامجها بالعموميات كالتكريمات التي حظي بها درويش الاّ أنّها سرعان ما أنقذت المادّة الثقافية المقدمة بطرح أسئلة عميقة وجدية على مضامين شعر درويش على ضيوفها كما يبرز الجهد والبحث المبذولان من قبل المنشطة في تنقلها إلى لبنان ومحاورتها لكل من الروائي والناقد إلياس خوري وللشاعر شوقي بزيع والدكتور والباحث في علم الاجتماع ورئيس جمعية الباحثين الاجتماعيين العرب التونسي الطاهر لبيب وصبحي حديدي. هذا فضلا عن النقاط الخارجية التي حاورت ضمنها عددا مهما من الأسماء مثل الدكتور فتحي النصري والدكتور حمادي صمود. عموما ساعتا هذا البرنامج سيُحسبان للفضائية قناة 21 التي على عدم تخصصها الثقافي فقد أفردت محمود درويش بمساحة زمنية ومادة ثريّة لم نعهدها في غيرها من قنواتنا التونسية وهو ما يؤكد أنّ محمود درويش حتى في غيابه أعاد للشعر والشاعرية سلطته وكل ما نرجوه أن تُخصّص مساحات مُماثلة لشعراء ومبدعين من تونس وغيرها بهذا الحجم وهذا المستوى الراقي قبل أن يغادروا الحياة.