تمثّل العودة المدرسية حدثا وطنيا واجتماعيا مهما بالنسبة للمجتمع التونسي والعائلات التونسية، حيث تزداد العناية بهذا القطاع والاهتمام به لما يكتسيه من محورية في حياة المجتمع والأطراف المكونة له كافة. وتطرح كل عودة مدرسية جملة من الأسئلة والملاحظات تدل على الحيرة المعرفية والسوسيولوجية التي تخامر مختلف الفاعلين الاجتماعيين نحو هذا القطاع، وسنحاول في هذا الاطار تقديم بعض الملاحظات حول بعض المسائل التربوية وخاصة في علاقتها بالمجتمع ككل فماهي هذه الملاحظات؟ الملاحظة الأولى، تتمثّل في تراجع مكانة القطاع التربوي مقارنة بالقطاعات المهنية الأخرى من حيث نظرة المجتمع الى الميدان التربوي والأطراف العاملة فيه، وكذلك من حيث التجهيزات والامكانيات، فالأمور في هذا المستوى بقيت متواضعة وقديمة شيئا ما، فالمشغل الآن للقطاع حسب ما يتأمل بناء القاعات للتدريس، أمّا فيما يخص الاهتمام بالمرافق فيبقى دون المطلوب والمأمول، كما أنّ الوضعية المادية للعاملين في القطاع التربوي في تراجع مقارنة بموظفين في قطاعات أخرى، رغم أنّ مقاييس الانتداب وشروطها تبقى واحدة في أغلب الحالات بين القطاع التربوي وقطاعات أخرى. أمّا الملاحظة الثانية فهي في تواصل مع الجزء الثاني من الملاحظة الأولى، حيث أنّ هناك تفاوتا داخل نفس الاطار التربوي في مستوى التأجير وقيمة العمل وساعاته والترقيات، فما يسمّى اطار اشراف داخل المؤسسات التربوية فالتفاوت فيما بينه واضح وجلي، اضافة الى الاختلال في المكانة والدور والفاعلية، في حين أنّ أطرافا أخرى داخل القطاع التربوي دورها يكمن في التنظير داخل أسوار المكاتب دون علاقة بالميدان بالواقع. الملاحظة الثالثة، متمثلة فيما يسمّى «المناشير والمذكرات»، إنّها بمثابة نصوص وضوابط قانونية تحدّد سير العمل داخل المؤسسات التربوية والمنظومة التربوية ككل، لكن هناك فوارق بين النص القانوني والواقع التربوي، ذلك أنّه مهما كانت قوة النصوص القانونية فإنّ الواقع وصور تطبيقاته يمثل شكلا من أشكال المفارقة التي من الضروري مرعاتها، انّ الاشكال الرئيسي في هذا الاطار انّ البرامج والسياسات التربوية لا تسطر ولا يخطّط إليها مسبقا قبل دراسة الواقع، دراسة مستفيضة وعلمية وبتشريك مختلف الأطراف التربوية دون استثناء ولا يقتصر الأمر كما هو عليه الحال اليوم على ما يسمى اداريا «مسؤولين» وعلى المسؤولين «المركزيين». اما الملاحظة الرابعة، فمتعلقة بالعديد من الملفات التربوية التي تطرح كل سنة تقريبا، ودون أن توجد لها حلول، فإلى ماذا يعود هذا الأمر؟ فإذا عدنا مثلا الى موضوع الدروس الخصوصية فإنّه يطرح في شأنه جملة من الأسئلة من بينها، هل ان الحاجة الى ذلك تدل على أنّ الساعات المخصصة في البرامج الرسمية في بعض المواد غير كافية وبالتالي هناك خلل بيداغوجي هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لماذا يركز على صنف المدرسين في التعليم الثانوي بالخصوص دون تجاهل التعليم الابتدائي أيضا مقابل موظفين آخرين في مؤسسات عمومية يتحصلون على علاوات أكثر وبطرق مختلفة ويتمّ التغاضي عنهم؟ أمّا المثال الثاني فيخص جملة من الظواهر التربوية مثل الغيابات والعنف والسلوكات المنافية للعيش معا.. هذه الظواهر تتمّ معالجتها والحد من تفاقمها الى جملة من العوامل من بينها، غياب تضافر مختلف الأطراف داخل وخارج المؤسسة التربوية، فالمؤسسة التربوية وحدها غير كافية لنشر القيم التربوية فمن الضروري مساهمة الأطراف خارج المؤسسة التربوية مع العاملين داخلها، من ناحية أخرى فإنّ القيم التربوية والاجتماعية داخل المنظومة التربوية والمجتمع التونسي الآن أصبحت مسلعنة marchantalisée وخاضعة لمنطق السوق والقوانين الاقتصادية (النجاعة، المردودية..)، أمّا الناحية الثالثة فإنّ العودة الى أهل الاختصاص أي الى الدراسين والمنجزين لبحوث علمية وبحثية وأناس في الميدان للإستفادة منها والعمل بها ويتحقق ما يسمّى انفتاح القطاع التربوي على البحث الجامعي وتوظيف خبرات الميدانيين في فهم بعض خبايا الواقع. ومن الضروري هنا أن نبيّن في هذا الاطار ان اختصاص علوم التربية في بلادنا الذي كثر عنه الحديث هو اختصاص مهني وليس شهادة علمية، وكذلك هو اختصاص يركّز على النواحي البيداغوجية الصرفة. إنّ رهان المجموعة الوطنية على القطاع التربوي للقيام بمهمته السامية هو أمر وجب التنويه به، لكن أمام هذا القطاع مسائل كثيرة حاولنا أن نطرح بعضها دون تجاهل أو تغافل على مسائل أخرى عديدة فهي تثير الجدل وطرح الأسئلة وهو دليل على خصوبة وثراء هذا الميدان، ذلك أنّ هذه الحيوية وتشابك القضايا والمشكلات وحساسيتها يضع أمام المجتمع التونسي بمختلف مكوناته تحديات مختلفة ومتنوعة يحتاج إلى تفهم وتحليل مستفيض له وإلى تضافر مختلف الأطراف دون استثناء وبنشر ثقافة وذهنية جديدة مغايرة للعقلية القائمة على النفعية البراغماتية والآداتية حسب استعمال مدرسة فرنكفورت الألمانية.