٭ جعفر حسين، (باحث تونسي في علم الاجتماع) 4 إن من أحد الأسباب الرئيسية للعنف هوظاهرة التسيب التي تشهدها مؤسساتنا التربوية بشكل عام حتى قبل ثورة 14 جانفي 2011 حتى لا نعتبر أن ما قبل الثورة هوالمدينة الفاضلة التي بشر وما زال يبشر بها العديد من الفاعلين الاجتماعيين والتربويين في تونس بصمت أوبعلن وذلك بانتشار ممارسات عدم تحمل المسؤولية، فكل طرف يحمل المسؤولية للآخر لبقاء صورته ناصعة أمام التلاميذ، فعدم الحزم وتطبيق القانون على التلميذ وانتشار ثقافة الاستحباب والمجاملة والبلوى على غير يد فلان دون علان في المنطوق اليومي المدرسي التونسي نتج عنه تعنيف الإطار التربوي وعدم احترامه. كما ظهر في الوسط التربوي أن من يتخذ عقوبة نتيجة هفوة سلوكية للتلميذ فادحة ومخالفة للقانون يتحول ذلك المربي إلى عدوضد التلميذ وهنا يستحضر مختلف الفاعلين التربويين الخطاب الديني الذي يوظف حسب المقاس والمنفعة إلى عدم الإضرار بالتلميذ وتجنب معاقبته، دون أن يستحضر فهم آخر للخطاب الديني القائم على عدم التسيب والحزم والانضباط ، ويتحول من يسند عقوبة إلى أنه لم يفهم اللعبة التي تشتغل عليها المؤسسة والمنظومة التربوية، وأن هذه اللغة أصبحت متنافية مع قيم العصر التي تتطلب المرونة والتفتح ودعه يمر وأن المربي ليس مطالبا بالإصلاح. ويتحول من بين الإطار التربوي الذي تعتبر أن المسؤولية التربوية هي أخذ الأمور بحزم أفضل وباعتدال إلى شخص يعطل السير الطبيعي ومقلق للمؤسسة التربوية ويتحول في بعض الأحيان إلى شخص غير مرغوب فيه. 5 إن احترام الإطار التربوي (مدرسين، وإدارة)، من طرف التلميذ والمجتمع لا يتم بتلميع الصورة الجيدة( مربي ناجح ومتميز ومشهور) عند التلاميذ والأولياء حسب المنطق اليومي المدرسي التونسي، مع العلم أن هذا أمر مشروع بنسبة لكل مهنة، كما أنه من ناحية أخرى فإن الحجب على الهفوات السلوكية المتكررة والتي لا بد أن لا نرجعها دائما لفترة المراهقة حتى أصبحت فترة المراهقة بلغة مجازية الحمار القصير الذي يبرر به عدم انضباط التلميذ وعدم جديته في وسطنا المدرسي، كما أن ظروف العمل ودرجات الوجور بالنسبة للعاملين في المؤسسات التربوية يحتاج إلى مراجعة فمن غير المنطقي والمعقول أن يتحصل رتبة عامل في قطاعات أخرى وهورتبة لا تقلل من شأنه تحظى بالمكانة والاحترام الاجتماعي على أضعاف مما يتحصل على حامل أستاذية في القطاع التربوي. لقد وقع في المدة الأخيرة منبر للحوار مع التلاميذ أجراه وزير التربية في الحكومة المؤقتة أثار العديد من ردود الأفعال المعيارية والسلبية وخاصة الوقفات الاحتجاجية أمام المندوبيات الجهوية للتربية ووزارة التربية، وهو رأي يحترم ومقبول من وجهة نظر زاوية تحليلية معينة، ولكن من جهة أخرى لا بد أن نلاحظ بعيدا عن المزايدات والشخصنة، أن من يتبجح بأنه رمز للحرية والكرامة والضمير الحي الآن كان يمارس التعسف والظلم القائم على مختلف أشكال التمييز الواضح والصارخ من أجل أن تستمر الأمور والعمل داخل المؤسسات التربوية، أما من ناحية أخرى فما قيل في منبر الحوار فهو يمارس بشكل أوبآخر من طرف الإطار التربوي، دون تعميم طبعا وهي ظواهر تربوية مهيمنة على المشهد التربوي دون تجميل أو تملص من ذلك، ينضاف إليه المبالغة أيضا وعدم التشخيص الواقعي للوضع التربوي أيضا ما أشيع في أغلبية الأوساط التربوية أن وزير التربية في الحكومة المؤقتة هوالذي ساهم في حالة التسيب والتمرد هذه التي أصبح عليها التلاميذ اليوم، فلتكن هناك معقولية وموضوعية في هذا السياق أيضا، وهنا نطرح تساؤلات معرفية وعملية دون التهرب من المسؤولية لطرف دون آخر، هل فرض وزير التربية في الحكومة المؤقتة أوفي الحكومات السابقة أي إملاءات تقلل من صلاحيات المربين الردعية تجاه الهفوات السلوكية للتلميذ؟ لماذا لم يكن المربي يمارس صلاحياته كاملة في السابق من تطبيق للقوانين تجاه الهفوات السلوكية للتلميذ أم كانت هناك رقابة ذاتية يمارسها على شخصه دون ضغوطات وبإرادته في حالات كثيرة، من الذي يمنعه داخل مجالس التربية والأقسام أن يعبر بحرية عن رأيه في الهفوات السلوكية للتلميذ، أو يعارض نجاح تلميذ في منطقة الإسعاف عندما يكون سلوك التلميذ عند الإدارة أو بعض زملائه سيئا وهوما ينص عليه النظام التأديبي المدرسي والقوانين أم يريد أن يساير المنظومة التربوية في تحقيق نسب عالية من النجاح؟ إن المربي في جميع الحالات معرض للنقد والعنف بجميع أنواعه أيضا من طرف أي كان حتى من يوجدوا في الأبراج العاجية، لكن في المقابل عليه أن لا يساير التيار العام بغثه وسمينه والذي في حقيقة الأمر يركز إلا على التعليم وما يسمى في مختلف الأوساط بالتميز في النتائج الدراسية وإهمال مقصود أوغير مقصود للسلوك والتربية التي تأسست من أجلها هذه الوزارة. إن الجهود الكبيرة التي يقوم بها الإطار التربوي هوأمر غير مشكوك فيه ومن يباشر العمل في المؤسسات التربوية يدرك حجم هذه المسؤولية وجسامتها من حيث مبدئها السامي والبعيدة عن المصالح والحسابات، كما أن الصورة الجيدة الذي يبحث عنها الإطار التربوي هي غير مضبوطة أومحددة فهي صورة مختلف عنها ولا يوجد حولها ما يسمى «إجماع»، كما أن مبدأ الحوار رغم أهميته يجب أن لا يكون شكليا وكذلك أن يمس جميع الأطراف العاملة داخل المؤسسة التربوية التونسية دون استنقاص لطرف دون آخر، فالملاحظ اليوم أن أداء المؤسسة التربوية التونسية على مستوى القيم والأسس تتخلله العديد من النقائص والثغرات، فهناك أزمة ثقة كبيرة داخل المؤسسة التربوية والأمر أعمق بكثير من وجود ظاهرة رفض الدراسة من قبل التلاميذ(الإضرابات، التمرد...)، فالمؤسسة التربوية قائمة اليوم على التجاذبات والمصالح والتهميش المتعمد والمقصود من داخل المؤسسة نفسها لفرض السلطة بطرق القوة أوالإكراه المؤسساتي، من أجل زعامة أكثر رسوخا وتجذرا إذا استعملنا تعبير عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر وهي ملاحظات تحتاج إلى تساؤلات أعمق وطرح أجدى للقضايا التربوية من جديد والشعور الفعلي والحقيقي بأن هناك أسرة تربوية وليس مجرد موظف يقوم بعمل دون إحساس بالانتماء لتلك المؤسسة. إن الحد من هذه الظاهرة يحتاج إلى تحسين بعض العقليات والذهنيات وإلى فهم أفضل للواقع دون المساس من هيبة المؤسسة التربوية.