بادر مؤخّرا المناضلان محمّد الكحلاوي، عضو النقابة العامة للتعليم الثانوي سابقا ومنذ المرزوقي المسؤول النقابي في نفس القطاع بجهة أريانة إلى اصدار كتاب بعنوان «من ضحايا الاستثمار الاستعماري بتونس» تناولا فيه التجربة النضالية في الحقل النقابي لجزء من الطبقة العاملة التونسية والمعاناة والاستغلال الذي تعرّضت له من طرف شركات الاستثمار الأجنبي في زمن الاستعمار المباشر. لقد مثّل هذا المؤلف إنصافا تاريخيا لعمّال منجم وادي معدن بجهة غار الدّماء ومحاولة لإنارة صفحات مضيئة أريد لها أن تُغيّب من تاريخ طبقتنا العاملة صفحات أهملت من قبل الكتّاب الرسميين والمؤرّخين في المجالين السياسي والنقابي. ورغم أنّ الدراسة انحصرت في الإهتمام بجزء من العمّال في جهة معيّنة (غار الدّماء) وفي قطاع محدّد (المناجم) إلاّ أنّه يمكن القول أنّ ما تضمّنته وما وصلت إليه يمثّل صورة صادقة لمعاناة آلاف العمّال التونسيين في مختلف القطاعات والجهات في تلك الفترة (أواسط الثلاثينيات / أواسط الخمسينيات) وكذلك لنضالاتهم النقابية والسياسية من أجل الإنعتاق الاجتماعي والتحرّر الوطني وهو ما يؤكّده ظهور الاتحاد العام التونسي للشغل كأوّل تنظيم نقابي عمّالي في تلك الفترة بعد تجربة جامعة عموم العملة لمحمد علي الحامي. انّ مثل هذا العمل، المستند إلى البحث الميداني والمنحاز إلى مصالح العمّال دون مجانية للحقيقة ودون تعسّف على معطيات الواقع الموضوعي هو ما تحتاجه إلى جانب عدّة أشياء أخرى الحركة النقابية في تونس اليوم، من هذه الزاوية يمكن القول أن المؤلفين بذلا جهدا محمودا من أجل ابراز جوانب مضيئة في تاريخ النضال النقابي في تونس رغم الصعوبات الكبيرة التي اعترضتهما (ندرة الوثائق والأرشيف / دراسة أحداث وقعت منذ 50 سنة الاعتماد على من عايشوا الأحداث وأغلبهم أميّون / عدم التفرّغ لانجاز الدراسة). لقد أكّدا بمؤلفهما أنّ مساهمة المناضل في اثراء الحركة والفعل النقابيين ليس رهين تواجده ضمن أحد الهياكل أو حصوله على موقع وامتيازات بل انّ هذه المساهمة تنبع من عمق القناعة بقضايا العمّال ومن ارادة صادقة على ترجمة تلك القناعة إلى فعل في الواقع مهما كانت الظروف وكذلك من الإلتزام برؤية نقابية / سياسية ينصهر ضمنها النضال النقابي في النضال من أجل التحرّر الوطني والإنعتاق الاجتماعي.