إنه لمن الغرابة بمكان أن تسلط وسائل الإعلام والأدبيات الاقتصادية على كل صغيرة وكبيرة وتحجب عن قراءها ما يخص التعاضديات التي تعد كأثار تاريخية أو بقايا النظم الاقتصادية التي تعداها القرن الماضي أو مؤسسات تعلقت بالاشتراكية الخيالية من أمثال برودون (Proudhin) وتعتبر هياكل حرصت في إنشائها حركات نقابية ضعف شأنها حاليا. فمن جهة نرى دعاة العولمة المتشبثين بالفكر الواحد لايولون إهتماتهم إلا بالاشتركات المتعددة الجنسيات ويمدحون تأقلمها مع تسارع التكنولوجيا الجديدة ومن جهة أخرى نرى الصف المضاد للعولمة الذي خابت آماله أمام التدعيات الاجتماعية والبيئية يعوّل على تنامي الجمعيات أي المنظمات غير الحكومية ومؤسسات التطوع الخيري وهو ما يسميه أهل الذكر القطاع الثالث (أي الوسط بين المؤسسات العمومية ونسيج الهياكل الاقتصادية الخاصة) . السؤال المطروح هو هل تتسع الفضاءات المحتلة من طرف هذا وذاك لاحتواء التعاضديات وهياكل الاقتصاد التعاوني حتى يمكنها رفع رأسها في المستقبل وتخدم فئات متعددة في المستقبل ؟ أي بعبارة أخرى نتساءل هل ولّى عهدها لأن عالمنا الحاضر يتجه نهائيا وبلا رجعة نحو الكل في سبيل الانتفاع الفردي والربح الذاتي ونعول في تلبية جميع الحاجيات الاقتصادية والاجتماعية على قواعد السوق التي يدعي انها قانون الطبيعة (وعلى أي طبيعة يتكلمون!) وتباعا سيقع دفن ديناميكية التآزر والتضامن والحكم على مستقبل التعاضد وحتى النقابات. أما فيما يخص بلادنا فإن الاشكالية موضوعة بنفس العناصر تقريبا خصوصا بعد إخفاق التجربة الاشتراكية في الستينات مع العلم انه لم يقع تقييم لهذه التجربة بصفة علمية موضوعية ومدققة وكاملة ونذكر انها اعتمدت أساسا على الأقطاب الصناعية العمومية الكبرى قصد إشعاع التطور الصناعي وتعميم وحدات الانتاج الزراعي في الريف أي عولت على التعاضد مما جعل أن مجرد ذكر التعاضد يثير في الرأي العام الى حد الساعة شبح انتزاع الأراضي والماشية وكذلك في أوساط صغار التجار وهنا نشير الى خلط متماسك بين المسائل الاقتصادية والتعاضد وما انجر عن الطابع السلطوي المجحف للنظام السياسي وقتها وبقيت دار لقمان على حالها وكأن الكلام عن التضامن الاقتصادي صار غير وارد الى الأبد. فالملاحظ هنا هو التسرع الدائم في الحكم على التعاضد وحتى وحدات الانتاج الفلاحي التي انبنت على فكرة صائبة تقنيا تتمثل بادماج قطع أراضي فلاحية تقليدية حول نواة من الفلاحة العصرية إثر تأميم أراضي المعمرين الأجانب ولكن ظروف التطبيق كانت تسودها الغطرسة وقلة الاعتبار ولوضعية الفلاحين، وهذا التسرع في طي صفحة التجارب الاقتصادية المتتالية نشهده حتى اليوم وتجري الأمور كأن المسار الحالي يوفر كل ما يطمح له الانسان في المجالات الحيوية كالتشغيل والتوزيع المتكافئ للموارد وازدهار العيش والطمأنينة على الحياة الشغلية وكذا التنمية الجهوية أو تنمية البلاد . وهي أمور أقل ما يقال فيها انها قابلة للنقاش!فهذه الندوة هي بمثابة المناسبة الفريدة من نوعها للتفكير والتدارس لما تمثله الحركة التعاونية في التاريخ وفي الابحاث الحالية وفي المحيط القانوني والمالي والمؤسساتي، ونحن نعلم أن التنمية تعتمد على الأفكار والمبادرات الخلاقة ونشعر أيضا أن التعاضد لم يقل كلمته الأخيرة في هذاالمجال، خصوصا ان التعاضديات أثبتت تاريخيا انها نمط مؤسسات تستجيب لأنواع كثيرة من النشاطات والخصوصيات الوظيفية فيما يخص الانتاج والمبادلات المختلفة وتوزيع الدخل والتثبت مليا في هذا النمط يقود حتما الى ابراز المزايا والمنافع وكذلك الصعوبات والمساوي والسلبيات، أي ستكون الندوة فرصة للاهتمام بالتعاضد شأنه شأن المؤسسات الاقتصادية الأخرى من شركات رأس مال أو أشخاص ذاتية أو المؤسسات العامة والخاصة. والجدير بالذكر تاريخيا ليس من باب الصدفة ان التعاضديات والقطاعات التعاونية تأسست وترعرت في كل الانظمة الاقتصادية والاجتماعية السائدة في الماضي والحاضر ومن باب الذكر لا للحصر نذكر أهمها النظام السوفياتي واليوغسلافي والصيني وحتى في أوروبا الغربية وأمريكا وآسيا. ولاننسى بالطبع ما بتقى من القطاع التعاوني ببلادنا. هذه اللمحة الإخبارية نوردها بمناسبة إحياء الذكرى الثمانينية للتأسيس النقابي.