في غمرة الاحتفالات بخمسينية الجامعة التونسية فوجئ العديد من الباحثين الشبان من منتسبي كلية العلوم بالمنستير بمنعهم من الترسيم بشهادة الدكتوراه بمقتضى قرار اتخذه المجلس العلمي في جلسته بتاريخ 31 اوت 2008 ويقضي القرار المذكور بمنع مزاولة التأطير على الاساتذة الذين يتم الحاقهم بجامعات اجنبية في اطار التعاون الفني وعليه فان على الباحثين المرسمين مع الاساتذة المعنيين بهذا الاجراء تغيير الاستاذ المشرف وجوبا. من بين الباحثين الذين طالهم هذا القرار من امضى سنتين وحتى اربع سنوات وهو الان في المرحلة الاخيرة من اعداد رسالته وقد تم انتدابه كمساعد للتعليم العالي في مفتتح هذه السنة الجامعية. لجنة الاطروحات التي يرأسها السيد العميد اعتمدت قرار المجلس العلمي على انه نص قانوني ولم تؤشر بالفعل للباحثين المعنيين لكي يتموا اجراءات الترسيم، السيد مدير مدرسة الدكتوراه، المعين حديثا لادارة هيكل حديث ايضا وبمهام غير محددة لم يحرك ساكنا وفي حقيقة الامر فهو ليس بالملوم فالرجل ليس له حتى مكتب يؤويه. المجلس العلمي امام اصرار الباحثين واساتذتهم المشرفين على حقوقهم في البحث والتأطير اجتمع مجددا لمناقشة الامر ولكنه في الاخير تمسك بقراره السابق بحجة انه من غير اللائق التراجع عن قرار قد اتخذ، حفاظا على هيبة ووقار المجلس ولانه وحسب رأي بعض اعضائه لم يقم الا بتفعيل توصيات مجلس الجامعات التي لم يعلم احد سوى اعضاء المجلس والقى بكرة اللهب في ملعب رئاسة الجامعة. قرار المنع الذي اقره المجلس العلمي واعتمدته لجنة الاطروحات وسكت عنه مدير مدرسة الدكتوراه وألحق الضرر بالعديد من الباحثين الشبان ومؤطريهم تم اعتماده كما روج له البعض من مدمني الولاء الانتهازي او الولاء الخائف او من الذين يتمترسون خلف قوانين ليس لها وجود سوى خيالهم المبدع من اجل تصفية الحسابات الشخصية، بحجة الحفاظ على جودة التكوين والحرص على مصلحة الباحثين الشبان وقطع الطريق امام محترفي »تأطير الامضاء« كما اصطلح عليه البعض والذي ينتهي عند حدود امضاء وثائق الترسيم او التأطير عن بعد وان كانت مسألة البعد والقرب نسبية جدا، وهو كلام حق لا يمكن محاجته لو لم يتم تطبيقه بمفعول رجعي فتغيير الاستاذ المشرف دون تغيير موضوع البحث، فضلا عن انه عمل غير قانوني وغير اخلاقي فانه ينسف علة المنع فأين الجودة في اسناد مهمة التأطير الى استاذ في غير اختصاصه اللهم الا اذا كان المجلس الموقر يكفيه الحضور الفيزيائي للمؤطر حتى يقر بجودة العملية ثم اليس هذا »بتأطير الامضاءات« فعلا وماذا عن الاشكال القانوني والاخلاقي الذي سيحدث لهؤلاء الباحثين مع مؤطريهم السابقين فبإمكانهم مناقشاتهم لرسائلهم وتتبعهم ومؤطريهم الجدد بتهمة الانتحال العلمي (المنشور 62 لسنة 2008) واستصدار عقوبات تأديبية في حقهم قد تنسف احلامهم. عملية الابتزاز والهرسلة التي يتعرض له الباحثون واساتذتهم افضت الى تخلي البعض منهم عن طلبته بعد سنوات من الجهد وتسليمهم الى استاذ اخر للالتفاف على هذا القرار مع مواصلته الاشراف عليهم فعليا مع علم الجميع بذلك كان المقصود هو منع هؤلاء الزملاء من التمتع بثمار مجهودهم ليس الا أليس الاقتراح القاضي بتغيير الاستاذ المشرف دون تغيير موضوع البحث هو قرار بشرعنة السطو العلمي الذي تجرمه القوانين وهو التفاف غير اخلاقي على مجهودات استاذ تابع تأطير طلبته لسنوات. ثم ما هو موقف المجلس العلمي من الجامعة الافتراضية التي اصبحت واقعا بل ان الوزارة تراهن عليها كما التعليم العالي الخاص لاستيعاب الاعداد المتزايدة للطلبة وهي التي تقدم خدماتها لطلبة لم يلجوا باب الجامعة ثم الا يعلم الزملاء الكرام ان السيد الوزير وفي اطار العمل عن بعد عقد اخر مجلس للجامعات عن بعد (18 سبتمبر 2008). من يصدق ان مجلسا تصر وزارة الاشراف على صبغته الاستشارية لا يملك من الصلاحيات حتى تحديد موعد بداية ونهاية السنة الجامعية، من حقه ان يصدر قانونا يقع تطبيقه بمفعول رجعي في سابقة لم يجر عليها احد من قبل (يمنع بمقتضاه استاذ من مواصلة الاشراف على طلبته). من المؤسف حقا ان الجامعة التي احتلفنا بخمسينيتها منذ ايام قليلة توظف فيها المجالس المنتخبة والتي كانت في ما مضى تقوم بكل مهام التسيير داخل المؤسسات في اتخاذ قرارات اقل ما يقال فيها »انها كيدية« كنا نتمنى لو ان هذه المجالس المنتخبة دافعت عن مبدأ عدم تسييس الجامعة وتحويلها ومواردها الى فضاء للدعاية والمزايدة السياسية، كنا وكنا وعقوا سادتي »ما هكذا تورد الابل« احد الزملاء في معرض حديثنا عن هذا الاجراء قال متهكما بالتونسي الفصيح »كان قاعد قام يبوس في الحيط« اما زميل اخر فذكرنا بما اجاب به الفيلسوف والمفكر فولتار حين سئل في القرن الثامن عشر لماذا يحكم معظم الدول ملوك فقال »أسألوا الفئران التي اقترحت تعليق اجراس في رقاب القطط وذيولها«.