بيب غوارديولا.. عائلتي تحب تونس    إيران تفكك شبكات جوسسة وتنفذ اعتقالات وتضبط ورشة سرية    حرب الابادة متواصلة.. 93 شهيدا بغارات صهيونية على نقاط توزيع المساعدات في غزة    نسبة امتلاء السدود بلغت حاليا 55 بالمائة    ماكرون يحذّر من أي محاولة لتغيير النظام في إيران    خلال 20 دقيقة..سقوط 30 صاروخا إيرانيا وسط إسرائيل    الافراج عن جميع موقوفي قافلة الصمود    إختيار 24 عينة فائزة في الدورة الثامنة لجائزة أحسن زيت زيتون تونسي بكر ممتاز    قانون المالية 2026 على طاولة الحكومة .. التونسيون بالخارج .. دعم المؤسسات و التشغيل أبرز المحاور    مجموعة التعاون البرلماني مع بلدان افريقيا تعقد جلسة عمل مع ممثلي وزارة الخارجية    تدشين أقسام طبية جديدة بمستشفى شارل نيكول باستثمارات تفوق 18 مليون دينار    فلاحتنا... وزير الفلاحة في المؤتمر الإقليمي «صحة واحدة مستقبل واحد».. الأمراض الحيوانية تتسبب في 60 ٪ من الأمراض المعدية للبشر    صدور أمر بالرائد الرسمي يقضي بمنع المناولة في القطاع العام وبحل شركة الاتصالية للخدمات    مع خطية مالية: 6 سنوات سجنا لوليد الجلاد    مراد العقبي ل «الشروق»...فلامينغو «عالمي» وانتدابات الترجي «ضعيفة»    ملتقى تونس الدولي للبارا العاب القوى (اليوم الثاني) تونس تحرز خمس ميداليات جديدة من بينها ذهبيتان    طقس الليلة.. قليل السحب والحرارة تصل الى 33 درجة    مع تراجع المستوى التعليمي وضعف التقييم...آن الأوان لإجبارية «السيزيام»؟    تدشين قسم طب الولدان بمستشفى شارل نيكول بمواصفات متطورة    مونديال كرة اليد الشاطئية للاصاغر والصغريات - اليوم الاول - تونس تفوز على المكسيك في الذكور والاناث    ضاحية مونمارتر تحتضن معرض فني مشترك بين فنانة تونسية وفنانة مالية    وزارة التجارة تدعو تجار التسويق والترويج عبر قنوات التوزيع الالكترونية إلى اعلام المستهلك بتفاصيل العروض المقترحة    "عليسة تحتفي بالموسيقى " يومي 20 و 21 جوان بمدينة الحمامات    صفاقس: تنظيم يوم الأبواب المفتوحة بمركز التكوين والتدريب المهني بسيدي منصور للتعريف بالمركز والإختصاصات التي يوفرها    الدورة الأولى لتظاهرة "لقاءات توزر: الرواية والمسرح" يومي 27 و28    حياتي في الصحافة من الهواية الى الاحتراف    اصدارات جديدة لليافعين والاطفال بقلم محمود حرشاني    باجة: اعادة اكثار واحياء قرابة 5 الاف صنف من الحبوب بنجاح    شنيا الماكلة اللي تنفع أو تضرّ أهم أعضاء بدنك؟    الملعب التونسي يعزز صفوفه بالحارس نور الدين الفرحاتي    تحذير طبي: خطر الاستحمام بالماء الساخن قد يصل إلى الإغماء والموت!    منوبة: فتح الجزء الثاني من الطريق الحزامية " اكس 20 " بولاية منوبة    قفصة : حلول الرحلة الثانية لحجيج الولاية بمطار قفصة قصر الدولي وعلى متنها 256 حاجا وحاجة    المائدة التونسية في رأس السنة الهجرية: أطباق البركة والخير    عاجل/ الصين تدعو مواطنيها إلى مغادرة إيران في أسرع وقت..    بشرى للمسافرين: أجهزة ذكية لمكافحة تزوير''البطاقة البرتقالية'' في المعابر مع الجزائر وليبيا    بُشرى للفلاحين: انطلاق تزويد المناطق السقوية بمنوبة بمياه الري الصيفية    الحرس الثوري الإيراني يصدر بيانا حول ضرب مقر "الموساد"    تعرفش علاش الدلاع مهم بعد ''Sport''؟    الدورة 12 من الملتقى الوطني للأدب التجريبي يومي 21 و 22 جوان بالنفيضة    موعد إعلان نتائج البكالوريا 2025 تونس: كل ما تحتاج معرفته بسهولة    لا تفوتها : تعرف على مواعيد مباريات كأس العالم للأندية لليوم والقنوات الناقلة    تحويلات التونسيين والسياحة تغطي أكثر من 80٪ من الديون الخارجية    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزيري الشؤون الاجتماعية والاتصال..    الجيش الإيراني يتوعد بتصعيد الهجوم على إسرائيل في الساعات المقبلة    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي..    عدد ساعات من النوم خطر على قلبك..دراسة تفجرها وتحذر..    رونالدو يهدي ترامب قميصا يحمل 'رسالة خاصة'عن الحرب    كيف سيكون طقس اليوم الثلاثاء ؟    كاس العالم للاندية : فلامنغو البرازيلي يجسم افضليته ويتفوق على الترجي بثنائية نظيفة    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حدود التسوية...والطريق المسدود»
نشر في الشعب يوم 02 - 12 - 2006

ننشر فيما يلي الجزء الثاني من مقالة الأخ النفطي حولة «حدود التسوية والطريق المسدود» والتي كنا قد نشرنا جزءها الأول بالعدد 891
... فمنذ ابرام اتفاقية أوسلو وتحديدا منذ اندلاع الانتفاضة الثانية
والتدخلات العسكرية العدوانية متواصلة فتهديم البيوت على رؤوس أصحابها أصبح أمرا مألوفا من طرف الجيش الصهيوني وتجريف الأراضي الزراعية والتنكيل بالمدنيين العزل وممارسة أبشع أنواع التعذيب هي نهج مستمر للطبيعة العنصرية للعدو. فكل إرادة للمقاومة تنعت بالإرهاب وكل فصيل فلسطيني أو حتى عربي لا يدخل بيت الطاعة الأمريكية الصهيونية هو إرهابي بالضرورة. وما إن جاءت أحداث الحادية عشر من سبتمبر سنة 2001 إلاّ والعالم شهد تحوّلا سياسيا رهيبا. فالإدارة الأمريكية على يد الجمهوريين وفي عهد بوش الابن أصبحت تؤمن بالتطرف الديني في اطار التبشير بالدين المسيحي المتحالف مع اليهودية المتصهينة. وبدا التنظير الى نهاية التاريخ لفوكو ياما وصراع الحضارات لهنتنجتون في كتابه صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي «بعد الحرب الباردة أصبح يُعاد تشكيل السياسة العالمية حسب الخطوط الثقافية فالشعوب والدول ذات الثقافات المختلفة تأخذ في التباعد، والتحالفات المرتبطة باليديولوجيا وعلاقات القوى العظمى تترك طريقا لتحالفات مرتبطة بالثقافة والحضارة. إنّ الحدود السياسية بدا يعاد رسمها بشكل متزايد لكي تتوافق مع الحدود الثقافية والعرقية والدينية والحضارية. الالتزامات الثقافية آخذة في الحلول محل كتل الحرب الباردة وخطوط الصدع بين الحضارات تصبح الخطوط الرئيسية للصراع في السياسة الدولية». أليس هذا تنظيرا لسياسة الإمبريالية الأمريكية لخلق عدو آخر على خلفية الصراع الحضاري حتى تتمكّن من التحكم في الطاقة وتخلق أكبر سوق لها لتصدير أسلحتها وتكنولوجيتها الجاهزة؟ فتستطيع بذلك تصدير أزماتها الهيكلية الى الشعوب والأمم المستعمرة. إنّ وراء التنظير الى صراع الحضارات خطر كبير وهو التحريض على التعصب الديني والرجوع بالإنسانية الى العصور المظلمة. ألم يتعرض بوش الابن في خطابه على اثر أحداث 11 سبتمبر 2001 الى الصراع الديني لما دعا الى الحرب الصليبية؟ ثمّ تراجع بتعلّة إنّها زلّة لسان. ألم يخاطب الرئيس بوش العالم أجمع بأنّه من ليس معنا فهو ضدّنا؟ فهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على إرهاب الشعوب والأمم وخاصة الأمة العربية والأمة الاسلامية التي يدور في حلبها صراع الإطماع الإمبريالية والصهيونية. انّ هذا في الحقيقة ما يجعل العالم يعيش حالة احتقان وغليان وما يسبب عدوات بين الشعوب التواقة للسلام. إنّ الدعوة الى خلق الفوضى البناءة بإسم مقاومة الإرهاب المزعوم تندرج ضمن مشروع اعادة تشكيل العالم من جديد وفق الرؤية الأمريكية في عصر القطب الواحد. وما التفرد بالقرار في مجلس الأمن الذي ستشهده الساحة الدولية فيما بعد الاّ تطبيقا لمضمون هذه الأفكار في عصر الإمبراطورية الأمريكية بديلا عن الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية اللتين سادتا العالم في القرن الماضي.
وتماشيا مع هذه السياسة أبدى بوش الإبن حين توليه السلطة مساندة مطلقة للكيان الصهيوني بدعمه للإرهاب التي تقوم به العصابات الصهيونية في قطاع غزة والضفة الغربية واعتبره دفاعا عن النفس. نحن لانشك قيد أنملة في الدعم والحماية التي تقوم بها الإدارة الأمريكية للكيان الصهيوني سواء حكمها الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي. إلاّ أنّه ومع بداية الإنتفاضة الثانية سنة 2000 كان التقاء شارون ببوش الابن له أكثر من دلالة بإعتبار خلفيتهما الدينية اليمينية المتطرفة أولا وبإعتبار المرحلة التي يمرّ بها العالم في زمن أحادية القطب وانعدام التوازن ثانيا منذ تسعينات القرن الماضي. فإنعكاس طبيعة المرحلة زمن انهيار الإتحاد السوفياتي وتفككه نلمسها في مستوى الأمم المتحدة حيث ألغي البند المتعلق بالطبيعة العنصرية للكيان الصهيوني والذي كان قد صادق عليه مجلس الأمن منذ سنة 1975.
وأطلق العنان للكيان الصهيوني في الضفة والقطاع في زمن السلام المزعوم زمن اتفاقية أوسلو لوأد الانتفاضة. فكانت عربدة الإرهاب الصهيوني دون رادع فكل مقاومة مشروعة للإحتلال هي إرهاب بينما إجرام العدو الصهيوني في المجازر التي ترتكب بإستمرار هو دفاع عن النفس ضد صواريخ المقاومة المصنوعة محليا والحال انّ الترسانة العسكرية التي يمتلكها العدو لا تقارن وهو الذي بحوزته أكثر من 200 رأس نووي علما أنّ ذات الأسلحة محرمة على دول الجوار. فأرتكبت أبشع المجازر ولازالت من طرف مجرم الحرب شارون جزار صبرا وشاتيلا منها مجزرة جنين التي ذهب ضحيتها العشرات من الشهداء وهدمت مئات المنازل وجرفت عشرات الهكتارات من الأرض المزروعة فلم تسلم حتى شجرة الزيتون.
ونأتي الآن الى ما آل إليه الوضع بالعراق بعد الحصار المفروض عليه إبّان العدوان الثلاثيني حاولت القيادة الوطنية النهوض من جديد معتمدة على قدرات شعبها العظيم وكفاءاته العلمية والتكنولوجية فأعاد الاعمار أحسن ممّا كان وطور اقتصاده الوطني بالإعتماد على الأمن الغذائي أولا فركّز على القطاع الفلاحي كقطاع استراتيجي يدعم الإكتفاء الذاتي على الأقل فيما يخص المواد الغذائية الضرورية. فكل من زار العراق في تلك المرحلة ضمن وفود تضامنية عربية وعالمية الاّ وأعجب بحالة الصمود التي عليها العراق دولة وقيادة وشعبا.
وبالرغم من حالة الحصار تلك التي يعاني منها شعبنا في العراق الاّ أن إيمانه بقضية أمته وعلى رأسها قضية فلسطين جعلاه يعطي الأولوية والمكانة اللازمة التي تستحقها القضية الفلسطينية فدعمها بالمال وبأعز ما يملك من قوت أطفاله حتى يؤازر أطفال فلسطين الذين يتعرضون لأشد أنواع التقتيل والتشريد.
فكان النظام العراقي يموّل عائلات شهداء الانتفاضة بالرغم من حالة الحصار المطبق التي يعاني منها الشعب إيمانا منهما بعدالة القضية الفلسطينية ومركزيتها في الصراع الدائر ضدّ الأمة العربية.
وتواصلا للعدوان على العراق فرضت لجان التفتيش الدولية بحثا دقيقا تقوم به في أماكن سيادية. وبعد أخذ ورد وتدخل من الرجعية العربية وعلى رأسها النظام المصري قبلت القيادة تلك الشروط عسى أن تمنع الكارثة. الاّ أنّ الإخطبوط الامبريالي الأمريكي لا تقف شروطه عند حدّ لأنه مصمم على الغزو والتدخل في شؤون العراق. فتقدّم بمطلب تدمير صواريخ صمود 1 و2 الذي صنعها زمن الحصار وبالفعل بدا في تدمير جزء منها حتى لا يبقي على ذريعة تسبب الأذى للشعب ولم تكتف الإدارة الأمريكية بهذا الحدل بل تجاوزته الى ماهو أدهى وأمر وهو مطالبة الرئيس الشرعي بالتنحي عن السلطة والذي أيدته للأسف بعض الأطراف العربية الرجعية. وبطبيعة الحال كأي رئيس وقائد وطني لا يتنازل عن حقه الوطني والقانون والدستوري الاّ لشعبه فلم يقبل بالرضوخ للأوامر الأمريكية والتي هي في نهاية الأمر وضع العراق تحت الوصاية الأجنبية.
لقد ساومت المخابرات الأمريكية القيادة الوطنية العراقية في السر وفي العلن على موقفها الرافض للتطبيع مع العدو الصهيوني لتضمن له بقاؤه في السلطة. إلاّ أنّ الرد كان حاسما وبطريقة مباشرة وهو دعم الانتفاضة ماديا وأدبيا ولا تنازل عن فلسطين العربية شبرا شبرا بل واعتبرت القيادة آن ذاك ان ضرب العراق وغزوه هو خدمة للأغراض الصهيونية في المنطقة وعزله عن أمته كجزء حيوي واستراتيجي لا يتجزأ من الأمة في الصراع مع العدو. كما حذرت كل الدول العربية بأنّ العدوان لا يخصّ العراق فحسب بل هو يشمل كل دول المنطقة وان أمريكا ومن ورائها الكيان الصهيوني تهدف إلى رعادة تقسيم المنطقة الى دول قزمية وكيانات طائفية وعرقية. وعشية غزو العراق عاش العالم أجمع على وقع تضامن مع الشعب العراقي لم يسبق له مثيل رفضا للحرب العدوانية فقامت في بريطانيا المسيرة المليونية. وكان على رأس الناشطين النائب السابق السيد جورج قالاوي الذي قاد قافلة مهمة زمن الحصار إيمانا منه بقضية عادلة لشعب مسالم ذنبه الوحيد هو تمسكه بقيادته الوطنية. كما وقعت في فرنسيا وايطاليا وأمريكا مسيرات حاشدة مطالبة بوقف العدوان. كانت الشعارات المرفوعة هي أنّ هذا العدوان هو من أجل البترول وتأكيد هيمنة أمريكا على العالم. أمّا في الوطن العربي فكانت المظاهرات التي فرضت على الأنظمة الدكتاتورية فرضا أدت الى اعتقالات ومحاكمات ومنها من استعمل اطلاق النار كما وقع في اليمن وفي مصر وعاشت الجماهير العربية محنة الحصار ومحنة العدوان كأشد ما يكون مندّدة ومطالبة بوقف كل التحرشات التي تقوم بها أمريكا وبريطانية بكل صلف ضاربين عرض الحائط بما يسمى بالشرعية الدولية والتي نسجوها وصنعوها ضد الدول الضعيفة.
انعقدت في سبيل ذلك المؤتمرات الشعبية والندوات العالمية والمنابر السياسية وتكونت بالمناسبة عديد اللجان لفك الحصار وصد العدوان. وجُوبهت جلّ التحركات في العديد من المرّات في البلدان العربية بالعنف والمنع وحُوكم العديد من المناضلين بسبب نصرة قضية اخوانهم في العراق. حتى صرنا نتابع في الوطن العربي مساندة قضايا عبر التحركات المليونية في أوروبا ذلك انّ حالة الاستبداد التي يعاني منها المواطن العربي أصبحت لا تُطاق.
ونأتي الى الرأي العام العالمي الذي جهزته الآلة الإعلامية الصهيونية والأمريكية والبريطانية عشيّة العدوان. فزعم توني بلير في تقرير مفصل عرضه على البرلمان ان العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل ولاقى معارضة شديدة من الكثير من النواب الاّ أنّه مكلف بمهمة اعداد السيناريو وبالتالي وجب عليه ان يقنع مؤسسات الدولة على المصادقة للإنضمام للحلف الأمريكي في مسلسل العدوان على العراق. كما أنّ كولن باول كان قد عرض على الكونغرس تقريرا مدعما بشريط وثائقي ليقنع الرأي العام الأمريكي بالجريمة التي يُراد اقترافها مباشرة ومن أعلى منبر مؤسسات الدولة الأمريكية.
خلاصة القول أعدتا أمريكا وبريطانيا العدّة اللازمة عبر المؤسسات التشريعية والتنفيذية والمالية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية لتنفيذ ضربتها المحتملة للعراق. فكانت قد أحكمت قبضتها بالكامل على الاعلام فأصبح ملف التحضير للعدوان أو الضربة المحتملة للعراق هو الخبر الذي يتصدر جميع نشرات الأخبار والأنباء في كل أنحاء العالم، حتى أن الآذان أصموها من كثرة ما أذاعوه ورددوه على مسامعنا وكان ذلك ضمن خطّة مدروسة وهو خلق رأي عام عالمي عامة وعربي خاصة يقبل بهذا العدوان وتهيؤه نفسيا. فشدت أنظار العالم لمدة شهور على وقع هذه الضربة المحتملة حتى أصبح وكأنّه أمرا عاديا وهذا هو الهدف من وراء تكثيف الحملة الاعلامية. كما يهدف ذلك الضغط الاعلامي الى فرض تنازل من القيادة الوطنية العراقية.
كان آخرها كما ذكرنا سابقا هو التنحي عن الحكم والذي كان مطلبا عربيا بكل صفاقة بدأ في الأول يتردّد في وسائل الإعلام بصفة غير رسمية ثمّ أصبح في شكل نصيحة. كان هؤلاء الحكام الحكماء يزعمون بأنّ الضربة على العراق معدّة سلفا وحتى تجنب الشعب العراقي عدوانا مدمرا وجب على القيادة العراقية أن تتنحى وتطلب اللجوء إليها. وهكذا وبهذه السهولة تتراجع الإدارة الأمريكية وحليفتها بريطانيا على العدوان ا لمحتمل. فإذا تمعنا مليا في هذه الفضيحة والتي أصبحت رسمية في آخر قمّة عربية سابقة للعدوان في مارس 2003 بالقاهرة فإنّنا نستطيع القول بأنّ هؤلاء الحكام على على علم مسبق بالعدوان أو الذي أصبح وشيكا وهم ضالعون فيه بالتواطئ وتقديم التسهيلات اللوجستية والعسكرية والمرور عبر المياه الإقليمية حيث تعبّر وتعربد أساطيل الأعداء قناة السويس لتكديس الأسلحة والعتاد والجيوش المجيشة ليؤكد هؤلاء الحكام الحكماء بالدليل القاطع ولائهم لأعداء الأمة والوطن متحدين الشعور القومي لجماهير أمتنا العربية ومتعدين على حقها في التعبير عن رأيها بل عمد النظام امصري كبقية الأنظمة العربية الرجعية الى البطش والتنكيل بجماهيرنا لا لشيء الاّ لأنّها عبرت على تضامنها مع نفسها مع شبعها في العراق كجزء لا يتجزأ منها ومن وجودها القومي. واصلت أمريكا وبريطانيا الدفع بمجلس الأمن كي يشرع العدوان فوجدت صدا من فرنسا وألمانيا وروسيا كأعضاء دائمين ولهما حق النقد وكان ذلك الخلاف قد وجه بصد من أمريكا بل أكثر من ذلك جاء على لسان ممثليها ان فرنسا وألمانيا تمثلان أوروبا القديمة وفي ذلك دعوة لكل منهما بأنّ العصر الراهن هو عصر الامبراطورية الأمريكية وان ما كانت تمثله أوروبا في القرن الماضي من مصالح استعمارية قد أفل نجمه وانتهى مع نهاية الحرب الباردة وبروز القطب الواحد. لكن فرنسا وألمانيا حاولتا من خلال الأزمة العراقية أن يثبتا رفضهما لسياسة القطب الواحد خاصة أمام الوحدة الأوروبية والتي حُظيت بنجاح خطوات هامة على المستوى الاقتصادي والنقدي والتجاري. الاّ أنّ هذا لا يعني ان أوروبا تراجعت عن نزعاتها الاستعمارية التوسعية بل ان أصل الخلاف هو في الدور الذي يجب أن تلعبه معها كل من فرنسا وألمانيا في حلّ الأزمة العراقية فإن كل من فرنسا وألمانيا وروسيا مجمعة على أنّ نظام صدام حسين هو نظام دكتاتوري وانه يملك اسلحة الدمار الشامل ويهدّد أمن المنطقة وجيرانه. وبالتالي هم أيضا نصحوه بأن يتنحى عن الحكم بقي ان كل من فرنسا وألمانيا وروسيا تريد حل الأزمة عبر مجلس الأمن ومن خلال اعطاء فرصة للجان التفتيش وتكون منطقية لاسيما وان التقارير التي أعدها كل من بليكس والبرادعي كانت في مجملها تنوّه بالتعامل الايجابي الذي أبدته القيادة العراقية في المهام التي أوكلت إليها في التفتيش وانه الى حدّ آخر تقرير لم يثبت بالدليل والحجة ان العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل المزعومة وأنّه لا وجود لبرنامج نووي. اذا الخلاف كان في التعاطي مع الأزمة وليس في صلب الأزمة. ونأتي الآن الى الأسباب المعلنة في الملف العراقي بعد اشتداد الأزمة وقبلها من أن النظام العراقي دكتاتورا ويهدّد أمن جيرانه والمنطقة بأسرها. إنّ المتتبع لهذه الأسباب ليجدها واهية أولا لأنّ أمريكا هي من يدعم أعتى الدكتاتوريات في العالم من ذلك ان نظام الدكتاتوريان بينوشي في الشيل ونظام الشاه في ايران سابقا وتنصب الدكتاتوريات بالإنقلابات العسكرية بأمريكا اللاتينية. وثانيا ان الكيان الصهيوني الذي يهدّد أمن المنطقة والجيران بإغتصاب أرض فلسطين العربية وبممارساته العنصرية والوحشية ضدّ أبناء شعبنا. انّه من يجرّب جميع أنواع الأسلحة الفتاكة والجرثومية بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل والقنابل المحرمة دوليا ضد الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال. إنّ الكيان الصهيوني هو الذي يهدّد الأمن والسلم الدوليين بدعم من أمريكا كحليف استراتيجي وكقاعدة متقدمة للمشروع الاستعماري الجديد في النفوذ والسيطرة على المنطقة. وان الدعوة الباطلة من طرف أمريكا بأنّ العراق يهدّد جيرانه المقصود منها أنه يهدد بالفعل الكيان الصهيوني في العمق وذلك بدعمه المستمر للإنتفاضة مساهمة منه في التحرّر من نير الاستيطان الصهيوني، خاصة وهو الذي اكتوى بصواريخ العباس والحسين في العدوان الثلاثيني عليه سنة 1991. فلو كان يظن نفسه في مأمن لما طالته بعض الصواريخ في العمق والتي أيدها الشارع العربي بإعتزاز كخطوة متقدمة لتحرير الأرض العربية. ومنذ تلك الفترة وهو يبحث عن التخلص من القيادة الوطنية الصامدة في وجه المشاريع الامبريالية ووجد فرصة سانحة هذه المرّة مع الإدارة المسيحية المتصهينة في حكومة بوش الإبن.
وبدأ العمل في اطار خطّة مرسومة المعالم وواضحة الأهداف لإزاحة النظام الوطني في العراق واستبداله بكزاي يكون صنيعة المخابرات الأمريكية والبريطانية في كل من واشنطن ولندن. فتعددت اجتماعات ما يسمى بالمعارضة العراقية وشكلت حكومة في المنفى، الاّ أنّ كثرة اجتماعاتها وتوحدها ضمن الرؤية الأمريكو بريطانية لم تمنع عنها خلافاتها وتصدعها في اطار صراعها على السلطة وتقاسم فُتاتَ موائد المخابرات الأمريكية التي تدر عليها من حين لآخر بالأموال وتجهزها بالمعلومات والإمكانيات من أجل اختراق مخابرات النظام العراقي ومحاولة احداث بلابل وقلاقل تستفيد منها لتغييره. الاّ ان ذلك الأمر كان صعب المنال بالرغم من وجود أجهزة داخل النظام العراقي يمكن ان تتسلل منها اختراقات خاصة وان كل الأنظار في العالم أصبحت متجهة فقط صوب العراق وقيادته. واشتدّت مسامع وأنظار العالم الى ما يُحاك في السر والعلن من مؤامرات ضد القيادة لوطنية في العراق ومن ورائها شعبه كجزء من الأمة العربية. ومازاد ذلك شعبنا الاّ تماسكا ووحدة وطنية وراء قيادته الشرعية ضد العدو الذي بات يعد بتنسيق مع الرجعية العربية لتسليم العراق على طبق من ذهب بعنوان تفويت الفرصة على الإعتداء على سيادة القطر والضرر الكبير الذي سيناله الشعب من تقتيل ودمار وذلك بفرض الأمر الواقع على الرئيس الشرعي صدام حسين لكي يتخلّى عن السلطة. فلم نستغرب من النظام المصري ومعه الرجعية العربية موقفهم الداعم لأمريكا بل أصبحوا يزايدون على فرنسا وألمانيا وروسيا في موقفهم الداعي الى الضغط على أمريكا وبريطانيا من أجل تمديد فترة التفتيش في اطار خطّة يكونون جزءا منها بتشريك الدولتين المتمسكتين بالعدوان حيث تتسّع لجان التفتيش وتجهز من كل دولة عضوة في مجلس الأمن وتقيد بتقارير في آجل محدّدة وتعرض أعمالها على المجلس بصفة دورية وهكذا حتى تتأكد هذه اللجان بصفة جلية لا غبار عليها من أنّ العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل وله برنامج نووي. وفي صورة التأكد من ذلك فإنّ مجلس الأمن يقرّر مباشرة الدخول في حرب ضد العراق تحت غطاء ما يسمى بالشرعية الدولية. وهكذا كانت فرنسا تقود الموقف ضد أمريكا وبريطانيا في اطار من الشرعية الدولية وداخل غرف مجلس الأمن ليس حبا منها للنظام العراقي ولا دفاعا عنه بل لأنّ فرنسا تريد ان تثبت للرأي العام الدولي مدى صدقيتها في التعاطي مع أزمات خطيرة حتى تورّط كل من أمريكا وبريطانيا في موقف عار من كل حجة وشرعية ضبطها القانون الدولي. هذا هو الوجه الظاهر من الصراع أمّا الوجه الحقيقي فيتمثل في منابها من تقسيم الكعكة لأنّ فرنسا ذاتها لاتزال تحتفظ بجيشها في أكثر من مكان في افريقيا كالساحل العاج التي أنزلت به جيشها للرد على الثوار الذين تمردوا على النظام القائم هناك.
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.