مدنين: فتح معبر رأس جدير جزئيا أمام الحالات الاستعجالية والخاصة والديبلوماسية    تفكيك وفاق اجرامي للاتجار بالمنقولات الأثرية    القصرين: فلاحو ماجل بلعباس يوجهون نداءات عاجلة للسلط الجهوية والمركزية    قابس: محطة تحلية مياه البحر بالزارات تدخل مرحلة التجربة    توزر: الجمعية الجهوية لرعاية المسنين تحتفل باليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين    الرابطة الأولى: برنامج النقل التلفزي لمقابلات الجولة الرابعة إيابا من مرحلة التتويج    رابطة المحترفين تقاضي الفيفا بسبب قرار استحداث كاس العالم للاندية 2025    ويمبلدون تقدم جوائز قياسية تبلغ 50 مليون إسترليني    Titre    ''خطأ فادح'' قد يتسبّب في ترحيل هؤلاء الحجيج من السعودية    مفزع: 71 قتيلا في حوادث مرور في اقل من شهرين!!    مدفوعا بتباطؤ التضخم: استقرار معدل الفائدة الأمريكي عند %5.5    قفصة: حفل اختتام السنة التنشيطية لرياض الاطفال تحت شعار "الرؤية البيئية بمؤسسات الطفولة المبكرة "    العالم الهولندي: زلزال قوي سيضرب هذه الدول المتوسطية    المندوب الجهوي للتربية بالكاف: ضبط 25 حالة غش طيلة الدورة الرئيسية للبكالوريا    عاجل/ وفاة طفل ال9 سنوات بحريق في منزله: توجيه تهمة القتل العمد للوالد    مفتي الجمهورية: أضحيّة العيد تنقسم إلى ثلاثة أجزاء    الصوناد: هذه الإجراءات التي سيتم اتّخاذها يوم العيد    إستعدادا لكوبا أمريكا: التعادل يحسم مواجهة البرازيل وأمريكا    بطولة كرة السلة: تعيينات منافسات الدور النهائي    القنوات الناقلة لمباراة أنس جابر اليوم في ثمن نهائي بطولة نوتنغهام    الكنام تشرع في صرف مبالغ استرجاع مصاريف العلاج لفائدة المضمونين الاجتماعيين    الداخلية: سقوط عون الأمن كان فجئيا    سليانة: وضع 7 أطباء بياطرة لتأمين المراقبة الصحية للأضاحي أيام العيد    هكذا سيكون طقس اليوم الأوّل من عيد الإضحى    البنوك تفتح شبابيكها يوم السبت    مفتي الجمهورية: "هكذا تنقسم الاضحية في العيد"    انطلاق أولى رحلات قطار المشاعر المقدّسة لموسم حج 2024    منتدى تونس للاستثمار: استثمارات مبرمجة ب 3 مليارات اورو    1600 هو عدد الشركات الفرنسية في تونس    الرابطة المحترفة الاولى: الجولة الختامية لمرحلة تفادي النزول    أكثر من 30% من التونسيين لا يستطيعون اقتناء الأضاحي هذا العام    محمد بن سلمان يعتذر عن عدم حضور قمة مجموعة السبع    عاجل: تفاصيل جديدة في حادثة وفاة أمنيّ اثناء مداهمة بناية تضمّ مهاجرين أفارقة    اليوم: طقس مغيم مع ظهور خلايا رعدية بعد الظهر والحرارة بين 25 و46 درجة    جريمة جندوبة الشنيعة: هذا ما تقرر في حق المتهمين الأربعة..#خبر_عاجل    لحماية الهواتف من السرقة.. غوغل تختبر خاصية جديدة    باجة: تقدم موسم حصاد الحبوب بنسبة 30 بالمائة    بدعوة من ميلوني: قيس سعيد يشارك في قمة مجموعة السبع بإيطاليا    بعد استخدامها لإبر التنحيف.. إصابة أوبرا وينفري بمشكلة خطيرة    دواء لإعادة نمو أسنان الإنسان من جديد...و هذه التفاصيل    120 مليونا: رقم قياسي للمهجرين قسراً حول العالم    برنامج أبرز مباريات اليوم الخميس و النقل التلفزي    صديق للإنسان.. جيل جديد من المضادات الحيوية يقتل البكتيريا الخارقة    قربة تحتضن الدورة التأسيسية لملتقى الأدب المعاصر    قصة..شذى/ ج1    زاخاروفا تعلق على العقوبات الأمريكية.. روسيا لن تترك الأعمال العدوانية دون رد    «غفلة ألوان» إصدار قصصي لمنجية حيزي    بهدوء ...أشرار ... ليس بطبعنا !    صابر الرباعي يُعلّق على حادثة صفع عمرو دياب لمعجب    تونس: ''أمير'' الطفل المعجزة...خُلق ليتكلّم الإنقليزية    شيرين تصدم متابعيها بقصة حبّ جديدة    83% من التونسيين لديهم ''خمول بدني'' وهو رابع سبب للوفاة في العالم    بالفيديو: ذاكر لهذيب وسليم طمبورة يُقدّمان الحلول لمكافحة التدخين    شيرين عبد الوهاب تعلن خطوبتها… و حسام حبيب على الخطّ    طقس الاربعاء: خلايا رعدية محلية مصحوبة ببعض الأمطار    ديوان الإفتاء: مواطنة أوروبية تُعلن إسلامها    العاصمة: عرض للموسيقى الكلاسيكية بشارع الحبيب بورقيبة في هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب وفئة المهمشين
علي الجوادي اطار بنكي باحث وكاتب صحفي
نشر في الشعب يوم 20 - 12 - 2008

تقدر الأمم المتحدة عدد القرويين في مطلع هذه الألفية بثلاثة مليارات نسمة، أي ما يقارب نصف سكان العالم. ويوجد أغلبهم في آسيا وأمريكا اللاتينية وافريقيا بوجه خاص، وهم يقطنون اما في القرى الصغيرة، أو في الغابات والضيعات المعتزلة، أو هم يشكلون مجموعات من القبائل الرحل، يتنقلون وراء مواشيهم طلبا للماء وبحثا عن المرعى، والميزة البارزة لهؤلاء الريفيين هو أنّ حياتهم تخضع شبه كلي لمحيطهم المباشر، اذ هم يعملون على توفير المنتجات الضرورية من غذاء وماء، وعلف المواشي، وأشجار التدفئة، من محيطهم المباشر قصد اشباع حاجياتهم الرئيسية، لأنهم يفتقدون لوسائل أخرى تلبّي عيش عائلاتهم، وفي وطننا العربي، قارب عدد القرويين 137 مليون نسمة عام 2006، من مجموع السكان البالغ تعدادهم 318 مليون نسمة (أي ما نسبته 43).
ودفع الفقر والحاجة في قرانا العربية والاسلامية بالكثير من الفتيات والشبان وعمّال الحظائر الى النزوح نحو المدن الكبرى، أو الترحال صوب البلدان العربية النفطية، بحثا عن تحسين وضعهم المعيشي. ففي دول الخليج العربي يوجد اليوم حوالي 15 مليون عامل أجنبي، معظمهم من المهمشين في بلدانهم الأصلية العربية والآسيوية، وفي ليبيا يقارب عدد العمال الوافدين من البلدان المجاورة خمس سكانها الأصليين، معظمهم من العرب.
هذه الفئة المهمشة والنازحة تعمل سواء في أوطانها الأصلية أو في دول الجوار، في المنازل كخدم عند «الوجهاء» عبر شركات مصاصي دماء العمّال، وفي تنظيف الادارات والمطاعم والفنادق ذات النجوم العالية، وفي حراسة المؤسسات عبر شركات المناولة، وفي تشجير حدائق (المتحضرين)، وفي قطاع البناء عند الخواص المترفهين، وتتقاضى أجورا في معظمها لا تفي حتى بإشباع المعد الخاوية، وبدون أي ضمان من غدر الدهر ومصائبه، وتلاقي أفظع أنواع الاحتقار وكثيرا من الاضطهاد، وبالمناسبة نتساءل لماذا نحن معظم العرب المتخلفين نضرب المحتاجين ونعتدي عليهم،و جسديا وجنسيا، مستغلين حاجتهم للمال، فنجعلهم يعملون بدون حساب؟ فهل هنالك ثأر تاريخي بيننا وبين المحتاجين؟ هل عدونا المحتل الاسرائيلي أم الفقراء البسطاء؟ أليس نظام الكفيل المطبق في عديد البلدان العربية من أسوأ أنواع العبودية! حتى أنّه قدر على الفقراء والمساكين الطاعة وعدم النقاش، بل وحتى الاحتجاج على سوء المعاملة أو طلب تحسين الأجور قد تترتب عليه عواقب وخيمة، أقلها أن يجد هذا العامل المقهور نفسه في أول قطار أو طائرة مبعدا إلى موطنه وممنوعا من العودة إلى مثل هذه الديار! ما كل هذا الغرور يا معشر العرب، ونحن أكثر شعوب العالم تخلفا وقمعا وفسادا؟ هل يعقل هذا النوع من التمييز والاحتقار، في زمن صار الكثير منّا يتباهى على الأمم الأخرى في اقامة أضخم الفنادق وأطول العمارات، وفي استيراد أحسن ماركات السيارات وارتداء أرقى الملابس الغربية! لماذا نمتص عرق جبين هؤلاء المهمشين من أبناء جلدتنا، ونعاملهم وكأنهم مواطنون من درجة عاشرة! لو كانت امكانيات أمتنا محدودة وبسيطة، ربّما قبلنا بذلك، لكن الكثير من ميزانيات حكومات بلداننا العربية تدخلها سنويا ما بين أربعة مليارات ومائة وستين مليار دولار من ايرادات النفط وحدها! (أنظر الشكل المصاحب)، لا نفهم هذه السيادية العربية في معاملة الغرباء المحتاجين وفقراء أوطاننا من خدم وعملة حضائر بهذه الكمية وهذا النوع من الاحتقار! بعقلية تعود جذورها إلى عصور الجاهلية! بالرغم من أن ديننا الاسلامي ينص على المساواة والتواضع، والترفع عن كل مظاهر الاستعباد والاحتقار.
وأمام كل هذا وذاك، وفي هذا الزمن المحموم بتعايش المكروبات مع المضادات الحيوية التي أصبحت تشكل تهديدا لصحة البشر ما لم يقع تطوير المضادات الحيوية في المدى المنظور، وفي هذا الكون المسموم بالغازات الدفيئة وما صاحبها من تغير في المناخ، حتى أنّ الكوارث الطبيعية تعددت والمحاصيل الزراعية تراجعت بشكل لافت للنظر، وفي هذا العالم اللعين بصناعة الموت وانفجار الخلايا النائمة، وحين صارت الولايات المتحدة الأمريكية تبرّر حروبها الاستباقية هنا وهناك ضد كل من يرفض أو حتى يناقش أوامرها، على أنّها مواجهة ثقافية عنيفة ضد عدو يمتلك ثقافة شريرة، وحين تحولت الخصخصة في البلاد العربية إلى وسيلة سهلة للإثراء غير المشروع وأداة لتشويه النسيج الاجتماعي وتعميق الفوارق الطبقية لصالح نخبة استأثرت بالمال والسلطة على حساب الأكثرية، أصبح معظم العرب، أحزابا وأفرادا، «الوجهاء» و»ملاك» الثروة والسلطة، يهرولون وراء حوار تسامح الأديان والحضارات من أجل نفي تهمة الإرهاب عنهم، واظهار الوجه السمح لعقيدتنا الاسلامية، في وقت لايزال العديد منهم يمارسون أبشع أنواع الارهاب المعنوي والنفسي ضدّ مهمشي بني أوطاننا، وضد فقراء أبناء عقيدتنا العاملين في بعض أقطارنا العربية، إنّه لمن المنطق والمعقول أن نحظى أولا باحترام شعوبنا العربية والاسلامية قبل أن نسعى إلى نيل احترام أتباع الديانات الأخرى، فالإصلاح يبدأ أولا من داخل بيوتنا قبل الانتقال إلى ديار الآخرين.
على الحكومات العربية العمل بجدية على دمج المهمشين داخل مجتمعاتهم عبر سياسات تربوية وتعليمية ميسرة وشاملة، على الحكومات العربية توجيه الاستثمار إلى الجهات الداخلية قصد النهوض بالحالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسكان قرانا العربية، وجعل التنمية عامة وشاملة لجميع أبناء الوطن، على الحكومات العربية إعادة النظر في عملية توزيع الثروة على نحو يقود إلى العدل والعدالة والمساواة، على الحكومات العربية دعم قيم المواطنة وتعزيزها على أسس تكافؤ الفرص والمساواة، ومقاومة الفساد واعتماد الشفافية وفرض سيادة القانون، وعلى الحكومات العربية أيضا معاملة الجالية المغتربة في بلادنا بعقلية حضارية واحترام حقوقها وعدم إساءة معاملتها، وإعطاء الأجير أجره بقدر ما يبذله من جهد في بناء اقتصادياتنا واثراء مجتمعاتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.