كانت الأيّام مختلفة تماما عن أيام العمل العادية، فبالرغم من تخوّفي من الفراغ الذي سأعيشه وجدت نفسي منشغلا بالعديد من الأنشطة والمسؤوليات التي لم أر أيّاما أصعب منها وأقسى في أيّام العمل داخل المؤسسة والمسؤوليّة النقابية العادية. فمنذ 12 سبتمبر 2008 تاريخ توجّه العدل المنفذ إلى منزلي لاعلامي بقرار طردي من المؤسسة، زاد تعلّقي بالمؤسسة حيث أصبحت أكثر وجودا بها للتعبير عن رفضي لهذه الممارسة إلى جانب انشغالي بسير المفاوضات في قطاع التجارة التي أعتبرأنني عضو في لجنتها. أكثر من ذلك أنا مرابط بالمحكمة الابتدائية بتونس لمتابعة مستحقّات عمّال المؤسسة المتمثلة في أجور غير خالصة قبل احالتها إلى المالك الحالي حيث ارتأى القضاء تسديدها من محصول بيع المؤسسة. 1 نضال يومي منذ تاريخ طردي من المؤسسة، زاد تعلّقي بها وأصبحت أكثر وجودا في مقرّ الادارة وأكثر اتصالا بالعمّال لتعبئتهم وتحسيسهم بخطورة الوضع خاصّة أنّ عدد المطرودين أصبح 34 مطرودا خلال عشرة أيّام، فتكاثرت الاجتماعات العامّة تحت اشراف الجامعة العامة للمعاش والسياحة، وشهدت بطحاء محمد علي الاضرابات المتعدّدة، والتفّ العمّال حول منظمتهم أكثر من أيّ وقت مضى وأصبحوا يتابعون الندوات والمحطّات التي ينظّمها الاتحاد، وهم باتصال مع جامعتهم لتحديد الاستراتيجيات المناسبة دفاعا عن كرامة المطرودين وضمانا لمواطن شغل الباقين. 34 مطرودا على رأسهم كاتب عام النقابة الأساسية مرابطون بالمؤسسة دون أيّ عمل آخر ودون أجور للشهر الرابع على التوالي متمسّكين برجوعهم إلى المؤسسة أو مغادرتها بمستحقّاتهم في أيديهم وذلك لعدم وجود هفوات تبرّر طردهم، غاية ما في الأمر أنّ التفافهم حول نقابتهم وانضباطهم للاتحاد ورفضهم تهميش العلاقة الشغلية واحتجاجهم على تجاوز تشريعات الشغل كلّفهم قطع أرزاقهم. المرابطة بالمحكمة الابتدائية بتونس: عند احالة المؤسسة في ذلك التاريخ بلغت ديون العمّال بذمّة شركة باطام 300 ألف دينار فتقرّر في حكم الاحالة توزيعها من محصول بيع المؤسسة، فتوجّهت هياكلنا النقابية إلى المطالبة بهذه المبالغ من المؤجّر الجديد حسب الفصل 15 من مجلّة الشغل وتمّ تسجيل ذلك في محاضر جلسات مسجّلة على المؤجّر. ولأنّ تلك الطرق القانونيّة تتطلّب بحرا متلاطما من الآجال من قضايا عرفيّة وقضايا توزيع والانتظار رفضت ذلك التوجّه واخترت طريقا وعْرًا وقصدت المحكمة حيث رابطت هناك لمدّة أشهر وأنا أتردّد عليها كلّ أسبوع إلى جانب النضال اليومي بالمؤسسة. وقبل عيد الاضحى بيومين توصّلت مع المحكمة الابتدائية بتونس إلى حلول لصرف المستحقّات دون قضايا توزيع ولا قضايا عرفيّة وذلك لفسح المجال أمامي لمدّهم بالمحاضر في الغرض ومدى وضوح الدّيون وثباتها ولتفّهمهم الرّاقي للوضع الاجتماعي المتأزّم ومدى حرصهم على تمكين كلّ ذي حقّ من حقّه وإلمامهم بالوضعية الحرجة بالمؤسسة حيث أذنت المحكمة بصرف مستحقّات 34 مطرودا قبل العيد ومواصلة هذا الاجراء بالنسبة للباقين في أقرب الآجال هذه الخطوة الايجابية من طرف المحكمة الابتدائية بتونس وقع تثمينها عاليا من طرف العمّال الذين أحسّوا بشعور المواطنة لأوّل مرّة منذ تاريخ احالة المؤسسة في21 نوفمبر 2007.