دأبًا على ما تكفل به قسم الدراسات والتوثيق بالاتحاد العام التونسي للشغل من الغوص عميقا في مشاغل البلاد والوقوف على تجلياتها والكشف عن اسبابها الحقيقية بغية المساهمة في ايجاد الحلول الممكنة والعملية، وايمانا من منظمة الشغيلة بضرورة القرب اكثر والالتصاق بتفاصيل الشعب في جهات البلاد الاربع، حط قسم الدراسات والتوثيق رحاله هذه المرة، بعد ولاية الكاف، في ربوع ولاية سيدي بوزيد ليشير بالبنان الى موضع الألم ويشخص ما تعاني منه هذه الولاية من خلال تنظيم يوم دراسي تحت عنوان «إشكاليات التنمية والتشغيل في الوسط الغربي: جهة سيدي بوزيد نموذجا» داعيا لذلك ابناء الجهة ليساعدوا خبراء القسم وأساتذته للاحاطة بأدق التفاصيل حتى يكون العمل المرتقب في حجم الانتظارات والطموحات. كفانا صمتا انطلقت اشغال اليوم الدراسي الذي وافق الخميس 25 ديسمبر 2008 بدار الاتحاد الجهوي للشغل بسيدي بوزيد بحضور عدد مهم من ممثلي القطاعات في الجهة وعلى رأسهم الاخ التهامي الهاني الكاتب العام للاتحاد الجهوي الذي رحب بعضوي المكتب التنفيذي الوطني، الاخ محمد السحيمي والاخ محمد سعد وبالاستاذة المحاضرة سعاد التريكي والاستاذين عبد الستار السحباني ومنجي العمامي. أشار الاخ محمد سعد الامين العام المسؤول عن قسم المالية بالاتحاد ضمن كلمته الافتتاحية الى اهمية موضوع التنمية والى قيمته في رفع غشاوة عن مهمة منظمة الشغيلة في التصاقها والتحامها بالشعب التونسي أي كان موقعه، شاكرا في ذات الوقت الاخ محمد السحيمي الامين العام المسؤول عن قسم الدراسات والتوثيق للجهد الميداني الذي يوفره القسم لإنارة الرأي العام الوطني بكل تمظهراته من اجل المساهمة في بناء مجتمع متوازن في العطاء والكسب، مؤكدا على ان الصمت على الاختلال واللاتوازن هو في حد ذاته شكل من اشكال التواطؤ ينأى عنه الاتحاد مبادئ وممارسة وما وجود الخبراء اليوم في جهة بوزيد ومن قبلها جهة الكاف الا تعبير عن كسر أسوار الصمت التي طالت الجميع. وهذا ما أكده الاخ محمد السحيمي ضمن تدخله قبل ان يحيل الكلمة للمحاضر الاول الاخ التهامي الهاني. متاعب يومية ضمن المداخلة المعنونة ب : «الخصائص الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية بجهة سيدي بوزيد» قدم الاخ التهامي الهاني جملة من الارقام والاحصائيات بدءا من تاريخ الاعلان عن الولاية يوم 4 ديسمبر 1973 ليقف عند اهم خصائص الجهة من حيث تركيبتها الديمغرافية ونشاطها الاقتصادي وتركيبتها الاجتماعية وخصائصها الثقافية ويخلص الى اختناق الجهة بسبب جفاف جنوبها وقلة القروض الممنوحة لسكانها وقلة الاعتمادات المرصودة لتطوير بنيتها التحتية كتأهيل المستشفى الجهوي وتحسين حالة الطرقات وظروف العمل بالمدارس الابتدائية وتطوير شبكة الاتصالات وتهذيب الاحياء دون ان ينسى الاشارة الى امكانية مساهمة سيدي بوزيد في النشاط السياحي الوطني لما تزخز به من مخزون تاريخي. الأضعف وطنيا «الاشكاليات الاساسية للتنمية الجهوية بسيدي بوزيد» عنوان المداخلة الثانية التي أعدتها وقدمتها استاذة الاقتصاد بالمعهد العالي للفلاحة سعاد التريكي التي رصدت من خلالها مواطن اللاتوازن الذي تعانيه الجهة مقارنة بجاراتها من الولايات، فسيدي بوزيد تعاني من ضعف نسبة التحضر (24 بالمائة) ومن حركة نزوح كبيرة ومتصاعدة ومن طغيان الطابع الفلاحي (54 بالمائة) وهي تساهم بنسبة (20 بالمائة) من الانتاج العام للبلاد التونسية فلاحيا وهي تنتج 100 بالمائة من الانتاج الفلاحي البيولوجي ومع ذلك تفتقد الى الصناعات التحويلية، وهذه الولاية تعطي اكثر مما تأخذ وهو ما ساهم ويساهم في تفقيرها ويجعلها اكثر تخلفا مقارنة بالشمال الشرقي والوسط الشرقي من حيث المرافق الاساسية كالماء الصالح للشرب والتعليم والصحة والاتصالات. كما ان الولاية والوسط الغربي عموما يبقى الاضعف وطنيا من حيث مستوى الانفاق الفردي والاسري، ونسب الامية هي الارفع في الجهة وبالمقابل نصيب الجهة من الاستثمارات هو الاضعف... وقد خلصت الاستاذة سعاد التريكي بعد الاشارة الى ان الجهة ستبقى متخلفة حتى بعد المخطط الحادي عشر الى القول هل المخططات الوطنية تهدف الى تقليص التفاوت والفوارق أم تسعى لتعميقه بين الجهات؟!! أرقام مفزعة ضمن مداخلة استاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية الاستاذ عبد الستار السحباني الموسومة ب : «الأبعاد السوسيولوجية والثقافية للتنمية بجهة سيدي بوزيد» أكد المحاضر على ان دور الدولة اليوم يتراجع ويتقلص في دعم الجهات وان هناك افراغا «كليا» للجهات الداخلية ومركزة للشريط الساحلي مشيرا الا ان الولاية رغم طابعها الفلاحي لكن مشكل تشتت الملكيات أنهكها وصغر المساحات وضعف الامكانيات قلل من مردودها، كما ان الجهة تعاني من فجوة رقمية مفزعة ذلك ان (3.1 بالمائة) فقط يملكون الحواسيب!!! إضافة الى غياب البنية الاساسية المشجعة على الاستثمار ففي ولاية سيدي بوزيد نزل واحد مصنف وشركة واحدة لنقل البضائع، كما ان هناك ظاهرة خطيرة وهي الانقطاع التلقائي في سن مبكرة عن التعلم نظرا لتردي واقع الطفولة التربوي والثقافي، ومن الارقام التي قدمها المحاضر ان في سيدي بوزيد مصحتين فقط و 8 مستشفيات محلية و 5 نواد للأطفال و 28 مركزا للاعلامية فقط و 21 مهرجانا ثقافيا يطغى عليها الطابع السياسي وصفر قاعة سينما في كامل الولاية وخلص الاستاذ عبد الستار السحباني الى ان قضية جهة سيدي بوزيد وما شابهها من الجهات هي قضية قرار وليست قضية برمجة. تحمسّ وجديّة تثمينا لمبادرة قسم الدراسات والتوثيق وتعاونا مع خبرائه ومنسقيه أبدى ابناء جهة سيدي بوزيد، مسؤولو القطاعات الجهوية والهياكل المحلية، تجاوبا عمليا مع رغبة القسم في انجاز عمل متكامل وموضوعي ومنهجي حول اشكاليات التنمية بجهة سيدي بوزيد، من خلال مدهم منسق القسم الاخ منجي الهمامي بجملة من الاحصائيات والارقام حول واقع الجهة ومن خلال تدخلاتهم المنهجية ومما طرحه المتدخلون عشوائية منح القروض وقلتها والاشارة الى سرقة مخابر الاعلامية لغياب الحراس الليليين بالمؤسسات التعليمية والى اهمال مساحات شاسعة من المنطقة، وضرورة المسح العقاري واسناد الاراضي لمالكيها والمحسوبية في التشغيل واهمال المواقع الأثرية وتخلف وسائل العمل في المدارس والمعاهد وظروف العمل غير اللائقة وتأهيل المستشفى الجهوي وخاصة ضرورة مضاعفة شراء الادوية واستغلال مياه الامطار من خلال البحيرات والسدود وتقسيم الاراضي الدولية واستغلالها وتنظيم تدخل البنوك واحداث مصنع للحليب وتوسيع الغابات وتدعيم طب الاختصاص وتطوير طب الاستعجالي وتدعيم الاطار شبه الطبي واحداث مستشفى جامعي خاصة ان ولاية سيدي بوزيد هي الاولى من حيث انتشار مرض السرطان، كذلك اشار المتدخلون الى غياب الطرقات العصرية الرابطة بين الجهات وافتقارها للصيانة (158 كلم غير معبدة) وتفشي ظاهرة الفساد الاداري في اسناد المنح والقروض وقلة جودة الخدمات في الاتصالات وعدم وجود محكمة استئناف بالولاية ومعهد نموذجي وكذلك اتمام المركب الجامعي الذي ارتفعت أسواره فقط منذ 2001 والى الآن لم ترفع فيه حجرة واحدة!!! عزم على النجاح خطوة مثل التي أقدم عليها قسم الدراسات والتوثيق بموضوعيتها وطموحها لا يمكن لها ان تتحقق وتنجح الا متى تضافرت جميع الجهود من خبراء القسم والقيادة لمزكزية وابناء الجهة لاخراج عمل يمكن ان يكون مرجعا حقيقيا للنهوض الفعلي بواقع التنمية بجهة سيدي بوزيد وإلحاقها بركب صنواتها من جهات البلاد... هذا ما اكد عليه كل من الاخ منجي عمامي ومحمد السحيمي ومحمد سعد في اختتامهم لفعاليات هذا اليوم الدراسي الذي مثل اللبنة الاولى لمشروع لا بديل عنه.