قالوا أنّه أدار ظهره للوطن..! من عام النكبة وهو يخاف المواجهة، يخاف التحرّر..!! إنّه ذلك الطفل الذي قرّر العودة وحده إلى أحضان فلسطين ويقاوم. إنّه «حنظلة». وبما أنّ الشعب العربي يهوى التقليد، فإنّه حين ظنّ أنّ حنظلة أدار وجهه عن فلسطين أدار هو وجهه عن كلّ القضايا العربية فيابؤس القضية..!؟ حدثتني أمّي فلسطين ويالبؤس القدر أنّ بطنها لم تحمل لأكثر من نصف قرن جنينا واحدًا ذكرًا يكسّر عصا فتُوّات زمن الردّة. فهل قُدّر لتلك الأرض «البطن المقدسة» أن تحمل الآن في ظلّ هذا الواقع المرير نواة ذكر رجل بطل يدير وجهه عن تاريخ ملؤه الخنوع والذلّ والاستكانة..! أم تبقى فلسطين أرملة العربي المناضل؟ إنّ الواقع اليوم الذي نستيقظ فيه كلّ صباح على أنواع مختلفة من المجازر في أرض فلسطين منذ 60 سنة، ذلك الواقع الذي لا يقدم الاّ أشلاء وبقايا بشرية وجرحى روت بدمائها كلّ شوارع وساحات وطرقات فلسطين لخير دليل على هجمة همجية لا انسانية جديدة استعملت أحدث التكنولوجيات التدميرية لتستعبد الشعوب بمساندة أكبر دولة امبريالية همها الوحيد الربّح والربح الأقصى على جماجم الانسانية، هذه الامبريالية الصهيونية «الممزوجة» التي تعلن دوما عبر امبراطوريات اعلامها الضخمة انّها حمامة سلام! وحرية! وديمقراطية! لكلّ شعوب العالم وان كلّ الهدايا التي تقدمها للشعب العربي من وسائل الدمار الشامل، قنابل عنقودية، دبّابات، طائرات، صواريخ.. ماهي الاّ حمام وديع يرفرف للسلام في الأرض العربية ولكن للأسف لم يستطع الشعب العربي وعلى رأسه الشعب الفلسطيني أن يستقبل هذا السرب من طير المحبّة بالصورة التي رسمها له اللوبي الصهيوني فكان أن شرّد الأهالي وسلب الشعب من ارادته ودمّر كلّ نفس تقدّمي لا يستهوي برامج الامبريالية الحمقاء... حمامة أولى: نحرت أسد الشهداء يوم عيد الاضحى ولم تنس طبعا تدمير كل البنى التحتية في الأرض العربية العراقية، كما أحسنت الصنع هذه الحمامة الوديعة وبتشريدها كلّ الشعب وتفريقه ونهبه ونهب حضارتهم المُوغلة في القدم... حمامة ثانية: ذبحت شعبنا بجنوب لبنان سنة 2006 وتركت البنى التحتية مدمّرة على رؤوس أهالينا هناك وشرّدتهم وأحرقت الغرس والزرع.. ولولا المقاومة الباسلة لأعادت للأذهان مجزرة صبرا وشتيلا بأخرى محرقة بيروت الكبرى... حمامة ثالثة: على مشارف رأس السنة الهجرية أتت فاتحة أجنحتها البيضاء لتقوم بجريمة أخرى في أرض عربية أخرى: أرض الرسالات السماوية، فلسطين. فقطاع غزة أرض العزّة لم ير النور منذ ابتدأ الحصار «الشرعي» الذي رغم «حسن نيّته» تسبّب في مقتل المئات وجرح الآلاف وتشريد أبناء الأرض المقدسة.. ولكي لا يُفهم الأمر فهمًا عكسيا، تجمّع السادة العرب ليشرحوا الأمر لشعوبهم: «لماذا يخيفكم هذا الطير الوديع فرسالته انسانية.. ورغبته تحقيق السلم.. وطموحه الديمقراطية وحقوق الانسان..! هذا الكمّ الزاخم من السلام يخبرنا عنه الواقع اليوم ولكن بالأمس رأى حنظلة في غيبوبته المشهودة رؤيا مفادها أنّ «الأرض العربية على مشارف ان تنجب من بطنها المقدّسة وليدًا يسمّى «المناضل» يصرخ في وجه حمامات السوء التي تُروّج لها الامبريالية السفاح والتي تخضع تحت حذائها المضرّج بدماء الشهداء لتحرّر كلّ الأنظمة الأوروبية منها وحتى بعض الأنظمة العربية التابعة.. ويرى حنظلة أنّ الوقت قد حان لنلقي بصدورنا الملأى بالعزّة والكرامة الوطنية أمام الكذبة الأمريكية الامبريالية والبشاعة الصهيونية». أمّا أنا فإنّني جدّ متأكّد أنّه لا وقت غير هذا الوقت يسمح بكلّ اصرار لتوحيد كلّ القوى العربية التقدمية وتخطيط لمستقبل أفضل وأجمل لا مكان فيه للحمامة الامبريالية أمام عزم وصمود المناضل العربي.