تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملفات عربية معقّدة أمام الرئيس أوباما
ينصّب الثلاثاء القادم (2 / 3): بقلم: سالم الحداد
نشر في الشعب يوم 17 - 01 - 2009

في معرض حديثه عن الرئيس الامريكي الجديد باراك أوباما الذي سينصّب يوم الثلاثاء القادم يأتي الاستاذ الاخ سالم الحداد في هذه الحلقة على جملة من الملفات المطروحة أمام ساكن البيت الابيض الجديد.
ج الملف العراقي
عندما احتلت امريكا العراق سنة 2003 كانت تروم تحقيق ثلاثة اهداف:
السيطرة على العراق الذي تتوفر فيها اكبر كمية احتياطات البترول في منطقة الشرق الاوسط.
تدمير قاعدته العسكرية باعتباره قوة صاعدة يمكن ان تشكل خطرا على صنائع امريكا وحلفائها.
استعماله كقاعدة متقدمة لتمرير مشروع الاوسط الكبير الذي يرمي الى اعادة صياغة المنطقة بتمزق الممزق حتى تضمن استمرارية السيطرة، وفي هذا الاطار يتنزل مشروع فيدرالية العراق.
وقد نجحت امريكا في تدمير مؤسسات الدولة العراقية وزرع الفتن داخلها، لكن المقاومة الشعبية مازالت متواصلة، غير ان المهم بالنسبة لأمريكا ان هذا البلد لم يعد متمردا ولا يشكل اي خطر لا على الكيان الصهيوني ولا على دول الخليج وقد سبقه بوش باتفاقية الانسحاب الذي سيتم سنة 2011، وليس من المستبعد ان يسحب أوباما جيوشه قبل هذا الموعد ليؤكد للشعب الامريكي احترامه لوعوده بعد ان يقع ترتيب البيت العراقي مع الايرانيين.
غير ان المشكل الاعوص سيكون مع الاتراك الذين يرفضون اقامة كيان كردي في العراق يتمتع بصلاحيات واسعة، فهذا الكيان سيكون نواة الدولة الكردية التي ستقام على حساب تركيا وايران وسوريا والعراق. وقد استفاد الاكراد من الحضور الامريكي في المنطقة فأقاموا مؤسسات الدولة الكردية: حكومة اقليمية، برلمان، مؤسسة أمنية، أجهزة ادارية وعلم خاص، بل ان هذا الاقليم صار ملاذا لاخوانهم من المقاومين الاكراد في تركيا، وهنا تتباين مصالح امريكا مع كل دول المنطقة وتتقاطع مع الاكراد. تلك هي الاشكالية الصعبة بالنسبة لأوباما، فهل سيتخلى عن الاكراد كما تخلى اسلافه ويختار الحليف التقليدي تركيا ودول المنطقة ام سيحوّل جزءا من جيشه ليرابط بالاقليم الكردي ويحميه؟
د ملف أفغانستان وباكستان
إن الوضع في أفغانستان غير مستقر، وغير قابل للسيطرة والاحتواء، فالمقاومة يشتد لهيبها يوما بعد يوم، وابن لادن مازال المطلوب رقم واحد للادارة السابقة واللاحقة وقد استطاعت القاعدة ان تبيض وان تفرخ في اعماق المنطقة وان تشكل فرقا للمقاومة ولا يمكن لأمريكا الاطمئنان الى وعود بعض القيادات السياسية والعسكرية في باكستان، فالنظام فيها يشن حربا على مواطنيه في الكثير من المناطق المتمردة. ومما ضاعف من مخاوف الولايات المتحدة ان هذه الدولة صارت تملك سلاحا نوويا يمكن ان يسقط بأيدي بعض الفرق المتطرفة، وقتها ستكون الطامة الكبرى. نتيجة لهذه القناعة يبدو ان بوش وضع خطة سيواصلها أوباما تستند الى مبدأ العصا والجزرة وهي كالتالي:
مد جسر التفاوض مع حركة طالبان عن طريق العربية السعودية.
تكثيف الوجود العسكري الامريكي والاطلسي في أفغانستان تكون له مهمتان: التصدي للمقاومة في افغانستان، ومراقبة الوضع في باكستان والتدخل عند الاقتضاء.
وقد ازداد الوضع تعقيدا بعدالهجوم الذي شنته احدى الجماعات الاسلامية المسلحة الباكستانية على نزل تاج محل ومركز يهودي في مدينة مامباي الهندية وهو ما سيعطي مبررا للهند للتدخل في شؤون باكستان.
وبلا شك ان الهم الاول للأمريكان في هذه المفاوضات سوف لن يكون قضية الديمقراطية في هذا البلد ولا زراعة المخدرات ولا وضعية المرأة ولا تماثيل بوذا، بل سيركزون على نقطة محورية وهي اجتثاث القاعدة من المنطقة، وهي منبع الشرور بالنسبة لأمريكا، فاذا قبلت طالبان هذه المهمة فسترفع عنها كل المحرمات وان أبت فالجيوش الاطلسية جاهزة.
واعتقد ان هذا ما يريده أوباما عندما وعد الامريكان بسحب القوات من العراق وتكثيف الحضور العسكري الامريكي والاطلسي في افغانستان.
معنى ذلك ان استراتيجية التوسع والهيمنة مازالت تسكن عقلية الادارة الامريكية فالتغيير في الوسائل والاساليب مع المحافظة على الاهداف بقطع النظر عن لون صاحبها، ألم تكن كوندا ليزا رايس وقبلها كولن باول من اهم أركان ادارة بوش؟
ه الملف السوري
في تقديري ان الادارة الجديد للولايات المتحدة ستفتح الجسور مع النظام السوري، ومن المحتمل ان يعود الوئام الذي كان سائدا مع بوش الاب ومع كلينتون، فأمريكا أدركت انه من مصلحتها تخفيف التوتر في هذا المنطقة وهذا يقتضي مد الجسور مع الدول التي مازالت تمسك ببعض الخيوط في علاقتها بحركات المقاومة، وقد لاحظنا اخيرا ان القيادات اللبنانية بدأت تتواصل مع النظام السوري والنظام الايراني، واضعة على الرف الخلافات التي كانت سائدة خاصة حول عملية اغتيال الحريري، وليس من المستبعد ان هذه الزيارات لم تجد اعتراضا من الادارة الامريكية ولا الفرنسية، ان هذه المؤشرات توحي بأن قضية الجولان قد اخذت طريقها الى المعالجة، ويبدو ان الوساطة التركية وقبلها زيارة رجل اعمال سوري للكيان الصهيوني وضعف الاسس العامة التي سيقوم عليها الحل، وقد صار الكيان الصهيوني اكثر استعدادا للانسحاب، وسيكون مصير هذه النهضة قريبا من مصير صحراء سيناء، تجريدها من السلاح واعادتها الى حضن الدولة السورية. واعتقد ان المفاوضات مع الطرف الفلسطيني لن تكون جدية قبل الحسم في قضية الجولان، غير ان الكيان الصهيوني سيضغط في اتجاه تخلي سوريا عن حركات المقاومة حتى يحدث الفراغ حولها ويجردها من كل أوراق الضعط ويملي عليها شروطه.
و ملف القضية الفلسطينية: المشهد والمكونات
ان معالجة اية قضية من قضايا التحرر في العالم تتوقف على وجود ضغطين على القوة المستعمرة : ضغط مسلح تمارسه الحركات الوطنية في الداخل وضغط سياسي يمارسه المنتظم الدولي بداية من منظمات المجتمع المدني، فالاحزاب السياسية الى الاوساط الحكومية. فالى اي مدى توفر هذان العاملان في راهن القضية الفلسطينية؟
تشخيص الواقع الفلسطيني : سقوط خيار المقاومة رسميا وعمليا
تعيش القضية الفلسطينية وضعا مؤلما بعد ان اصبحت قضية عالمية وانسانية تتفاعل معها الجماهير والحركات السياسية الثورية ومنظمات المجتمع المدني بل ان الحكومات الاوروبية لم تعد قادرة على تجاهلها. فقد صار الشعب الفلسطيني رهينة لدى منظمتين هما منظمة فتح التي تحكم الضفة الغربية وحماس التي تسيطر على قطاع غزة.
وقد اسقطت حركة فتح منذ مدة خيار المقاومة المسلحة وصارت تعتبر حمل السلاح جريمة يعاقب عليها القانون وشكلت نواة قوة أمنية مهمتها مقاومة المقاومة المسلحة، وصار رهانها الوحيد الضغط السياسي الذي يمكن ان تمارسه الدول العربية والاسلامية والدول الغربية والامم المتحدة ومنظماتها. فرهان فتح صار رهانا سياسيا وانتهى او على الاقل توقف الى اجل غير مسمى رهان المقاومة المسلحة.
ورغم هذا الانحراف الخطير عن خط المقاومة فقد احتفظت فتح وبقية فصائل منظمة التحرير بخطاب قابل للتسويق لدى المنتظم الدولي، وقد وجد هذا الخيار تفهما لدى الدول الغربية التي ما فتئت تقوم بمبادرات سياسية وتقدم مساهمات مالية مهمة لتغطية نفقات الادارة والموظفين ولتنشيط الحياة الاقتصادية بالضفة، وهذا ما خفف من معاناة المواطن الفلسطيني بها.
اما حماس فقد تحولت من الثورة الى الدولة حيث استغلت اختلال موازين القوى لفائدتها في قطاع غزة لتقوم بانقلاب دموي، وتشكل حكومة في القطاع. ومهما كانت احقية المبررات التي قدمتها فانها لا ترتقي الى مستوى الحماقة التاريخية التي ارتكبتها في حق الشعب الفلسطيني، فقد جسمت ما يطمح اليه الكيان الصهيوني وما يمارسه وهو تمزيق الشعب الفلسطيني واضعافه وتشويه صورته. وبعد الانقلاب لم تستطع لا ان تواصل المقاومة ولا ان تبني الدولة وصارت تعيش ازدواجية القول والفعل، فهي من ناحية ترفع شعار المقاومة لكنها في واقع الامر تسعى للتهدئة مع الكيان الصهيوني لانها تعرف قبل غيرها ان الشعب الفلسطيني يعيش معاناة صعبة فهو في حاجة الى أبسط مقومات الحياة: الغذاء والدواء والكهرباء بذلك صارت غير قادرة لا على صنع السلام ولا على فعل المقاومة، فأساءت لنفسها وللشعب الفلسطيني وللحركة الاسلامية وقدمت حجة كافية لمن يشكك في قناعة الحركات الاسلامية بالديمقراطية التي أوصلتها للحكم ثم تحولت الى سلطة متسلطة. ولا اعتقد انها مستعدة لاجراء انتخابات نزيهة لا مبكرة ولا في ابانها لانها تعرف ان الانتخابات السابقة كانت عقابية، فالشعب الفلسطيني عاقب قيادة فتح التي تبرجزت وترهلت فصوت لقيادات منظمة حماس، اما في الانتخابات المقبلة فقد تنقلب المعادلة. واذا كان الشعب الفلسطيني ضحية القيادات العربية سنة 1948 فهو اليوم ضحية قياداته الوطنية. فواقع التشرذم أضعف الى حد بعيد الموقف الفلسطيني وسيجعل امكانية الضغط على الادارة الامريكية محدودة.
الدول العربية : سلاحها الوحيد التطبيع الجماعي
لا يختلف الوضع العربي عن الوضع الفلسطيني، فالدول العربية اسقطت خيار المقاومة بصفة رسمية او بصفة عملية وعادت الى مقولة السادات: «حرب 1973 هي اخر حرب بين مصر واسرائيل»، ولم يعد لها الا سلاح وحيد وهو استعدادها للاعتراف بالكيان الصهيوني بصفة جماعية ان هو قبل بإرجاع الاراضي المحتلة لسنة 1967 وهو مضمون المبادرة السعودية بالرغم من ان العديد من هذه الدول تطبع معه سرا وعلنا ولم تستطع ان تضغط في اتجاه تحقيق مصالحة وطنية بين الفلسطينيين، فالصراعات الاقليمية هي التي أجهضت كل المحاولات المتواضعة، ومازالت تغذي الخلافات بينهم، فهي بين داعم لحركة حماس مثل سوريا ومن ورائها ايران، وداعم لحركة فتح مثل السعودية ومصر والاردن. ان هذا الاصطفاف عاد بالقضية الفلسطينية الى مرحلة الاحتواء وهي التي كلفت الثورة الفلسطينية وبالتحديد عرفات جهدا كبيرا وتضحيات جساما استمرت عدة سنوات للتخلص من التبعية وتأكيد استقلالية القرار الفلسطيني. وامام هذا التمزق فان قوة الضغط التي يمكن ان تستثمرها الدول العربية ستكون ايضا ضعيفة، وسيكون سلاح التطبيع غير ذي جدوى خاصة اذا علمنا ان البعض يمارسه سرا والبعض الاخر يمارسه علانية.
الكيان الصهيوني : الرابح الوحيد
انه لن يجد وضعا افضل مما هو فيه الان فقد اقنع القوى العظمى بمجموعة من الذرائع التي تبرر تجويع الشعب الفلسطيني وتهويد ارضه، من اهمها:
ان مواطنيه المسالمين في جنوب فلسطين لا يشعرون لا بالأمن والآمان تهددهم الصواريخ المنطلقة من غزة، بالرغم من انها لم تنطلق الا كرد فعل.
انه لم يجد مخاطبا كفئا يعقد معه صفقة سلام، فالسلطة في الضفة الغربية لا تسيطر على الوضع وقد تمردت عليها حماس، اما سلطة غزة فهي «تمارس الارهاب».
انه في حالة دفاع عن النفس، حتى وهو يحاصر شعبا أعزل ويدمر المنازل على رؤوس اصحابها ويمنع الحليب عن الاطفال والدواء عن المرضى والكهرباء.
واذا أضفنا الى هذه الذرائع ما يتمتع به الكيان الصهيوني من دعم غير مشروط من الولايات المتحدة، أدركنا اسباب اختلال موازين القوى السياسية بين الطرف العربي والطرف الصهيوني.
ذاك هو واقع القضية الفلسطينية التي سيتعامل معها الرئيس الجديد للولايات المتحدة والذي تعلق عليه العديد من الاطراف العربية آمالها لمعالجتها. فإلى اي مدى سيكون قادرا على تحقيق المعجزة التي أعجزت الادارات السابقة؟
أوباما والقضية الفلسطينية
عندما نجح أوباما انقسم المحللون العرب بين متفائل ومتشائم: فالمتفائلون يستندون في تفاؤلهم الى لونه والى أصوله الجغرافية والعرقية وديانة أسرته، وقد ذهب بعض المواطنين الفلسطينيين الى ان اسرته من قرية فلسطينية.
اما المتشائمون فيعتقدون ان أوباما سوف لن يختلف عن سابقيه من الرؤساء الامريكيين ولن يستطيع حتى ولو أراد ان يخرج عن الدائرة الحمراء التي يرسمها اللوبي اليهودي.
وفي اعتقادي ان القضية الفلسطينية ستأخذ مداها بقطع النظر عن الدرجة التي ستحتلها في سلم أولويات الادارة الجديدة، وستكون معيارا لمصداقية أوباما، فملف هذه القضية صار محل اهتمام كل العالم وصارت هناك قناعة بضرورة وجود حل عادل يستند الى الشرعية الدولية، ولم يعد هذا الوعي منحصرا في شعوب العالم الثالث بل اقتنعت به الدول الاوروبية بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والنخب الفكرية الجامعية بل العديد من الاوساط الحكومية، وقد سبقه في امريكا اربعة رؤساء أولوا هذه القضية اهتماما وان كان ذلك بشكل متفاوت: الرئيس كارتر الذي صنع اتفاقية مخيم داود، الرئيس بوش الاب صاحب مقولة الارض مقابل السلام، الرئيس كلينتون الذي صنع اتفاق أوسلو وأخيرا بوش الابن الذي نادى بقيام دولتين. فهذا التراكم لا يمكن لأوباما ان يتجاهله، فلابد ان يدلي بدلوه في هذه القضية لكن هناك عدة مطبات ستسهم في عرقلة مسار هذه القضية.
مطبات على الطريق
محدودية الضغط العربي
ان التشرذم الفلسطيني والانقسام العربي سيبطلان مفعول الضغط الذي يمكن ان تمارسه المقاومة على الارض وان تسلطه الدول العربية على الادارة الامريكية بل قد يعطي مبررا للأوساط المعادية للشعب الفلسطيني بأنه ليس مؤهلا لبناء دولة وليس هناك مخاطب كفء يمكن التعاون معه، وستمارس الآلة الاعلامية مفعولها فتحول المقاومة الى ارهاب كما تفعل دائما وان اي اتفاق يمضيه طرف سيلغيه الطرف الاخر.
فاعلية اللوبي اليهودي
ان كل الرؤساء الامريكيين السابقين لم يغامروا في التعاطي مع هذه القضية الا في الفترة الرئاسية الثانية، ليقينهم بأنهم سيفقدون الدعم اليهودي ان هم أبدوا استعدادهم لمعالجتها، وكل تحركات الادارة الجديدة في اتجاه هذه القضية ستكون تحت مراقبة اللوبي الصهيوني في امريكا وخاصة منظمة ايباك التي تضم اهم الفعاليات السياسية والمالية والاعلامية اليهودية، وكذلك تحت متابعة الفعاليات الاخرى المرتبطة بالحركة الصهيونية مثل الانجيليين. ان أوباما سيجد نفسه امام طرف عربي ممزق ضعيف أسقط من يديه كل أوراق الضغط او يكاد وطرف قوي يتحكم الى حد بعيد في مستقبله السياسي.
وحتى وان خلصت نيته وصدق منه العزم فانه سيقوم بعملية حسابية سياسية بسيطة تكون أبسط نتائجها تهميش هذا الملف.
لكن هل معنى ذلك انه سيخرجه من دائرة اهتماماته؟ كلا، ان هذا الملف فرض نفسه لانه صار معروفا لدى الجميع. ان القضية الفلسطينية هي وراء كل التوترات في المنطقة العربية والاسلامية وتكاد تكون في العالم، وانه لا استقرار دون حل هذه القضية وان مصالح امريكا والغرب عموما مهددة، وان حلفاءه قد تعصف بهم المفاجآت، وبالاضافة الى ذلك فانها اكبر مظلمة انسانية عرفها القرن العشرون ومازالت متواصلة الى القرن الواحد والعشرين، وحتى الانقسامات التي تشق الفلسطينيين والعرب لن تكون دائمة، فقد تضمد الجراح ويستيقظ الحس الوطني ويعود للساحة الفلسطينية شعار «ديمقراطية البندقية». ان كل هذه الاعتبارات ستجعل أوباما الذي يريد ان يتمايز عن الرؤساء السابقين يولي هذه القضية اهتماما خاصا، لكن في الحدود التي لا تعرض مستقبله للخطر، فهو سيشجع الطرفين على التفاوض دون ان يضغط على الكيان الصهيوني بل انه سيقدم له العديد من الاغراءات اذا لمس منه استعداد لتقديم بعض التنازلات.
غير ان الوصول الى حل عادل يكاد يكون مستحيلا. فهناك مجموعة من الاستحقاقات الوطنية لا يمكن للمنظمات الفلسطينية ان تتنازل عنها وهي بالنسبة للكيان الصهيوني خطوط حمراء مكهربة كل من يقبل بها يعرض نفسه للموت ماديا او معنويا، وهو ما حصل فعلا لرابين، واهم الاستحقاقات:
حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وهو الحق الذي أقره المنتظم الدولي، فالكيان الصهيوني يعتبره نهاية لوجوده ككيان يهودي.
اعتبار القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وهي بالنسبة للصهيونية عاصمة تريدها يهودية موحدة، وكانت تضغط على السياسيين الامريكان دوما في هذا الاتجاه، ومنهم أوباما الذي طمأن الكيان الصهيوني اثناء الحملة الانتخابية على مصير هذه المدينة.
قيام دولة تتوفر فيها مقومات السيادة، على حدود 1967، وهذا يعني اخلاء المستعمرات التي اقامها الكيان الصهيوني في الضفة الغربية وخاصة حول القدس وتدمير الجدار العازل وهو ما يعتبره الصهاينة قضاء على مشروع تهويد القدس.
فهذا السقف هو الحد الادنى الذي أبى ياسر عرفات التنازل عنه مع الرئيس كلينتون ودفع حياته ثمنا من أجله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.