عاجل/ هذا ما قرره القضاء في حق سنية الدهماني..    فيديو - سفير البرازيل :'' قضيت شهر العسل مع زوجتي في تونس و هي وجهة سياحية مثالية ''    كيف نختار الماء المعدني المناسب؟ خبيرة تونسية تكشف التفاصيل    منذ بداية السنة: تسجيل 187 حالة تسمّم غذائي جماعي في تونس    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    عاجل/ آخر أخبار قافلة الصمود..وهذه المستجدات..    معرض باريس الجوي.. إغلاق مفاجئ للجناح الإسرائيلي وتغطيته بستار أسود    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    من هو الهولندي داني ماكيلي حكم مباراة الترجي وفلامينغو في كأس العالم للأندية؟    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    243 ألف وحدة دم أُنقذت بها الأرواح... وتونس مازالت بحاجة إلى المزيد!    كهل يحول وجهة طفلة 13 سنة ويغتصبها..وهذه التفاصيل..    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    الحماية المدنية: 536 تدخلا منها 189 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    ضربة "استثنائية".. ما الذي استهدفته إيران في حيفا؟ (فيديو)    رفض الإفراج عن رئيس نقابة قوات الأمن الداخلي وتأجيل محاكمته إلى جويلية المقبل    صاروخ إيراني يصيب مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب..    الإتحاد المنستيري: الإدارة تزف بشرى سارة للجماهير    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    كأس العالم للأندية: برنامج مواجهات اليوم الإثنين 16 جوان    اليوم الإثنين موعد انطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة بنزرت الشمالية    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    تصنيف لاعبات التنس المحترفات : انس جابر تتراجع الى المركز 61 عالميا    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    طقس اليوم..الحرارة تصل الى 42..    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    قتلى وجرحى بعد هجمات صاروخية إيرانية ضربت تل أبيب وحيفا..#خبر_عاجل    الاحتلال يستهدف مقرا للحرس الثوري في طهران    باكستان تتعهد بالوقوف خلف مع إيران وتدعو إلى وحدة المسلمين ضد "إسرائيل"    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    النفط يرتفع مع تصاعد المواجهة في الشرق الأوسط.. ومخاوف من إغلاق مضيق هرمز    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    بوادر مشجعة وسياح قادمون من وجهات جديدة .. تونس تراهن على استقبال 11 مليون سائح    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    اليوم انطلاق مناظرة «السيزيام»    إطلاق خارطة السياسات العمومية للكتاب في العالم العربي يوم 24 جوان 2025 في تونس بمشاركة 30 دار نشر    تونس: حوالي 25 ألف جمعية 20 بالمائة منها تنشط في المجال الثقافي والفني    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    فيلم "عصفور جنة" يشارك ضمن تظاهرة "شاشات إيطالية" من 17 إلى 22 جوان بالمرسى    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    إطلاق خط جوي مباشر جديد بين مولدافيا وتونس    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملفات عربية معقّدة أمام الرئيس أوباما
ينصّب الثلاثاء القادم (2 / 3): بقلم: سالم الحداد
نشر في الشعب يوم 17 - 01 - 2009

في معرض حديثه عن الرئيس الامريكي الجديد باراك أوباما الذي سينصّب يوم الثلاثاء القادم يأتي الاستاذ الاخ سالم الحداد في هذه الحلقة على جملة من الملفات المطروحة أمام ساكن البيت الابيض الجديد.
ج الملف العراقي
عندما احتلت امريكا العراق سنة 2003 كانت تروم تحقيق ثلاثة اهداف:
السيطرة على العراق الذي تتوفر فيها اكبر كمية احتياطات البترول في منطقة الشرق الاوسط.
تدمير قاعدته العسكرية باعتباره قوة صاعدة يمكن ان تشكل خطرا على صنائع امريكا وحلفائها.
استعماله كقاعدة متقدمة لتمرير مشروع الاوسط الكبير الذي يرمي الى اعادة صياغة المنطقة بتمزق الممزق حتى تضمن استمرارية السيطرة، وفي هذا الاطار يتنزل مشروع فيدرالية العراق.
وقد نجحت امريكا في تدمير مؤسسات الدولة العراقية وزرع الفتن داخلها، لكن المقاومة الشعبية مازالت متواصلة، غير ان المهم بالنسبة لأمريكا ان هذا البلد لم يعد متمردا ولا يشكل اي خطر لا على الكيان الصهيوني ولا على دول الخليج وقد سبقه بوش باتفاقية الانسحاب الذي سيتم سنة 2011، وليس من المستبعد ان يسحب أوباما جيوشه قبل هذا الموعد ليؤكد للشعب الامريكي احترامه لوعوده بعد ان يقع ترتيب البيت العراقي مع الايرانيين.
غير ان المشكل الاعوص سيكون مع الاتراك الذين يرفضون اقامة كيان كردي في العراق يتمتع بصلاحيات واسعة، فهذا الكيان سيكون نواة الدولة الكردية التي ستقام على حساب تركيا وايران وسوريا والعراق. وقد استفاد الاكراد من الحضور الامريكي في المنطقة فأقاموا مؤسسات الدولة الكردية: حكومة اقليمية، برلمان، مؤسسة أمنية، أجهزة ادارية وعلم خاص، بل ان هذا الاقليم صار ملاذا لاخوانهم من المقاومين الاكراد في تركيا، وهنا تتباين مصالح امريكا مع كل دول المنطقة وتتقاطع مع الاكراد. تلك هي الاشكالية الصعبة بالنسبة لأوباما، فهل سيتخلى عن الاكراد كما تخلى اسلافه ويختار الحليف التقليدي تركيا ودول المنطقة ام سيحوّل جزءا من جيشه ليرابط بالاقليم الكردي ويحميه؟
د ملف أفغانستان وباكستان
إن الوضع في أفغانستان غير مستقر، وغير قابل للسيطرة والاحتواء، فالمقاومة يشتد لهيبها يوما بعد يوم، وابن لادن مازال المطلوب رقم واحد للادارة السابقة واللاحقة وقد استطاعت القاعدة ان تبيض وان تفرخ في اعماق المنطقة وان تشكل فرقا للمقاومة ولا يمكن لأمريكا الاطمئنان الى وعود بعض القيادات السياسية والعسكرية في باكستان، فالنظام فيها يشن حربا على مواطنيه في الكثير من المناطق المتمردة. ومما ضاعف من مخاوف الولايات المتحدة ان هذه الدولة صارت تملك سلاحا نوويا يمكن ان يسقط بأيدي بعض الفرق المتطرفة، وقتها ستكون الطامة الكبرى. نتيجة لهذه القناعة يبدو ان بوش وضع خطة سيواصلها أوباما تستند الى مبدأ العصا والجزرة وهي كالتالي:
مد جسر التفاوض مع حركة طالبان عن طريق العربية السعودية.
تكثيف الوجود العسكري الامريكي والاطلسي في أفغانستان تكون له مهمتان: التصدي للمقاومة في افغانستان، ومراقبة الوضع في باكستان والتدخل عند الاقتضاء.
وقد ازداد الوضع تعقيدا بعدالهجوم الذي شنته احدى الجماعات الاسلامية المسلحة الباكستانية على نزل تاج محل ومركز يهودي في مدينة مامباي الهندية وهو ما سيعطي مبررا للهند للتدخل في شؤون باكستان.
وبلا شك ان الهم الاول للأمريكان في هذه المفاوضات سوف لن يكون قضية الديمقراطية في هذا البلد ولا زراعة المخدرات ولا وضعية المرأة ولا تماثيل بوذا، بل سيركزون على نقطة محورية وهي اجتثاث القاعدة من المنطقة، وهي منبع الشرور بالنسبة لأمريكا، فاذا قبلت طالبان هذه المهمة فسترفع عنها كل المحرمات وان أبت فالجيوش الاطلسية جاهزة.
واعتقد ان هذا ما يريده أوباما عندما وعد الامريكان بسحب القوات من العراق وتكثيف الحضور العسكري الامريكي والاطلسي في افغانستان.
معنى ذلك ان استراتيجية التوسع والهيمنة مازالت تسكن عقلية الادارة الامريكية فالتغيير في الوسائل والاساليب مع المحافظة على الاهداف بقطع النظر عن لون صاحبها، ألم تكن كوندا ليزا رايس وقبلها كولن باول من اهم أركان ادارة بوش؟
ه الملف السوري
في تقديري ان الادارة الجديد للولايات المتحدة ستفتح الجسور مع النظام السوري، ومن المحتمل ان يعود الوئام الذي كان سائدا مع بوش الاب ومع كلينتون، فأمريكا أدركت انه من مصلحتها تخفيف التوتر في هذا المنطقة وهذا يقتضي مد الجسور مع الدول التي مازالت تمسك ببعض الخيوط في علاقتها بحركات المقاومة، وقد لاحظنا اخيرا ان القيادات اللبنانية بدأت تتواصل مع النظام السوري والنظام الايراني، واضعة على الرف الخلافات التي كانت سائدة خاصة حول عملية اغتيال الحريري، وليس من المستبعد ان هذه الزيارات لم تجد اعتراضا من الادارة الامريكية ولا الفرنسية، ان هذه المؤشرات توحي بأن قضية الجولان قد اخذت طريقها الى المعالجة، ويبدو ان الوساطة التركية وقبلها زيارة رجل اعمال سوري للكيان الصهيوني وضعف الاسس العامة التي سيقوم عليها الحل، وقد صار الكيان الصهيوني اكثر استعدادا للانسحاب، وسيكون مصير هذه النهضة قريبا من مصير صحراء سيناء، تجريدها من السلاح واعادتها الى حضن الدولة السورية. واعتقد ان المفاوضات مع الطرف الفلسطيني لن تكون جدية قبل الحسم في قضية الجولان، غير ان الكيان الصهيوني سيضغط في اتجاه تخلي سوريا عن حركات المقاومة حتى يحدث الفراغ حولها ويجردها من كل أوراق الضعط ويملي عليها شروطه.
و ملف القضية الفلسطينية: المشهد والمكونات
ان معالجة اية قضية من قضايا التحرر في العالم تتوقف على وجود ضغطين على القوة المستعمرة : ضغط مسلح تمارسه الحركات الوطنية في الداخل وضغط سياسي يمارسه المنتظم الدولي بداية من منظمات المجتمع المدني، فالاحزاب السياسية الى الاوساط الحكومية. فالى اي مدى توفر هذان العاملان في راهن القضية الفلسطينية؟
تشخيص الواقع الفلسطيني : سقوط خيار المقاومة رسميا وعمليا
تعيش القضية الفلسطينية وضعا مؤلما بعد ان اصبحت قضية عالمية وانسانية تتفاعل معها الجماهير والحركات السياسية الثورية ومنظمات المجتمع المدني بل ان الحكومات الاوروبية لم تعد قادرة على تجاهلها. فقد صار الشعب الفلسطيني رهينة لدى منظمتين هما منظمة فتح التي تحكم الضفة الغربية وحماس التي تسيطر على قطاع غزة.
وقد اسقطت حركة فتح منذ مدة خيار المقاومة المسلحة وصارت تعتبر حمل السلاح جريمة يعاقب عليها القانون وشكلت نواة قوة أمنية مهمتها مقاومة المقاومة المسلحة، وصار رهانها الوحيد الضغط السياسي الذي يمكن ان تمارسه الدول العربية والاسلامية والدول الغربية والامم المتحدة ومنظماتها. فرهان فتح صار رهانا سياسيا وانتهى او على الاقل توقف الى اجل غير مسمى رهان المقاومة المسلحة.
ورغم هذا الانحراف الخطير عن خط المقاومة فقد احتفظت فتح وبقية فصائل منظمة التحرير بخطاب قابل للتسويق لدى المنتظم الدولي، وقد وجد هذا الخيار تفهما لدى الدول الغربية التي ما فتئت تقوم بمبادرات سياسية وتقدم مساهمات مالية مهمة لتغطية نفقات الادارة والموظفين ولتنشيط الحياة الاقتصادية بالضفة، وهذا ما خفف من معاناة المواطن الفلسطيني بها.
اما حماس فقد تحولت من الثورة الى الدولة حيث استغلت اختلال موازين القوى لفائدتها في قطاع غزة لتقوم بانقلاب دموي، وتشكل حكومة في القطاع. ومهما كانت احقية المبررات التي قدمتها فانها لا ترتقي الى مستوى الحماقة التاريخية التي ارتكبتها في حق الشعب الفلسطيني، فقد جسمت ما يطمح اليه الكيان الصهيوني وما يمارسه وهو تمزيق الشعب الفلسطيني واضعافه وتشويه صورته. وبعد الانقلاب لم تستطع لا ان تواصل المقاومة ولا ان تبني الدولة وصارت تعيش ازدواجية القول والفعل، فهي من ناحية ترفع شعار المقاومة لكنها في واقع الامر تسعى للتهدئة مع الكيان الصهيوني لانها تعرف قبل غيرها ان الشعب الفلسطيني يعيش معاناة صعبة فهو في حاجة الى أبسط مقومات الحياة: الغذاء والدواء والكهرباء بذلك صارت غير قادرة لا على صنع السلام ولا على فعل المقاومة، فأساءت لنفسها وللشعب الفلسطيني وللحركة الاسلامية وقدمت حجة كافية لمن يشكك في قناعة الحركات الاسلامية بالديمقراطية التي أوصلتها للحكم ثم تحولت الى سلطة متسلطة. ولا اعتقد انها مستعدة لاجراء انتخابات نزيهة لا مبكرة ولا في ابانها لانها تعرف ان الانتخابات السابقة كانت عقابية، فالشعب الفلسطيني عاقب قيادة فتح التي تبرجزت وترهلت فصوت لقيادات منظمة حماس، اما في الانتخابات المقبلة فقد تنقلب المعادلة. واذا كان الشعب الفلسطيني ضحية القيادات العربية سنة 1948 فهو اليوم ضحية قياداته الوطنية. فواقع التشرذم أضعف الى حد بعيد الموقف الفلسطيني وسيجعل امكانية الضغط على الادارة الامريكية محدودة.
الدول العربية : سلاحها الوحيد التطبيع الجماعي
لا يختلف الوضع العربي عن الوضع الفلسطيني، فالدول العربية اسقطت خيار المقاومة بصفة رسمية او بصفة عملية وعادت الى مقولة السادات: «حرب 1973 هي اخر حرب بين مصر واسرائيل»، ولم يعد لها الا سلاح وحيد وهو استعدادها للاعتراف بالكيان الصهيوني بصفة جماعية ان هو قبل بإرجاع الاراضي المحتلة لسنة 1967 وهو مضمون المبادرة السعودية بالرغم من ان العديد من هذه الدول تطبع معه سرا وعلنا ولم تستطع ان تضغط في اتجاه تحقيق مصالحة وطنية بين الفلسطينيين، فالصراعات الاقليمية هي التي أجهضت كل المحاولات المتواضعة، ومازالت تغذي الخلافات بينهم، فهي بين داعم لحركة حماس مثل سوريا ومن ورائها ايران، وداعم لحركة فتح مثل السعودية ومصر والاردن. ان هذا الاصطفاف عاد بالقضية الفلسطينية الى مرحلة الاحتواء وهي التي كلفت الثورة الفلسطينية وبالتحديد عرفات جهدا كبيرا وتضحيات جساما استمرت عدة سنوات للتخلص من التبعية وتأكيد استقلالية القرار الفلسطيني. وامام هذا التمزق فان قوة الضغط التي يمكن ان تستثمرها الدول العربية ستكون ايضا ضعيفة، وسيكون سلاح التطبيع غير ذي جدوى خاصة اذا علمنا ان البعض يمارسه سرا والبعض الاخر يمارسه علانية.
الكيان الصهيوني : الرابح الوحيد
انه لن يجد وضعا افضل مما هو فيه الان فقد اقنع القوى العظمى بمجموعة من الذرائع التي تبرر تجويع الشعب الفلسطيني وتهويد ارضه، من اهمها:
ان مواطنيه المسالمين في جنوب فلسطين لا يشعرون لا بالأمن والآمان تهددهم الصواريخ المنطلقة من غزة، بالرغم من انها لم تنطلق الا كرد فعل.
انه لم يجد مخاطبا كفئا يعقد معه صفقة سلام، فالسلطة في الضفة الغربية لا تسيطر على الوضع وقد تمردت عليها حماس، اما سلطة غزة فهي «تمارس الارهاب».
انه في حالة دفاع عن النفس، حتى وهو يحاصر شعبا أعزل ويدمر المنازل على رؤوس اصحابها ويمنع الحليب عن الاطفال والدواء عن المرضى والكهرباء.
واذا أضفنا الى هذه الذرائع ما يتمتع به الكيان الصهيوني من دعم غير مشروط من الولايات المتحدة، أدركنا اسباب اختلال موازين القوى السياسية بين الطرف العربي والطرف الصهيوني.
ذاك هو واقع القضية الفلسطينية التي سيتعامل معها الرئيس الجديد للولايات المتحدة والذي تعلق عليه العديد من الاطراف العربية آمالها لمعالجتها. فإلى اي مدى سيكون قادرا على تحقيق المعجزة التي أعجزت الادارات السابقة؟
أوباما والقضية الفلسطينية
عندما نجح أوباما انقسم المحللون العرب بين متفائل ومتشائم: فالمتفائلون يستندون في تفاؤلهم الى لونه والى أصوله الجغرافية والعرقية وديانة أسرته، وقد ذهب بعض المواطنين الفلسطينيين الى ان اسرته من قرية فلسطينية.
اما المتشائمون فيعتقدون ان أوباما سوف لن يختلف عن سابقيه من الرؤساء الامريكيين ولن يستطيع حتى ولو أراد ان يخرج عن الدائرة الحمراء التي يرسمها اللوبي اليهودي.
وفي اعتقادي ان القضية الفلسطينية ستأخذ مداها بقطع النظر عن الدرجة التي ستحتلها في سلم أولويات الادارة الجديدة، وستكون معيارا لمصداقية أوباما، فملف هذه القضية صار محل اهتمام كل العالم وصارت هناك قناعة بضرورة وجود حل عادل يستند الى الشرعية الدولية، ولم يعد هذا الوعي منحصرا في شعوب العالم الثالث بل اقتنعت به الدول الاوروبية بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والنخب الفكرية الجامعية بل العديد من الاوساط الحكومية، وقد سبقه في امريكا اربعة رؤساء أولوا هذه القضية اهتماما وان كان ذلك بشكل متفاوت: الرئيس كارتر الذي صنع اتفاقية مخيم داود، الرئيس بوش الاب صاحب مقولة الارض مقابل السلام، الرئيس كلينتون الذي صنع اتفاق أوسلو وأخيرا بوش الابن الذي نادى بقيام دولتين. فهذا التراكم لا يمكن لأوباما ان يتجاهله، فلابد ان يدلي بدلوه في هذه القضية لكن هناك عدة مطبات ستسهم في عرقلة مسار هذه القضية.
مطبات على الطريق
محدودية الضغط العربي
ان التشرذم الفلسطيني والانقسام العربي سيبطلان مفعول الضغط الذي يمكن ان تمارسه المقاومة على الارض وان تسلطه الدول العربية على الادارة الامريكية بل قد يعطي مبررا للأوساط المعادية للشعب الفلسطيني بأنه ليس مؤهلا لبناء دولة وليس هناك مخاطب كفء يمكن التعاون معه، وستمارس الآلة الاعلامية مفعولها فتحول المقاومة الى ارهاب كما تفعل دائما وان اي اتفاق يمضيه طرف سيلغيه الطرف الاخر.
فاعلية اللوبي اليهودي
ان كل الرؤساء الامريكيين السابقين لم يغامروا في التعاطي مع هذه القضية الا في الفترة الرئاسية الثانية، ليقينهم بأنهم سيفقدون الدعم اليهودي ان هم أبدوا استعدادهم لمعالجتها، وكل تحركات الادارة الجديدة في اتجاه هذه القضية ستكون تحت مراقبة اللوبي الصهيوني في امريكا وخاصة منظمة ايباك التي تضم اهم الفعاليات السياسية والمالية والاعلامية اليهودية، وكذلك تحت متابعة الفعاليات الاخرى المرتبطة بالحركة الصهيونية مثل الانجيليين. ان أوباما سيجد نفسه امام طرف عربي ممزق ضعيف أسقط من يديه كل أوراق الضغط او يكاد وطرف قوي يتحكم الى حد بعيد في مستقبله السياسي.
وحتى وان خلصت نيته وصدق منه العزم فانه سيقوم بعملية حسابية سياسية بسيطة تكون أبسط نتائجها تهميش هذا الملف.
لكن هل معنى ذلك انه سيخرجه من دائرة اهتماماته؟ كلا، ان هذا الملف فرض نفسه لانه صار معروفا لدى الجميع. ان القضية الفلسطينية هي وراء كل التوترات في المنطقة العربية والاسلامية وتكاد تكون في العالم، وانه لا استقرار دون حل هذه القضية وان مصالح امريكا والغرب عموما مهددة، وان حلفاءه قد تعصف بهم المفاجآت، وبالاضافة الى ذلك فانها اكبر مظلمة انسانية عرفها القرن العشرون ومازالت متواصلة الى القرن الواحد والعشرين، وحتى الانقسامات التي تشق الفلسطينيين والعرب لن تكون دائمة، فقد تضمد الجراح ويستيقظ الحس الوطني ويعود للساحة الفلسطينية شعار «ديمقراطية البندقية». ان كل هذه الاعتبارات ستجعل أوباما الذي يريد ان يتمايز عن الرؤساء السابقين يولي هذه القضية اهتماما خاصا، لكن في الحدود التي لا تعرض مستقبله للخطر، فهو سيشجع الطرفين على التفاوض دون ان يضغط على الكيان الصهيوني بل انه سيقدم له العديد من الاغراءات اذا لمس منه استعداد لتقديم بعض التنازلات.
غير ان الوصول الى حل عادل يكاد يكون مستحيلا. فهناك مجموعة من الاستحقاقات الوطنية لا يمكن للمنظمات الفلسطينية ان تتنازل عنها وهي بالنسبة للكيان الصهيوني خطوط حمراء مكهربة كل من يقبل بها يعرض نفسه للموت ماديا او معنويا، وهو ما حصل فعلا لرابين، واهم الاستحقاقات:
حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وهو الحق الذي أقره المنتظم الدولي، فالكيان الصهيوني يعتبره نهاية لوجوده ككيان يهودي.
اعتبار القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وهي بالنسبة للصهيونية عاصمة تريدها يهودية موحدة، وكانت تضغط على السياسيين الامريكان دوما في هذا الاتجاه، ومنهم أوباما الذي طمأن الكيان الصهيوني اثناء الحملة الانتخابية على مصير هذه المدينة.
قيام دولة تتوفر فيها مقومات السيادة، على حدود 1967، وهذا يعني اخلاء المستعمرات التي اقامها الكيان الصهيوني في الضفة الغربية وخاصة حول القدس وتدمير الجدار العازل وهو ما يعتبره الصهاينة قضاء على مشروع تهويد القدس.
فهذا السقف هو الحد الادنى الذي أبى ياسر عرفات التنازل عنه مع الرئيس كلينتون ودفع حياته ثمنا من أجله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.