إذا كانت مشاهد التقتيل والتدمير في غزة وجعا يوميّا لقلوبنا مصدره العدو الصهيوني، فإنّ الوجع اليومي لعقولنا مصدره هذا الاستبداد بالرأي الواحد عندنا في تحليل ما يحدث. الكلّ يكرّرون البديهيات ولا أحد يقف ضدّ التيار ويعترف أنّ العدو الصهيوني ليس المسؤول الوحيد عمّا يحدث لنا.. لا أحد يعترف أنّ حماس ما فتئت تعلن قبل انتهاء التهدئة أنّها لن توافق على هدنة جديدة ليعترف أنّك حين تدعو الخصم الى النّزال فإنّه ليس من حقّك أن تفرض عليه كيفيّة المواجهة.. لا أحد يعترف أنّ المقاومين على امتداد التاريخ وفي كلّ أرجاء العالم لم يسعوا كما فعلت حماس إلى ممارسة تصريف شؤون النّاس، وفي نفس الوقت تمسّكت بخيار مقاومة عدو يتحكّم في المرافق الأساسيّة لحياة هؤلاء الناس. لا أحد يعترف أنّ من كان يروم مقاومة المحتلّ، في تونس مثلا، كان يلتحق بالجبال حتّى لا يعرّض حياة الأطفال والنساء والشيوخ الى خطر الموت.. لا أحد يعترف أنّ حماس مسؤولة عن وجود حكومتين لشعب لا دولة له وأنّها بذلك جعلتنا أضحوكة أمام شعوب العالم. لا أحد توقّف عند فاجعة عائلة ذلك القيادي الحمساوي الذي أصرّ على البقاء في منزله، رغم تهديدات العدو، مع أطفاله التسعة وزوجاته الأربع (وهذه مأساة أخرى) ليُقتلوا جميعا.. فالتّوقف عند هذه الفاجعة فقط يجعلنا نقف على مدى استهانتنا بأرواحنا فكيف لا يستهين بها أعداؤنا؟ اللّّهم انّك لم تحمنا من أعدائنا، فاحمنا اللّهم من أنفسنا.