اضافة جديدة تثري المخزون المسرحي في البلاد التونسية وخارجها تتمثل في صدور كتاب للمؤلف نصر الدين الزاهي بعنوان «الرواجس» ويتضمن ثلاثة نصوص مسرحية (حجر الفوارة الباب المهجور عين الهرّ) جميعها باللغة العربية الفصحى ومبوّبة الى فصول ومشاهد في ثلاثمائة وأربعين صفحة يدّبجها الاستاذ الزاهي بمجموعة من الآراء والمواقف النقدية التوجيهية حول التجريب المسرحي ومدى حدوده في الحيزين الزماني والمكاني ليكون منشغلا بقضايا الناس. كما يتعرض اثناء ذلك الى وضع عدة شروط معملية يلتزم بها الكاتب المسرحي لبلوغ مرامه ومن أوكدها. الموازنة بين رموز الاتصال والانفصال والمضمون. المحاورة الداخلية بين المفردات السينوغرافية ومعانيها. مواجهة مخزون الماضي بقلق. واذا ألقينا الضوء على مسرحية «حجر الفوارة» وهي ذات ثلاثة فصول لمسنا بوادر التميز بالنسبة الى ما ألفناه سابقا، اذ نجد المؤلف يجمع بين الحاضر والماضي ويجعل الفوارق الزمنية في وضعية تعايش بالرغم من تباعدها الزماني من وجهة نظر تاريخية مع تطويع المادة التراثية وصياغة فنية تتماشى وحساسية ومشاغل المجتمع الآنية، كما تبرز لمسات الابداع في هذا العمل في فنية التركيب والبناء حيث وقع انتقاء المادة وتفكيكها ثم اعادة بنائها في شكل يكسب الأثر الجديد تكامله وانسجامه واستقلاله عن المصادر مع وجود حلقات للصلة والربط تجمع بين عناصر النص. بهذا التكامل الفني الرائع يقدم لنا المؤلف مسيرة النضال الثوري بالفكر والسلاح والتي امتدت على حقبات من الزمن في تاريخ قفصة ممثلة في رموز فكرية ونضالية انطلاقا من ابن منظور القفصي الى الشاعر الشعبي علي بن عبد الله القصري مرورا بالاستاذ عبد العزيز العكرمي ثم الفدائي عمران المقدمي. في هذا الزخم التاريخي تتصارع الافكار لتلتقي عند هدف مروم يتوج بالاتفاق على التصدي الى الغازي الاجنبي الذي يسعى الى تفكيك أوشاج المجتمع وخرم حبال المبادرة، يقدمها الكاتب بأسلوب متين ودقيق ومشوّق يمتزج فيه النثر بالشعر ويغلب عليه الجمل الاستفهامية للقضاء على الرتابة ولجعل المتتبع متلهفا متطلعا الى اكتشاف الحقيقة «فالرواجس» جدير بقراءات عديدة من أوجه مختلفة لتعميم الفائدة.