إنتخابات جامعة كرة السلة.. قائمة سفيان الجريبي تفوز    طقس الليلة.. سحب كثيفة بهذه المناطق    وادي مليز .. قرية الدخائلية تتنفس أنشطة شبابية و ثقافية    بين المتلوي وتوزر..اصابة 4 اشخاص في حادث مرور    سليانة: السيطرة على حريق جبل الفراشيش    موجة حر قاسية تضرب هذه البلاد العربية بسبب ''القبة الحرارية''    عاجل/ قتلى في هجوم على مركز شرطة بايران..    عاجل: وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي تفتح باب الترشح ل 9 خطط ...آخر أجل وكيفية التسجيل    الإدارة العامة للأداءات تعلن عن آخر أجل لإيداع التصريح الشهري بالنسبة لهؤلاء..    دراسة ليبية تُحذّر: بكتيريا في المنتجات البحرية تنجم تقتل في 48 ساعة    عاجل: إجراءات جديدة لحماية صحة اللاعبين بسبب ارتفاع الحرارة    مأساة الملاكمة في اليابان: إصابات قاتلة تنهي حياة اثنين من الملاكمين    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك توجه رسالة هامة لوزارة التربية..#خبر_عاجل    قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمعهد عبد العزيز بلخوجة بقليبية    غرفة التجارة والصناعة لصفاقس تنظم بعثة أعمال متعددة القطاعات إلى السعودية    عاجل/ بعد الاعتداء عليه بالة حادة: وفاة الكلب "روكي"..    حذاري! صور ولادكم في الإنترنت تولّي خطر ما تتصوروش!    مهرجان مدنين الثقافي الدولي: الدورة 45 تحت شعار "مدنين، حكاية أخرى"    انتهاء موسم الحصاد بهذه الولاية بتجميع أكثر من 267 ألف قنطار من الحبوب..    تونس: حجز 172 طناً من المواد وحملات رقابية مكثفة تُسفر عن 9 قرارات غلق في النصف الأول من 2025    الهلال السعودي يعلن تعاقده مع نونييس قادما من ليفربول    ولاية كاليفورنيا ترفض طلب ترامب من جامعتها دفع مليار دولار وتعتبره ابتزازا سياسيا    تعزيز القسم الجامعي للانعاش الطبي بالمستشفى الجهوي بالكاف بوحدة سموميات جديدة    إطلاق الدورة الأولى لمسابقة "Cactus INNOV " لاختيار أفضل الابتكارات في تثمين التين الشوكي    اختناق 621 شخصا في العراق إثر تسرب غاز الكلور من محطة لتصفية المياه    عاجل: التسجيل الإلكتروني لأداء فريضة الحج يبدأ قريبًا    عاجل: النصر السعودي يتعاقد مع نجم برشلونة...التفاصيل    المهاجم التونسي محمد علي بن حمود ينتقل الى شباب بلوزداد الجزائري لمدة ثلاثة مواسم    بطولة أمم إفريقيا للمحليين: تنزانيا تهزم مدغشقر وتتأهل إلى ربع النهائي بالعلامة الكاملة    دواء معروف يستعمله الملايين يرفع خطر فشل القلب.. شنوة السر الخطير؟    اليوم: غلق وقتي للطريق نحو باجة بسبب تقدم أشغال توسعة المدخل الجنوبي للعاصمة    رفع 8000 متر مكعب من الفضلات ب133 شاطئا    تقصّ شعرك مبلول ولا شايح: شنوّة الأفضل ليك؟    اليوم.. 4 لقاءات تتصدرها قمة الاتحاد المنستيري والملعب التونسي    المرصد الوطني يكشف: 3 من كل 10 سواق يسوقوا وهم فوق النسبة القانونية للكحول!    شنوّة أعراض فيروس ''تشيكونغونيا'' الخطيرة؟    نجوى كرم تُشعل قرطاج بعد غياب تسع سنوات: ليلة حنين وأغانٍ خالدة أمام جمهور غصّت به المدارج    مهرجان "أفلام تونسية قصيرة" أيام 3 و4 و5 أكتوبر القادم بدار الثقافة ابن رشيق    عرض المحفل التونسي ضمن فعاليات الدورة 45 لمهرحان صفاقس الدولي ... حفر في مخزون التراث الغنائي الشعبي التونسي    بلدية مدينة تونس: حجز 37 حاجزا حديديا و3 ثلاجات و27 كرسيا و8 طاولات    مجلس الأمن يعقد جلسة عاجلة حول خطة إسرائيل احتلال غزة    المنستير: وزير السياحة يعاين مشاريعا سياحية تقوم بتنفيذها بلدية المنستير    قتلت 10% من سكان غزة".. تقرير عالمي عن تفوق إسرائيل على النازيين في قتل المدنيين    تاريخ الخيانات السياسية (41) .. تسميم الخليفة المعتمد    غدا.. غلق الطريق في اتجاه باجة أمام القادمين من باب عليوة ولاكانيا    اكتشاف جديد    طقس الليلة: ضباب على الساحل وريح شرقية وهكا باش تكون السخانة    انخراط 425 مؤسسة في موسم التخفيضات الصيفي    عاجل: موسم الحصاد 2025 يتصدر أفضل خمس سنوات في تونس    إيقاعات الراي تلهب مسرح الحمامات مع النجم الشاب مامي    عاجل/ مقتل كهل داخل شقته في العوينة: هذا ما تقرّر ضد المشتبه بهم    3 وفيات و4 إصابات في انقلاب شاحنة محمّلة بالفحم الحجري بأوتيك    تاريخ الخيانات السياسية (40): قتل الخليفة المهتدي    استراحة صيفية    مهنة وصيف: بشير برهومي: »مشوي» على ضفاف شط الجريد    القمر يضيء سماء السعودية والوطن العربي ببدر مكتمل في هذا اليوم    كيفاش الذكاء الاصطناعي يدخل في عالم الفتوى؟ مفتى مصري يفسر    في سهرة فنية رائقة ضمن فعاليات الدورة 45 لمهرجان صفاقس الدولي .. الفنان لطفي بوشناق يعانق الإبداع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الشرعية الثورية والشرعية الانتخابية الفلسطينية
نشر في الشعب يوم 28 - 03 - 2009

لعلّ من سخريات القدر أن تنتقل الساحة الفلسطينية من «الشرعية الثورية» إلى الشرعية التمثيلية، ومن شرعية البندقية إلى الشرعية الانتخابية مع الانتخابات التشريعية الأولى (1996)، أي تلك التي انبثقت عن قيام سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بموجب اتفاق أوسلو (1993)!
أمّا مقولة أنّ «لا انتخابات في ظلّ الاحتلال»، فهي لا تفيد شيئا في تعزيز حركة التحرر الوطني فضلا عن أنّ الواقع على مرارته يسخر من هذه المقولة ويكشفها بل ويتحداها بواقع وجود انتخابات تحت الاحتلالات (فلسطين والعراق)، حرّة ونزيهة أكثر من أماكن أخرى حيث يوجد استقلالات!
طبعا هذا لا يعني البتة أنّ الانتخابات التي تجري تحت الاحتلال تخلو من الإكراهات والاختلالات، بشكل مباشر وغيرها كما أنّها لا تَسمه بالفضيلة، فالاحتلال بحد ذاته فعل مصادرة وتغييب للحقوق والإرادات. وبديهي فإنّ اجراء انتخابات دون سلطة احتلال أفضل بكثير من اجرائها تحت وطأته شرط توفّر العوامل المناسبة.
في الحال الفلسطينية فإنّ العملية الانتخابية هي مرحلة مهمة نحو الكيانية الوطنية، والانتظام الكياني وتعبّر عن اخفاق اسرائيل في محاولاتها امحاء وتغييب الهوية الوطنية والوجود الكياني للشعب الفلسطيني. وطبعا فإنّ اسرائيل تحاول هنا اللعب في تحديد أو في تحجيم حدود هذه الكيانية وأبعادها، ومع ذلك فإنّ هذا يفصح عن إعيائها في مواجهة عناد الفلسطينيين وكفاحهم من أجل فرض وجودهم.
أمّا على صعيدهم الداخلي فإنّ تحوّل الفلسطينيين نحو الانتخابات ولو بدفع خارجي يشكّل تطورا في حركتهم السياسية ويعبّر عن انتقالهم نحو نوع من تنظيم علاقاتهم الداخلية على أسس ديمقراطية وتمثيلية ودليل ذلك أنّ حركة حماس ورغم هيمنتها بالقوة على قطاع غزة فإنّها مازالت تتحدّث عن الشرعية الانتخابية.
ولعل صعود «حماس» في الساحة الفلسطينية من خارج اطار منظمة التحرير في مقابل «فتح»، وبالقياس لضمور الفصائل الأخرى مع كل التداعيات السلبية الناجمة عن ذلك هو ما دفع معظم القوى لتبنّي فكرة التمثيل النسبي.
ويبدو أنّ هذه الصيغة تسهم في حفظ التوازنات في النظم السياسية اذ تسمح بتمثيل كل القوى بحسب أحجامها وتحد من علاقات الاحتكار والهيمنة فيها.
والمؤسف أنّ هذين التطورين في النظام الفلسطيني (التمثيل والتمثيل النسبي) لم يحصلا، على الأغلب، بسبب تولد قناعة ذاتية، وبنتيجة تطور في الوعي السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية، وإنّما بوسيلة الضغط أولا من خلال اتفاق مع اسرائيل وثانيا بنتيجة صعود مكانة «حماس» وتراجع «فتح»، في المجتمع الفلسطيني.
أمّا قبل ذلك، فكانت الساحة الفلسطينية (طوال ثلاثة عقود سابقة) عاشت على نظام «الشرعية الثورية»، وتابعه نظام المحاصصة («الكوتا») الفصائلية، الذي صاغته وفرضته «فتح» بهيمنتها على منظمة التحرير (1969) حيث مكّنها من تحديد تركيبة هذا النظام وعلاقاته الداخلية وبالتالي احتكار القرارات السياسية الاستراتيجية (قبل قيام السلطة الوطنية وبعدها)، تاركة للفصائل الأخرى، بغضّ النظر عن أدوارها وأحجامها، أدوارا ثانوية.
وقد بررت «فتح» ذلك بتعذّر قيام نوع من نظام فلسطيني يتأسّس على الشرعية الشعبية والشرعية التمثيلية ففي حينه، لم تكن الفصائل، وضمنها فتح، تتمتع بنفوذ مباشر في التجمعات الفلسطينية (في الأرض المحتلة وفي معظم مناطق اللجوء والشتات باستثناء لبنان) كما لم يكن بمستطاع هذه الفصائل التوجه نحو نيل الشرعية التمثيلية لتعذّر امكانية تنظيم انتخابات للفلسطينيين (في الداخل والخارج)، إمّا بسبب اعتبارات وتدخلات الأنظمة أو بسبب ضعف الثقافة الديمقراطية (وضمنها ثقافة التداول والانتخاب) في السياسة العربية (والفلسطينية بالطبع).
وفي الواقع فإنّ مصطلح «الشرعية الثورية» في الساحة الفلسطينية لم يكن له صلة بالكلمة ذاتها (الثورية) التي تعني بين معان أخرى استمرار الحراك الداخلي واحداث تغييرات في الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي. فعوضا عن ذلك كما بيّنت التجربة فإنّ نظام «الشرعية الثورية» ساهم في تكلّس مختلف عناصر النظام الفلسطيني: بهيئاته ومؤسساته وفصائله وقياداته، وخلق نوعا من الاحتكار للقرار وأنتج طبقة سياسية معيّنة جعلت من نفسها وصية على الشعب الفلسطيني وقضيته (وهذا الوضع ينطبق على السلطة والمعارضة). عدا عن ذلك، فإنّ نظام «الشرعية الثورية» يحجب وقائع، مثل فرض الوصاية على الشعب وضعف المشاركة السياسية والطابع السلطوي للفصائل.
وكما هو معلوم فإنّ «الشرعية الثورية» تنطلق من الشعارات وترتكز على المبادرة للمقاومة المسلحة وهذا ما حصل مع فتح (حينها)، ولكن استمرار الاتكاء على هذا وذاك ما عاد يكفي مع الزمن وعلى ضوء التجربة، لذلك فإنّ هذا النظام يدين كثيرا ببقائه واستمراره الى عوامل أخرى، منها شبكة الخدمات والامكانيات المادية لدى الفصائل وتسيّد البنى السلطوية / الميليشياوية في المجتمع واستمداد علاقات القوة والشرعية من العلاقات مع السلطات القائمة في الواقع العربي.
وبشكل أكثر تحديدا فثمّة عوامل عديدة ساهمت في تقويض نظام الشرعية الثورية لعلّ أهمها يكمن في النواحي التالية:
1 انتقال مركز الثقل في العمل الفلسطيني إلى داخل الأرض المحتلة مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى (1987 1993) وصولا الى قيام كيان السلطة الوطنية (1993). فهذا الانتقال جعل للساحة الفلسطينية حيزا جغرافيا وشعبيا متعيّنا (في الضفة والقطاع)، بالقياس الى الحالة الهيولية التي كانت سائدة في ظل وجود العمل الفلسطيني في مناطق اللجوء والشتات. وما دعّم ذلك أنّ الحالة السياسية الفلسطينية في الداخل كانت تختلف في شكلها عن الخارج. ففي الخارج كان الوجود السياسي يرتكز أساسا على الواقع الفصائلي الميليشياوي (المسلح) وعلى جيش المتفرغين، في حين أنّ المجتمع في الداخل تمكن من التعبير عن ذاته بصورة أكثر نضجا وملموسية، بحكم ظروفه الخاصة ولاسيما بسبب تواجده على أرضه وبسبب احتكاكه الصراعي اليومي مع الوجود الاحتلالي الاسرائيلي.
2 قيام الكيان الفلسطيني في الضفة والقطاع، حيث باتت الحركة الوطنية الفلسطينية تواجه مهمّات البناء الاجتماعي والسياسي، بالإضافة إلى مهمّات التحرّر الوطني ومواجهة الاحتلال الاسرائيلي. في هذا الإطار لم يعد ممكنا الاستمرار على أساس من الشرعية الثورية، حيث يتعذّر على المجتمع إنفاذ مبدإ المكاشفة والمساءلة والمحاسبة. وفوق كل ذلك فإنّ الطبقة السياسية الفلسطينية باتت مكشوفة على النقد الجماهيري في مرحلة بناء الكيان وباتت التساؤلات تطرح بشأن طريقة ادارة البيت الفلسطيني، وبشأن احتكار القرار في الساحة الفلسطينية لاسيما على خلفية تفاقم المشكلات المتعلقة ببناء الكيان الوليد ولاسيما على خلفية انتشار علاقات الفساد والمحسوبية وتفشي نفوذ الأجهزة الأمنية. المهم أنّ قيام الكيان الفلسطيني الذي تأسس أصلا على الانتخابات الرئاسية والتشريعية وضع القيادة الفلسطينية وجها لوجه أمام مجتمع معين فأخضعها للفحص وللتساؤل.
3 ظهور حركة حماس كمنافس كبير لحركة فتح بفضل خطابها الاسلامي الشعبوي وعمليات المقاومة التي شنتها ضد «اسرائيل» وامكانياتها المادية الكبيرة وشبكة الخدمات التي أقامتها في مقابل حال الترهل التي أصيبت بها فتح بعد أن باتت بمثابة حزب السلطة وبعد أن باتت هذه الحركة تتحمّل وحدها مسؤولية الإخفاق الحاصل في عملية التسوية وفي بناء الكيان الفلسطيني.
عموما، وبرغم أهمية ما يفعله الفلسطينيون لتطوير حركتهم الوطنية ونظامهم السياسي فإنّ مستقبل هذا النظام لا يتحدّد فقط بما يفعله الفلسطينيون أو ما لا يفعلونه بقدر ما يتحدّد أيضا بمستقبل الصراع ضد اسرائيل وتطورات النظام الإقليمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.