على مدى يومي 15 و16 ماي 2009 كانت مدينة سوسة محط أنظار الراي العام النقابي الذي تابع باهتمام شديد فعاليات الندوة التي عقدت حول العمل اللائق بالبلدان المغاربية واحتضنها نزل «سوسة بالاص» تحت شعار «تحقيق العدالة الاجتماعية وتكريس تكافؤ الفرص بين أطراف الإنتاج» الندوة نظمها الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي بالتعاون مع اتحاد نقابات النرويج وافتتحها الأخ علي بن رمضان الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل نيابة عن الأخ عبد السلام جراد الأمين العام للاتحاد الذي اشرف بنفسه على اختتامها وحضرها أعضاء المكتب التنفيذي كافة للاتحاد الجهوي بسوسة يتقدمهم الأخ احمد المزروعي الكاتب العام والأخ محمد شندول الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل والأخ محمد الطرابلسي كبير استشاريي منظمة العمل الدولية في شمال إفريقيا والأخ عبد الستار منصور أمين شؤون الثقافة العمالية في الاتحاد الدولي وممثل عن الوكالة الاسبانية للتعاون والاخوة عبد المجيد الصحراوي و سالم رحومة وأبو بكر الدرسي الأمناء العامون المساعدون للاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي والأخ ناجي مسعود مدير البرامج ومستشار الأمين العام للاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي، ومن الاتحادات الجهوية الأخ سعيد يوسف الكاتب العام للاتحاد الجهوي بالمنستير وعدد من الاخوة المشاركين في الندوة من كل من تونسوالجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا هذا إضافة إلى الأساتذة المحاضرين وهم على التوالي المنجي العمامي وعبد الرزاق العثمني وعبد الجليل البدوي ولمجد الجملي ومسعودة رحماني. وتكتسب هذه الندوة أهميتها من انعقادها في ظرف عالمي أهم سماته التقلب والترنح على إيقاع أزمة اقتصادية ألقت بظلالها على المثلث السياسي والاقتصادي والاجتماعي فتحول العالم بذلك الى بؤرة تستقطب مزيد من الإشكاليات والتجاوزات ستجد الطبقة الشغيلة العالمية نفسها مجبرة على تحمل العبء الأكبر منها ، وهذا ما دفع بالمنظمات العربية والدولية للتحرك على أكثر من مستوى من اجل عمل لائق وحياة كريمة لكل الشغالين على الكرة الأرضية وليس فقط في مغربنا ووطنا العربي الكبير : والسؤال المطروح هو: هل تحولت هذه الشعارات من اطارها التنظيري الصرف إلى إطار آخر تنفيذي مثلما قال الأخ علي بن رمضان عضو المركزية النقابية يترجم على أرض الواقع ويقلل من حجم الضغوطات التي يمر بها العامل العربي بالخصوص؟ وأية قيمة تذكر لشعارات يمكن ان نرفعها ولكنها تظل حبيسة كراسات الندوات والمؤتمرات؟ وهذه كلها إشكاليات محورية ومنهجية لامس من خلالها عدد من المشاركين في الندوة جانب القصور في المنظمات التي أخذت على عاتقها مهمة الارتقاء بالعامل وضمان عمل لائق له ولكن في المقابل هل قدمت النقابات العالمية في إطار الإصلاحات التي تطمح لها منظمة العمل الدولية جملة من التصورات النضالية على سبيل المثال يمكن ان تكون سندا ومرجعا يدفع إلى تغيير المشهد العمالي ويجعله يستعيد عافيته ويكون قادرا على مجابهة غطرسة أرباب العمل وأطماع عولمة ليبرالية متوحشة أقبضت سيطرتها على الأنظمة العالمية وحولتها إلى تابع لها. من المناشدة إلى التكريس الأخ عبد المجيد الصحراوي الأمين العام المساعد للاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي أكد من جانبه استراتيجية الاتحاد القائمة على بحث أفضل السبل للارتقاء بالمستوى المعيشي والنفسي والذهني للعمال من خلال عمل لائق يقطع مع التجاوزات ويولي أهمية كبرى لكرامة العمال معتبرا مصطلح العمل اللائق الذي تصدر معظم الدراسات السوسيولوجية الشغلية الحديثة نقطة الارتكاز في التحول الذي يهدف له الاتحاد المغاربي من اجل واقع شغلي يكون أفضل على كل المستويات . واعتبر الندوة تكملة لما سبق وتطرق له الاتحاد المغاربي في ندوة سابقة حول الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها التي شملت الشغالين في كل أرجاء العالم، وقال ان هذا يوحي بالفعل بأننا في هيكلنا النقابي المغاربي قد انتقلنا من مناشدة واقع شغلي جديد شعاره الأمان لكل الشغالين إلى تكريس هذا الواقع بالبحث العميق والمجدي، وأنهى بالتوقف عند اختيار جهة سوسة لعقد هذه الندوة فأعاد الأسباب إلى التاريخ النضالي لجهة سوسة وأثنى على ديمقراطية مؤتمر الاتحاد الجهوي التي أفرزت صعود مكتب تنفيذي جديد يعمل في كنف الانسجام والاستقلالية وشكر له تقديمه كل انواع الدعم من اجل نجاح هذه الندوة المغاربية وتحقيق كل اهدافها. نعم لهذه الندوات في كلمة ترحيبية بضيوف جهة سوسة أبدى الأخ احمد المزروعي الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة ارتياحه لعقد هذه الندوة المغاربية المهمة تحت إشراف مكتب تنفيذي جهوي جديد مجددا شكره للاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي على اختياره جهة سوسة لعقد هذه الندوة حول العمل اللائق وتمنى لها كل النجاح والتوفيق. بعد الأخ علي بن رمضان: اتحادنا رائد وتشريعاتنا متطورة بعد تجديده الترحاب بأعضاء المكتب التنفيذي الجهوي الجديد يتقدمهم الأخ احمد المزروعي الكاتب العام للاتحاد، حيا الأخ علي بن رمضان جهود هذا المكتب وتحمسه لعقد هذه الندوة في جهة سوسة وتوفير الدعم اللازم لها وابرز أهمية مثل هذه الندوات على مستوى التواصل بين الهياكل النقابية داخل القطر وخارجه بما يعزز أواصر التعاون بينها مؤكدا خيار الاتحاد العام التونسي للشغل الثابت في دعم التوجهات البناءة التي تساعد على لم الصف المغاربي والعربي بصفة عامة. واعتبر موضوع الندوة من المواضيع المهمة التي لها علاقة مباشرة بالعامل، وقال ان هذا المعطى يجعل موضوع الندوة يتفرع عنه جملة من المسائل القانونية والاخلاقية الملحة يختزلها سؤالان محوريان: هل العامل المغاربي والعربي بصفة عامة ينشط ويعمل في إطار حماية تشريعية وقانونية واضحة المعالم وهذا على المستوى القانوني ومن حيث شعور العامل من عدمه بأنه كائن بشري منتج ويحضى باحترام وتقدير المحيطين به وهذا على المستوى الأخلاقي؟ وقال ان استضافة الندوة للأخوين محمد الطرابلسي وعبد الستار منصور كفيل بتوضيح هذه المسائل المهمة لما يحضيان به من خبرة ودقة ملاحظة حول موضوع العمل اللائق الذي استطاع ان يفرض نفسه كمحور جوهري على كل المنظمات النقابية العربية والدولية وكل مكونات المجتمع المدني التي تعاملت معه بصفته رهان من رهانات الطبقة الشغيلة من المحيط إلى الخليج ويحتاج إلى دراسة معمقة لتخفيف العبء عن العمال وتكون منطلقا لواقع جديد يقطع مع استهداف الشغالين وتضييق الخناق عليهم وضرب مكاسبهم. وكل هذا اعتبره الأخ علي بن رمضان جميل ومقبول على المستوى النظري ولكن الأهم في اعتقاده هو كيفية ترجمة ما نحمله من شعارات وما نخرج به من توصيات عقب اجتماعاتنا وندواتنا داخل القطر أو خارجه إلى أفعال وتشريعات ثابتة وذات مفعول يحترمها لوبي الأعراف العربي والعالمي، وأعاد في هذا الإطار استحضار عدد من الاتفاقيات الدولية التي تدعو صراحة إلى ضمان العمل اللائق وحق التفاوض الجماعي وغيرها من الاتفاقيات مشيرا إلى مفارقة غريبة انتبه لها الجميع داخل القاعة وهي عدم احترام بلدان عربية لهذه الاتفاقيات ورفضها تطبيق بنودها رغم أنها مصادقة عليها. وفي المقابل تطبيق بعض الدول العربية لما جاء في هذه الاتفاقيات رغم عدم المصادقة عليها. وابرز الأخ علي بن رمضان باعتزاز في هذه النقطة بالذات تفرد تونس من بين كل الدول بشنّ الاضرابات في الوظيفة العمومية . وحول قراءته لمستقبل العلاقات الشغلية وان كانت ستؤدي إلى تكريس مسألة العمل اللائق طالب الأخ علي بن رمضان بضرورة التنسيق وتكثيف الاجتماعات الهادفة بين مختلف الأطراف النقابية عربيا ودوليا لمراجعة التشريعات والبحث عن الآليات الأنجع التي بإمكانها ان تساعدنا في الحد من معظلات التسريح والخوصصة والتعويضات إلخ... واعتبر الأخ علي بن رمضان ان أية محاولة لسلخ الذات النقابية العربية تعتبر مرفوضة وغير جائزة بالأساس . وجعل من مقارنة وضعنا النقابي مع الآخر العربي والأجنبي المعيار الحقيقي للتأكد من تقدم تجربتنا النقابية وتطورها أو العكس. وأكد في هذا الإطار على تطور المشروع النقابي التونسي معتبرا تجربة الاتحاد العام التونسي للشغل تجربة جد متطورة ومتفردة . ونادى بضرورة التحدث بصوت واحد لتفعيل الاتحاد المغاربي حتى يظل مكسبا يختزل هويتنا النقابية المغاربية . كما استأثرت المتغيرات الدولية باهتمام الأخ علي بن رمضان الذي سأل عن مختلف تأثيراتها السلبية التي أضحت تهدد الطبقة العمالية وقال ان الحل الوحيد يكمن في نظام دولي مبني على أسس التضامن واحترام حقوق الإنسان وتحرك الهياكل النقابية العربية والدولية بفعالية لجعل العمل اللائق أولوية مطلبية تُفرض فرضا ولا تكتسب استعطافا. العمل اللائق مفهوم عالمي وخيار كوني من جهته أكد الأخ محمد الطرابلسي كبير استشاريي منظمة العمل الدولية في شمال إفريقيا في مستهل كلمته أهمية العمل اللائق كمحور أساسي في أجندة عالمية تتجاوز المحلية والقطرية والإقليمية .وقال ان تحديد اولوياتنا في منظمتنا الدولية التي جعلتنا نقر بأهمية العمل اللائق وضرورة تكثيف الجهود لإدراكه نابع من قناعاتنا كمنظمة بأن كرامة العامل لا يمكن ان تتحقق دون هذا العمل مشيرا الى صعوبة المهمة انطلاقا من الظرف الاقتصادي العالمي الصعب وما أفرزته العولمة من استهداف للعمال الذين أصبحوا يعملون في ظروف قاهرة وأحيانا عديدة غير إنسانية بالمرة واستشهد في هذا الإطار بمئات الآلاف من العمال الذين يعملون دون اجر واسترعى انتباهه وضع عمال المطاعم والفنادق وتوزيع البنزين في مصر الذين يعملون ليل نهار مقابل أجرة هي «البقشيش» وقبل ان يمضي في الشرح توقف الأخ محمد الطرابلسي عند ظروف تبني مفهوم العمل اللائق من قبل التنظيمات والنقابات الدولية ليتحول العمل اللائق بذلك إلى مفهوم وخيار كوني جراء أسباب عديدة أهمها شعور الغالبية العظمى من العمال بالقهر والاستلاب وارتفاع عدد العاطلين عن العمل بشكل مفزع، وعدم تمتع من حضي بالعثور على هذا العمل بأجرته كاملة مثلما يقتضي القانون الشغلي. وقدم الأخ محمد الطرابلسي أرقاما مهمة تختزل الوضع المرير للشغالين في العالم من ذلك ان نصف القوى العاملة تحصل على اقل من دولارين في اليوم ، كما يعمل حوالي 12.3 مليون رجل وامرأة في ظروف تكاد توصف بالعبودية . وحتى الأطفال لم يسلموا وتم توظيفهم في هذا الواقع المزري حيث بين الأخ محمد الطرابلسي ان 200 مليون طفل تحت ين الخامسة عشر يذهبون إلى العمل بدلا من المدرسة في إطار علاقة شغلية غامضة تجعل التعرف على مصير هؤلاء الأطفال أمرا غير ممكنا. وانهى بالتأكيد ان حقوق العامل في التنظيم والانظمام إلى نقابة والتفاوض الجماعي مع أصحاب العمل هي الأسس الكفيلة لتحقيق العمل اللائق . كابوس الليبرالية المجحفة الأخ عبد الستار منصور أمين شؤون الثقافة العمالية في الاتحاد الدولي عرج في كلمته على استحالة الحديث عن عمل لائق في ظل مؤشرات بطالة متزايدة وأزمة اقتصادية متفاقمة وقال ان الحركة النقابية بكل مكوناتها جهوية وإقليمية ودولية مطالبة أكثر بمزيد تفعيل التضامن والوحدة لمواجهة تداعيات هذه الأزمة وإعداد البرامج لتدارك الخلل في صلب الليبرالية المجحفة وحذر من الاغترار ومجرد تصور انهيار النظام الرأسمالي والليبرالي لأن هذا الأخير يعرف جيدا كيف يلملم جراحه ليستعيد سيادته الاجحافية من جديد. ولدى تسليطه الضوء على ظهور مصطلح العمل اللائق وتحوله الى مفهوم كوني قال الأخ عبد الستار منصور انه مفهوم صادر بالأساس عن منظمة العمل الدولية أي يستند إلى رؤية تحاول ان توفق بين الأطراف الثلاثة التي تقوم عليها منظمة العمل الدولية مشيرا إلى انه لا يمكن التعامل مع هذا المفهوم بمقاربة أحادية الجانب أو عزله عن سياقه التاريخي في ظل تحولات تاريخية عرفها العالم ولمح إلى استهداف منظمة العمل الدولية من قبل منظمة التجارة العالمية. مداخلات قيمة تضمن جدول أعمال الندوة مجموعة من المداخلات القيمة قدمها الاخوة المنجي العمامي وعبد الرزاق العثمني وعبد الجليل البدوي ولمجد الجملي ومسعودة رحماني من الجزائر وقد اتفقت جميعها على هشاشة الوضع الشغلي والحقوقي والقانوني لملايين العمال الذين لم يعد السكوت عن مأساتهم أمرا ممكنا متسائلين عن سبل تفعيل الاتفاقيات الدولية حتى تكون أداة إنصاف للعمال وليس العكس.