بعد سنين من الدراسة والشقاء والتعب وضياع البصر بين طيات الكتب، وسهر الليالي والحرمان من الطمأنينة والسكينة وراحة الأجفان، علاوة على الجدّ والعناء وبذل الجهود وإفلاس «المكتوب» من صرف النقود، تخرجت مع الآلاف كالعادة وتحصل كل منّا على شهادة، فهتفت: الوداع يا بطاله وحمدًا لله صاحب الجلالة، أن ظفرت بشهادة تفتح الأبواب وتمحو ما للفقر والحاجة من اسباب، وهممت ببيع أثاثنا القديم ولولا ألطاف العليّ العليم، إذ وبينما أنا في غمرة الأفراح أذهب صديقي عني حلاوة النجاح، وقال: بعد أشهر نجتاز امتحان «الكاباس» وبين الكتابي والشفاهي تنقطع الأنفاس، وكم كانت صدمتي أليمة ودهشتي عظيمة، لما أخبرني ان مخترعيه فكروا في نظام جديد لتوزيع الأرزاق على الناس يقوم على التوصيات والرصيد البنكي كمقياس ليزداد الثري ثراء على ثراء ويضرب الفقير الأخماس بالأسداس، وأعلمني انه بعد الانتظار والجهود تكون المماطلة ولا يفلح إلا صاحب الأموال الطائلة، فينال شرف الانضمام الى العمال ويكفيه الله شرّ السؤال، فقلت: والله هذه هي سخرية القدر فمادمنا نملك الاموال الطائلة لم نحتاج للعمل؟! ومن امتلك دواء اليأس ما حاجته للأمل؟! ولكن ماذا نقول في السيد «كاباس» وطباعه والشروط الصارمة التي وضعها أتباعه، فمن اشتراه بالمال عُدّ من الاخيار لاسيما وانه يرفض تسعة أعشار. لقد صار امتلاك شهادة «الكاباس» كبلوغ النعيم وأصبح اجتياز امتحاناته كاجتياز الجحيم ولسنا نملك سوى التحسر على الشباب الذي حطمته البطالة والملل. وأحيا في كل دورة «كاباس» الذكرى السنوية للفشل.