تونسي مقيم بالخارج وتحب تجدد الباسبور متاعك...تبع هذه الخطوات    منجي الرحوي: الاعتقالات شويّة ومنظومة الخراب لم تفكّك بعد    عاجل/ قضية مكتب الضبط: هذا ما قرره القضاء بخصوص طعن عبير موسي..    تفاصيل الأحكام الصّادرة في قضية "التآمر 2"    اجتماع دام ساعة ونصف.. ماذا دار بين ترامب ونتنياهو؟    عاجل/ من بينهم أطفال: استشهاد 20 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على خان يونس..    شخص ينتحل صوت وزير الخارجية الأمريكي ويحاول الاتصال بمسؤولين أمريكيين وأجانب    اليوم كلاسيكو نار في نصف نهائي مونديال الأندية: التوقيت والقنوات الناقلة    كأس العالم للأندية لكرة القدم: تشلسي يحجز بطاقة النهائي بتغلبه على فلوميننسي 2-صفر    طقس اليوم: الحرارة في انخفاض والبحر شديد الاضطراب    وداعًا للشهيلي مؤقتًا...تيارات أوروبية باردة تخفّض الحرارة في تونس!    عاجل : الإعلان عن نتائج المناظرات الوطنية للدخول إلى مراحل التكوين الهندسي بداية من هذه الساعة    عمي رضوان: ''الكره المجاني والسبّ على الفيسبوك يؤلمني''    اختتام الدورة 49 لمهرجان دقة الدولي بعرض "رقوج – العرض": لوحة فنية متكاملة من الدراما التلفزية إلى الدراما المسرحية    جدل حول حذف معلقة "سان ليفان" من برمجة مهرجان قرطاج الدولي والمهرجان يوضح    دواء موجود قدامنا وما كناش نعرفو؟ السر في حليب الجمل    جزيئات بلاستيكية وراء آلاف الوفيات بأمراض القلب في العالم    رئيس الاستخبارات الخارجية الفرنسية: مصير المتبقي من اليورانيوم الإيراني العالي التخصيب لا يزال غامضا    موقع "واللاه" العبري: السعودية أفشلت مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة.. ترامب يوقف المشروع    رضا الشكندالي: على تونس أن تتصرف بدبلوماسية ذكية توازن بين المبادئ الوطنية والمصالح الاقتصادية    العراق.. اشتباكات مسلحة عنيفة بين عشيرة كردية والبيشمركة في أربيل    قصور الساف في صائفة 2025: «ركن الفنون».. مراوحة بين الإفادة والإمتاع    أولا وأخيرا ... بلاد العرب ليست أوطاني    عادات وتقاليد..عاشوراء في سدادة بوهلال .. موروث حي تنقله الذاكرة الشعبية    أكلة من الجهات ...الشمال الغربي.. «الببوش» من موائد البسطاء.. إلى الفنادق والمطاعم الفخمة    السيلية يضم المهاجم يوسف سنانة لمدة موسم معارا من الشمال    وزارة التعليم العالي تعلن غدا عن نتائج الدخول لمراحل التكوين الهندسي..#خبر_عاجل    ملف التآمر على أمن الدولة 2: أحكام بالسجن تتراوح بين 12 و35 سنة... التفاصيل    طقس الليلة.. خلايا رعدية مصحوبة بأمطار بهذه المناطق    القصرين: تراجع صابة التين الشوكي بسبب الحشرة القرمزية    عاجل/ لقاء مُرتقب بين الشّرع ونتنياهو وخطوات باتّجاه التطبيع    الشركة الجهوية للنقل بال&1704;صرين تشرع غدا الاربعاء في استغلال خط نقل بلدي جديد    بطولة العالم للكرة الطائرة للفتيات تحت 19 عاما - مقابلات ترتيبية - تونس - بورتو ريكو 1-3    مأساة في مطار إيطالي.. محرك طائرة يبتلع رجلا أثناء الإقلاع    النادي الصفاقسي يدخل في تربص تحضيري بعين دراهم الى غاية 15 جويلية الجاري    عاجل/ البرنامج الكامل للدورة 59 لمهرجان قرطاج..والفنانون المشاركون..    لطيفة وصوفية ...على ركح مهرجان قرطاج في عيد الجمهورية وعيد المرأة    وفاة كهلين داخل حفرة وهما بصدد التنقيب عن الآثار.. #خبر_عاجل    عاجل/ موعد الصولد الصيفي لهذا العام..    وزارة التجارة تعلن عن هذه الإجراءات الهامّة.. #خبر_عاجل    علاش الكليماتيزور في الكرهبة متاعك ما يبردش؟ أهم الأسباب والحلول    الكاف: تجميع أكثر من مليون و100 الف قنطار من الحبوب ودعوة إلى التسريع في اجلاء الصابة    بفضل شراكة تونسية سعودية.. 52 طفلاً يستعيدون نعمة السمع !    حادث مرور قاتل بهذه الطريق..وهذه حصيلة الضحايا..    رود بالك: زرّ صغير في'' كوموند الكليماتيزور'' ينجّم يكلّفك برشة فلوس في فاتورة الضوء!    الشبيبة القيروانية: تواصل التحضيرات .. ولاعب إيفواري تحت المجهر    تونس: انخفاض في درجات الحرارة وتحذيرات من السباحة بداية من مساء اليوم    الصباح ما يكمل كان بفنجان تاي ولا قهوة... أما شنوّة المفيد فيهم؟    علاش القطن ديما هو الحل في الصيف؟ اعرف السر!    رسميا: النادي الإفريقي يكشف عن ثالث تعاقداته في المركاتو    عاجل/ منظمة إرشاد المستهلك تدعو لإيقاف فوري للشنقال والصابو المخالفة للقانون..    رئيس الجمهورية: أولى الأولويات هي تحقيق العدالة الاجتماعية ودفع الاستثمار ووضع حدّ للفساد    لماذا ألغيت مباراة تحديد المركز الثالث في كأس العالم للأندية 2025؟    بعد الرسامة الدنماركية.. فنان فرنسي يتهم الإعلامية المصرية مها الصغير بسرقة إحدى لوحاته    تاريخ الخيانات السياسية (8): الغدر بالحسين بن علي    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    تاريخ الخيانات السياسية (7): ابن مُلجم و غدره بعلي بن أبي طالب    تذكير بقدرة الله على نصرة المظلومين: ما قصة يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون ؟!..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور الطاهر الهمامي وكاريزما المثقف العضوي
بقلم: مازري مرتضى الزغيدي
نشر في الشعب يوم 27 - 06 - 2009

انقضت مع نهاية هذا الاسبوع 40 يوما على رحيل الاستاذ المرموق والأديب الطلائعي العربي والمناضل النقابي والوطني الدكتور الطاهر الهمامي.. وهو المصاب الذي بعث اللوعة والأسى الشديدين في صفوف عائلته الموسعة وداخل أوساط رفاقه الأوفياء بمختلف أجيالهم وفي الدوائر الجامعية والأكاديمية وبين صفوف تلاميذه وطلبته... وهو المُصاب نفسه الذي إهتزت له بتلقائية صادقة أوساط مناضلي الاتحاد العام التونسي للشغل وأصدقاء الفقيد المخلصين في الحقل الفكري والأدبي والثقافي داخل تونس وخارجها.. بل وحتى نفوس البعض من المناوئين التقليديين لفقيد الثقافة الوطنية في بلادنا وفي الوطن العربي عموما...
I الطاهر الهمامي ليس شاعرا تقليديا :
إن الرجال والنساء الذين عايشوا الفقيد أو تعاشروا أو ترافقوا معه في الساحة النقابية او في الميدان الفكري والثقافي والجامعي، ثم استوعبوه كما حقيقته بالضبط، دون تجنّ او تقديس ودون تهوين او تهويل.. يعرفون جيدا المنجم الفكري والمعرفي والثقافي الأصيل الذي أنتج الفقيد وصاغ شخصيته وصنع مبادئه وثوابته ومكانته وإشعاعه داخل تونس وخارجها...
فالدكتور الفقيد الطاهر الهمامي، المعروف لدى تلاميذه وطلبته بمختلف أجيالهم ولدى زملائه ورفاقه وأصدقائه وأقلام الصحافة بالهدوء النفسي والصفاء الذهني والتواضع والمرح والظرافة والسكينة المذهلة والشخصية المتماسكة... لم يكن إطلاقا شاعرا تقليديا سائدا بالمفهوم «التّرفي» للعبارة: فتاريخ الحركة الثقافية المعاصرة في بلادنا، يشهد للفقيد بأنه منذ مطلع الثمانينيات بالخصوص، كان وظل من المؤسسين الأوائل لحركة الطليعة الأدبية، بل وكان الفقيد العقل الأصيل الذي أنجز وصاغ نظرية الثلاثة أبعاد المتلازمة الفكري والجمالي والاجتماعي كأرضية مرجعية لتلك الحركة الأدبية الناهضة، والمناهضة لأقلام التصوّف والوثنية الجديدة والشعوذة الغيبية وتيار مبايعة السلاطين التي أسقطت أقنعتها بنفسها...
... ومثلما تعرف الأوساط الجامعية والثقافية والنقابية جيد المعرفة، فإن حركة الطليعة الأدبية قد خاضت في ظروف عسيرة للغاية نضالات فكرية وصراعات ثقافية مريرة في وجه مناوئيها التقليديين.. وتوفّقت الى حد كبير في إقتلاع موقع فاعل وحازم في الحقل الثقافي العام، ساهم في تثبيتها على الأرض ودعّم إشعاعها ومكانتها وصانها ودافع عنها الفقيد الباسل رفقة طليعة من صفوة رواد الثقافة الوطنية الحديثة ومناصري الإنعتاق الفكري والاجتماعي، على غرار المختار اللغماني سميرة الكسراوي الحبيب الزناد محمد صالح بن عمر عز الدين المدني محمد معالي فضيلة الشابي...
II الزيتون لا يموت :
إن الرصد الموضوعي الواقعي لجميع مواقع المشهد الثقافي العام في بلادنا، يبوح لنا بأن حركة الطليعة الأدبية بصفتها مدرسة ثقافية متكاملة ومتماسكة قد إنزرعت كنبتة النرجس في تربة الحقل الأدبي التونسي الحديث، وفي تربة العقل الثقافي العام المعاصر وانصهرت في بوتقته الى حد بعيد، رغم المصاعب والزوابع والعراقيل وعواصف المشاحنات: وهو ما يمثل دون ذرّة ريب مكسبا ثقافيا جماعيا ثمينا لفائدة الفكر التونسي الحديث وللبلاد والعباد...
... فخلال ربع القرن الأخير، فاحت الرائحة الزكية لحركة الطليعة، لا فقط داخل رحاب الحقل الفكري والأدبي (وهو الذي أنجبها ثم ترعرعت بين أحضانه)، بل انتشرت بذورها أيضا مع مرور سنوات الاستماتة وإرتقاء الوعي النوعي (الجماعي والاجتماعي) في تربة حقول فكرية أخرى، مثل المسرح والسنما والنقد والفنون التشكيلية والبحوث الأكاديمية والموسيقى...
فالكثيرون من رجال ونساء هذه الحقول الفكرية والفنية والمعرفية، ورموزها المؤثرة البارزة، لا يخفون أبدا استلهام أعمالهم وإنتاجاتهم بهذا القدر أو ذاك من الينبوع الفكري والثقافي لحركة الطليعة.. بل ان العديد منهم يفخرون بالنّهل من ذلك الينبوع ويعتبرون أنفسهم جزءا منه لا ينفصم.. باعتبار ان حركة الطليعة ومن هذه الزاوية تحديدا تعتبر القضية الثقافية جزءا عضويا متماسكا لا ينفصل عن القضية الاجتماعية العامة في أي حال من الاحوال...
... وضمن ذلك المنظور، بدأت الآداب والفنون والبحوث المعرفية ذات الجذور والمرجعيات الاجتماعية، تزدهر مع مرور السنوات نحو تأسيس حركة ثقافية اجتماعية في تناغم جدلي خلاّق مع حركة الحياة الواقعية، يجعل منها من زاوية علم اجتماع الثقافة مرآة أمينة معبّرة، تعكس فعلا واقع حياة الناس بلا مساحيق وتنقل دقات النبض الاجتماعي، دون تزوير...!
وفي هذا السياق.. لا بأس من الاعتراف بالجميل لعديد الرموز والأقلام والهامات التي بفضل إيمانها وثوابتها ومبادئها وثباتها.. أسست الركائز الأولى للأدب الاجتماعي، والمسرح الاجتماعي، والسنما الاجتماعية، والفنون الاجتماعية ذات المنحى الواقعي الحيّ، على غرار (دون ترتيب تفاضلي) عبد الجبار العش يوسف رزوة الميداني بن صالح عبد القادر بلحاج نصر وغيرهم في مجال الأدب.. والمنصف السويسي رجاء بن عمار آمال سفطة وغيرهم في حقل المسرح.. والناصر الطاري والناصر خمير وعمر الخليفي في ميدان السنما...
... وهكذا، فإن حركة الطليعة في تونس وفقيدُنا العزيز واحدٌ من مؤسسيها تكون قد زرعت البذرة الأساسية المباركة لمدرسة الواقعية الاجتماعية، بصفتها نظرية ثقافية محضة تتلازم عضويا مع نبض المجتمع المتحرك، ولا تنهل سوى من ينابيعه الحية الثرية الخلاّقة.. بعد ان واجهت طيلة ربع قرن (وما زالت تواجه) واقع التصحّر الأدبي الأجدب، ومخلفات الإتجاه الفرنكوفوني والاغتراب الثقافي.. ووقفت سدا منيعا أمام ايديولوجية السلاطين، وفي وجه اتجاه التصوّف والسفسطة والتعاويذ الأدبية والشعوذة الشعرية، وعقلية «المثقفاتي» الهجينة المتمترسة خلف البلور المضاد للرصاص داخل الخنادق العاجية والفضية، في قطيعة تامة عن حياة الناس وعن النبض الجماعي الوطني وعن حركة الوعي الاجتماعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.