الوكالة العقارية للسكنى توجه نداء هام للمواطنين..وهذه التفاصيل..    تونس تستقبل أكثر من 2.3 مليون سائح إلى غاية 20 أفريل 2025    عاجل/ مسؤول يؤكد تراجع أسعار الأضاحي ب200 و300 دينار..ما القصة..؟!    عاجل/ جريمة أكودة: الادراة العامة للامن الوطني تكشف تفاصيل جديدة..    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    عيد الاضحى 2025: الأضاحي متوفرة للتونسيين والأسعار تُحدد قريبًا    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    بنزرت: إيقاف شبان من بينهم 3 قصّر نفذوا 'براكاج' لحافلة نقل مدرسي    الليلة: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 15 و26 درجة    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة عمالية في الآجال القانونية لإنقاذ المؤسّسات التّي تمر بصعوبات اقتصادية (الجزء الثاني)
بقلم الاستاذ محمد صالح التومي
نشر في الشعب يوم 01 - 08 - 2009


3 في نقد الآجال وتبيان أهدافها الفعلية،
إن الآجال الواردة بقانون الإنقاذ هي آجال متشابكة كما سبق القول، وهي علاوة على ذلك تصبّ في بعضها البعض إذ يمكن لآجال استشعار الصّعوبات الاقتصاديّة أن تصبّ مباشرة ودون المرور بأية مراحل أخرى في مرحلة التّسوية القضائيّة وذلك عند تقاعس المسّير للمؤسسة عن مدّ القضاء بالتّدابير التّي يلزم اتّخاذها لإنقاذ المؤسّسة، كما يمكن للقاضي عدم المرور بمرحلة المراقبة و إحالة المؤسّسة للغير مباشرة إذا تراءى له أنّ الشّروط قد توفّرت ...و كان الوضع جليّا بالنّسبة إليه من نواحيه الاقتصاديّة حسب اجتهاده ،كما يمكنه عند انعدام إمكانيّة الإنقاذ التّصريح مباشرة بتفليس المؤسّسة و إعلان تصفيتها و الخروج من إطار قانون الإنقاذ...رجوعا إلى أحكام المجلّة التّجاريّة المنظمة للإفلاس وهذه قصة أخرى.
فهذه الإمكانيّات جميعها تكشف في الحقيقة أنّنا أمام فلسفة قانونيّة تهدف بالأساس إلى إنقاذ المؤسّسة كوحدة اقتصاديّة، و إذ تعلن عن هدف ثان ذي طابع اجتماعيّ ملازم لهذا الهدف الأوّل ألا وهو الحفاظ على مواطن الشّغل للعمّال و الأجراء فإنّ هذا الهدف يفتقر إلى الآليّات و الحوافز التّي تفرض تحقيقه و تجسيمه واقعيا، على العكس تماما من الهدف الأساسي ذي الطّابع الاقتصادي الذّي سخر التشريع لفائدته كل التّشجيعات و الحوافز الجزيلة التي نصّت عليها مجلّة تشجيع الاستثمارات.
و هكذا يمكن تلخيص الفلسفة التّي سيطرت على فكر المشرّع عند استنانه لهذا القانون بكونه رأى نفسه أمام ثلاثة حالات متباينة فجعل لكل واحدة منها حلاّ ينسجم مع هدفه الأساسي الذّي هو هدف اقتصادي بحت يبعد فراسخ كثيرة عن الهمّ الاجتماعي الذّي لا أحد سيمنعنا من اعتبار الإشارة المتعلقة به والواردة بالفصل الأول ، تكتسي و الحالة ما ذكر مجرد طابع دعائي لا أكثر ولا أقلّ.
وعودة إلى الحالات الثلاث التي أشرنا إلى اهتمام المشرع بها فإنه يمكن تبويبها كما يلي:
الحالة الأولى هي: حالة معاناة المؤسّسة من صعوبات بسيطة ما يفتح الباب نحو التّسوية الرّضائيّة التّي يتمتّع فيها الأطراف بحرّيّة نسبيّة في الوصول إلى التّصالح، علما بأنّ الإجراءات المنصوص عليها هنا جاءت لتعوّض ما كان يسمّى بالصّلح الاحتياطي الذّي كان منصوصا عليه بالفصول من413 إلى 444 من المجلّة التّجاريّة و التّي تمّ إلغاؤها وتعويضها بالأحكام ذات العلاقة المنصوص عليها بالفصول من9 إلى 17من قانون إنقاذ المؤسّسات. ويمكن القول إجمالا أن هذه الفصول التّسعة تترك للمدين و للدّائنين بمن فيهم الأجراء حرّيّة الاتفاق ...»دون قيود»...( هكذا يقول الفصل13 جديد)على ما يرونه صالحا بما في ذلك جدولة الدّيون و إيقاف سريان الفوائض ،وإن كان ذلك يتم ضرورة تحت إشراف «طرف مصالح» تعينه المحكمة من واجبه إتمام الصلح في الآجال المضبوطة قانونيّا و قضائيّا، فهي لحظة مساومة إذن بين جميع الأطراف يرفض القانون بكامل الغرابة أن يتدخّل فيها لحماية أيّ طرف مهما كان ضعيفا، مثلما هو حال الأجير.فهذه نقيصة لا بدّ من تسجيلها منذ البداية.
أمّا الحالة الثّانية فهي: حالة معاناة المؤسّسة من صعوبات أكثر تعقيدا من الواجب أن يعاينها القضاء بطلب من الأطراف المعنيّة إقرارا لوجود ما يسمّى بتوقف المؤسسة عن الدّفع، و هو الوضع الذي يتميّز بعدم كفاية الموجودات من نقود سائلة و ما يعادلها من وسائل الإبراء الأخرى كي تكون قابلة للصّرف حالا أو على المدى القصير ،فهنا ينفتح الباب للتّسوية القضائيّة ما يمكّن القضاء من وضع المؤسّسة تحت المراقبة مع مواصلتها لنشاطها أو إحالتها أو كرائها أو إعطاءها في وكالة حرّة و كل ذلك في نطاق محاولة الحفاظ على وجودها حتّى لو تمّ ذلك بالتّخلّص من عدد من العمّال الذّين قد يؤدّي التّشخيص المأذون به إلى اعتبارهم زائدين عن الحاجة (نعم هكذا؟؟؟ )، فهنا ينفضح تماما غياب البعد الاجتماعي لقانون الإنقاذ الذي لم يتخذ أية آلية حمائية لمورد رزق الأجراء رغم إعلانه عن ذلك كهدف من أهدافه في فصله الأول كما سلف القول .
أمّا الحالة الثّالثة فهي: حالة وصول المؤسّسة إلى وضع اقتصادي ميؤوس منه فيترتّب على ذلك الإذن بتفليسها أو بتصفيتها وهو ما يحيلنا على آليّات التّفليس المضمّنة بالفصول من 446إلى 596من المجلّة التّجاريّة.وهي خارج تعليقنا في هذه المداخلة.
ويتّضح من خلال هذه القراءة وفي علاقة بالآجال القانونيّة أنّ المشرّع إنّما يفضّل و على الدّوام إنقاذ المؤسّسة كوحدة للاستثمار المالي لا كوحدة تقوم بوظيفة اجتماعيّة، ولذلك فهو خدمة لهدفه الأساسي هذا، قد تعامل مع الحقوق الاجتماعية للأجراء في علاقتها بالآجال و الإجراءات كعبء تنوء به المؤسّسة تتوجب مساعدتها على التّخلّص منه.
في فترة استشعار البوادر الأولى للصّعوبات الاقتصاديّة التّي قد تكون ناجمة عن سوء التّصرّف من قبل صاحب الاستثمار أو حتّى عن فساد هذا التّصرّف مرة واحدة _ وهو احتمال كان على القانون إدراجه بكامل الوضوح ضمن اهتماماته ولكنه لم يفعل _ لم ير ضرورة إشراك العمّال وممثليهم النقابيين في المرصد الذّي هدفه التّفطّن إلى وجود هذه الصّعوبات في حين كان من الممكن سنّ آجال و إجراءات خاصّة من شأنها عرض وضعيّة المؤسّسة على العمّال وهيئاتهم التّمثيليّة ، وفتح الباب أمامهم و بهذه الصّورة للتدخل و في كلّ لحظة في الأعمال الهادفة إلى إنقاذ المؤسّسة بما في ذلك تمكينهم من الآليّات اللاّزمة ومن ضمنها:
المشاركة في مجلس الإدارة،
و شراء الأسهم،
والحصول على القروض الميسرة ،
والمساهمة في اتّخاذ القرارات المصيريّة،
و تنظيم الآليّات التّعاونيّة لتدخلهم،
فهذا ما يمكن قوله كذلك عن فترة التّسوية القضائيّة، إذ من الواضح أنّ المشرّع قد فضّل هدف استمرار المؤسّسة على حساب الدّائنين جميعا مضحّيا عند الاقتضاء بحقوق جميع الدّائنين بمن فيهم الأجراء على وجه التخصيص و حقوقهم الاجتماعيّة بطبيعة الحال ، في حين كان من المشروع عند وجود فساد في التّصرّف أو إسراف أو ميل واضح للبذخ و للتّرف وضع اليد منذ البداية على أملاك المستثمر أو المستثمرين المرتكبين للفساد، أو الميالين إلى البذخ على حساب إمكانيات المؤسسة، و جعلها ضمانة للحقوق الاجتماعيّة للأجراء و لباقي الدّيون، و زجر كافّة التّصرّفات الخاطئة أو الإجراميّة بشدّة كلما وجدت، ما يمكّن من ترشيد التّسيير و خلق حالة من الانضباط المجتمعي الضّروري لأنّه بدون ذلك إنّما يقع فتح الباب نحو الفلتان و الانحلال ولو بدون قصد ، في حين أن الفلتان والانحلال هما أمران لا يليق بأي قانون مهما كانت نواقصه إلا أن يقاومهما بشتى أنواع المقاومة .
ولكنّ العمال لا يظهرون من خلال إجراءات قانون الإنقاذ وآجاله بصفتهم فاعلين اقتصاديين على كاهلهم تزدهر المؤسسات بل يقع التعامل معهم وكأنه لا دخل لهم ولهياكلهم النقابية في أي طور من حياة المؤسسة وهو ما يتعارض في الحقيقة مع فلسفة الحوار الاجتماعي التّي أقرّها التّشريع الاجتماعي في فترة مده والتي برزت من خلال الاعتراف بحقّ الشّغل و ضمان الاستقرار و عدم المساس بالحقّوق المكتسبة و الاعتراف بالحقّ النّقابي و بضرورة تمثيل العمّال في كافّة هياكل الحوار داخل المؤسّسة الإنتاجيّة .
فيتّضح من خلال هذا كلّه أنّنا أمام فترة جزر اجتماعي أتاحتها العولمة بما في جرابها من خصخصة و مرونة تعاقدية و هشاشة حقوقيّة واجتماعيّة و مظالم لا تنتهي كنتيجة لذلك .
فالعمّال في هذا القانون يمكن عند النّهاية الضّغط عليهم أثناء مساومات الفترة الرّضائيّة لإجبارهم
تحت طائلة الخصاصة التّي يتعرّضون إليها على القبول صلحا بمبالغ أقلّ بكثير من حقوقهم الفعليّة ،لأنّ الرّضاء الصّادر عنهم هنا إنما يصدر في الحقيقة نتيجة الظّروف الواقعيّة و العائليّة التّي يعانون منها فيأتي مشوبا بدرجة كبيرة من الإكراه الخفيّ.
فإذا كان الإكراه الظّاهر تنتج عنه حسب الفصل 43 من مجلّة الالتزامات و العقود:إمكانيّة إبطال الاتفاقات، فإنّ الإكراه غير الظّاهر-مهما كان واضحا ومتوقعا فوق ذلك - لا ينتج عنه للأسف أيّ إبطال.بل إنّه يسري ضدّ صاحبه دون رقيب أو حسيب في غياب الحماية القانونيّة ولو في حدّها الأدنى ، وهي حماية كان من اليسير توفيرها قانونيا.
أمّا في فترة المراقبة من مرحلة التّسوية القضائيّة فإنّ الأعمال التّنفيذيّة للعمّال الرّامية إلى استخلاص ديون سابقة لفترة المراقبة لئن نصّ الفصل32 من القانون على إمكانية استثنائها فإنه فتح رغم ذلك الباب لتعطيلها أيضا وذلك إذا رأى القاضي أنّ تنفيذها من شأنه أن يؤدّي إلى منع إنقاذ المؤسّسة ، وهي حالة يمكن أن تكون واردة في كل لحظة ، علما بأنّ الفصل36 من قانون الإنقاذ قد سمح للمتصرّف القضائي في هذه الفترة أن يقترح رأسا إنهاء كافّة عقود الشّغل التّي يرى ضرورة لإنهائها،بل وأن يقترح أيضا التّخفيض في الأجور و الامتيازات ، فأين هنا احترام الحقوق الاجتماعية ، وأين النظرة للعامل كإنسان؟.
فإذا ما انتقلنا بعد هذا كله إلى مصادقة المحكمة على برنامج الإنقاذ ضمن الآليّات و الآجال المنصوص عليها بالفصل38 من القانون فلا بدّ من الوقوف عند الإمكانيّة التّي أتاحها هذا الفصل للتّخلّص مرة أخرى من العمّال و ذلك بالتّنقيص من أعدادهم إلى الحدّ الذّي يسمح بإنقاذ المؤسّسة مع اعتبار إنهاء عقد الشّغل المصادق عليه ضمن برنامج الإنقاذ واقعا في هذه الصورة لأسباب اقتصاديّة و فنّيّة وهو ما يحيلنا على آليّات الفصل21 من مجلّة الشّغل المعروفة.
فهنا بالضبط لا بدّ لنا أن نضيف كلاما آخر على كلامنا الذي ذكرناه في البداية و الذّي صنّفنا بمقتضاه الآجال الواردة بقانون الإنقاذ ونظرنا إليها بمناسبته من كافة الزوايا الممكنة لنقول :إنه هناك إذن زاوية أخرى للنظر إلى هذه الآجال ألا وهي زاوية الآجال الغائبة أو المغيبة: أيّ تلك الآجال التّي لم يعتن المشرّع بالتّطرّق إليها و هي الآجال الحافظة للحقّ الاجتماعي للأجراء و التّي كان من شأنها لو وجدت أن تفرض صيغة تشريعيّة أخرى غير هذه الصّيغة التّي رأينا عليها قانون الإنقاذ بعد تنقيحه على كرّتين.
فهناك إذن:
آجال حاضرة وموثّقة بمتانة ألا وهي آجال الحفاظ على أموال المؤسسات التجارية والصناعية والمصرفية، بل إنه من الواضح أن بعض التنقيحات ما كان لها أن تكون لولا الضغط الذي مارسه تجمع البنوك أو فلنقل» لوبي» البنوك الذي عرف كيف يدافع عن مصالحه ،وكيف يدرج ضغوطه المختلفة في الأروقة التشريعية ويحولها إلى نصوص تشريعية تحمي مصالحه .
و لكنه هناك للأسف آجال غائبة و مغيّبة تماما و هي آجال الحفاظ على البعد الاجتماعي للمؤسّسة المتعلق بما يسمى» الرأسمال البشري» والذي هو أهمّ بعد من أبعاد المؤسسة إذا ما رفضنا الخضوع للفكر العولمي النّيوليبرالي الذّي يسلعن كلّ شيء ولا يعترف بإنسانيّة الإنسان تماهيا مع القانون العام للرأسمالية الذي يعطيه هذا الفكر العولمي طابعه الحاد فقط كما هو معلوم.
4 في بعض الآجال التّي يهمّ العمّال معرفتها،
إن نقدنا لعشوائيّة الآجال المضمّنة بقانون إنقاذ المؤسّسات و التّي اتّضح لنا بصورة جليّة هدفها لا يمنعنا في هذه المداخلة من أن نعرض بعض الآجال التّي تعتبر معرفتها ضرورّة براغماتية بالنسبة للعمّال وذلك لمحاولة الوصول من قبلهم إلى حقوقهم أو قل لما قد يبقى من حقوقهم بعد هذا الذي أوضحناه .
و يبدو لنا هنا أنّه لا بدّ للعامل أن يعرف أنّه بصفته دائنا إذا عقد اتّفاقا رضائيّا مع مسيّر الشّركة و أخلّ المدين بتعهّداته المترتّبة تجاهه عن التّسوية الرّضائيّة مدّة 6 أشهر من تاريخ حلول أجل الوفاء المتّفق عليه وهو أجل طويل حسب اعتقادنا ، فله المطالبة استعجاليا عندئذ بفسخ ذلك الاتّفاق، طبقا لأحكام الفصل 15 من قانون الإنقاذ....
كما إنّه إذا تعذّر عليه استخلاص دينه بطرق التّنفيذ الفرديّة يمكن له أن يتقدّم بطلب لرئيس المحكمة التّي بدائرتها المقرّ الرّئيسي للمؤسّسة للمطالبة بفتح إجراءات التّسوية القضائيّة طبقا لأحكام الفصل 19من نفس القانون مثل غيره من الدّائنين.
أمّا أثناء المراقبة القضائيّة و بعد حصر القاضي المراقب لقائمة الدّائنين السّابقين لفتح إجراءات التّسوية القضائيّة فإنّه على العامل الدّائن التّأكّد من ترسيم دينه خلال الثّلاثين يوما من تاريخ النّشر بالرّائد الرّسمي لأنّه لا يقبل ترسيم دين ظهر بعد ذلك الأجل إلاّ بإذن من المحكمة وحتّى بعد استئذان المحكمة فإنّه لا يقبل ترسيم أيّ دين بعد مضيّ سنة ما عدا ديون الجباية و مؤسّسة الضّمان الاجتماعي.و نحن نعتبر أنّ ديون العمّال نظرا لطابعها المعيشي كان يمكن أن تظفر على الأقلّ بمثل هذا الامتياز البسيط.
و نهاية فإنّه لا بدّ للعامل أن يعرف كذلك أنّ منع أعمال التّقاضي و التّنفيذ الذّي يمكن أن تأذن به المحكمة أثناء برنامج الإنقاذ لا يتسلّط على إمكانيّة: «إقرار المحكمة بوجود الدين و تعيين مقداره»، مثلما جاء هذا بالقرار الاستئنافي الشّغلي عدد40407 المؤرّخ في 09فيفري 1998 و الذّي صدر عن المحكمة الابتدائيّة بتونس برئاسة القاضي السّيّد عبد القادر المستيري، ما يعني أنّ القضاء حرّ في النّظر في الدّعاوى الشغلية التّي تهمّ تعيين مستحقّات الأجراء...وهو أمر هام نسبيا رغم أن هذه الحرّيّة مشروطة بعدم اتخاذ أيّ إجراء تنفيذي لأن ذلك يمس بضرورة استيعاب الدّيون وجدولتها و خلاص أصحابها في نطاق التلاؤم مع برنامج الإنقاذ، ما يجعل الإقرار القضائي بوجود الدين مسألة نظرية لا غير في بعض الأحوال ، والتّعليق الممكن هنا على هذا إنما يندرج ضمن ما أوردناه من نقاشات و ملحوظات أعلاه متعلقة بكيفية تعامل المشرع مع قوة العمل وفي مدى اعتباره لإنسانية العمال، كيفما سلف بيانه.
5 هل من تجاوز ممكن للوضع الحالي؟
يحقّ لنا عند الختام أن نعلن أنّ هذا القانون الذّي عيّن هدفه على غير عادة القانون : إذ تمتنع القوانين عادة عن الإعلان عن أهدافها والذي صرح في هذا النطاق في فصله الأوّل بصورة إشهاريّة أنه يرمي إلى : «المحافظة على مواطن الشّغل «// هكذا بالضبط// ، لم يضع آليّات أو آجالا أو إجراءات تمكّنه فعلا من تحقيق هذا الهدف المعلن عنه فأضاع بهذه الكيفية الهدف الذي أعلن عنه.
وإذ شعر النواب الذين وضعوا هذا القانون و بصورة مبكّرة أنّه يمكن أن يؤدي إلى خلق سلسلة من المؤسّسات التّي تعاني تباعا من الصّعوبات الاقتصاديّة نتيجة مفعول ما يسمى قانون الانعكاس المترتّب عن تعطيل دفع الديون الذي من شأنه أن يمس سلسلة كاملة من المؤسسات المترابطة بالمصالح وبالمعاملات و خاصّة إذا كانت الدّيون الموجودة بينها من النوع الذي يسمح قانون الإنقاذ بتعطيلها مهما كانت أهمّيّتها ما يمكن أن يؤدي إلى تعريض المؤسّسات الدّائنة لهزّات أو حتّى إلى تفليسها الواحدة بعد الأخرى وفي صورة سلسلة مترابطة،
وإذا اكتشف المشرع الرأسمالي تناقضه في هذه الحالة : فهو الذي كان يريد حماية مؤسسة رأسمالية واحدة وجد نفسه يفتح الباب ليحطم بصورة متتالية مؤسسات عديدة فمن هنا سعى إلى التنقيح بل إنه لذلك سارع إلى تنقيح القانون مرتين منذ اتّخاذه سنة 1995 ، مرّة أولى سنة 1999و مرّة ثانية مع نهاية سنة2003 محاولا اختصار بعض آجال التّسوية التّي ظهر بصورة مفضوحة أنّها عشوائيّة أو فضفاضة أو مزدوجة،
و لقد تمّ بمقتضى تنقيحات 2003 و: « أسوة بالتّشاريع المقارنة في البلدان الأخرى إدماج ما تيسّر من إجراءات الفترة التّمهيديّة في إجراءات و آجال فترة المراقبة مع التّخلّي عن ازدواجيّة الإجراءات بحيث يتمّ إعداد برنامج إنقاذ مرّة واحدة و تنظر فيه المحكمة مرّة واحدة و تتّخذ بشأنه قرارا واحدا ممّا يترتّب عنه اختصار الآجال».
مثلما جاء هذا حرفيا بمداولات مجلس النّوّاب في هذا الخصوص تحت عدد15 وبتاريخ 22ديسمبر 2003.ص609.
وهي مداولات تشكل وبهذه الصورة اعترافا لا تشوبه شائبة بعشوائية الآجال القانونية في القانون الذي نحن بصدد دراسته ،
قلنا إذن إنه مهما حاول المشرع الاعتراف بأخطائه السابقة وإصلاحها بالتنقيح المذكور
فإنه يبقى متاحا و تأسيسا على كل ما سبق أن نوسع نطاق اعتراف المشرع بعشوائية الآجال القانونية ، لنجعله شاملا لآجال الحقوق الاجتماعية سواء تلك الموجودة منها أم تلك المغيبة بدون سبب فهذا حق نقابي وقانوني لا يقبل النقاش .
و لكن هل نجحت التّنقيحات المشار إليها في الحدّ من طول الإجراءات ومن عشوائيتها حتى في نطاق ما قصده المشرع وهو يحاول خدمة الأهداف الاقتصادية البحتة؟
إنّنا نجيب بالنّفي: لأنه حتّى في ظلّ هذه الفلسفة التّي قادت المشرّع فإنّنا نعتقد أنّه مازال من الممكن اختصار كلّ الآجال إلى أدناها أو دمج بعضها بالبعض الآخر في أغلب الأحيان مثلما بينا هذا أعلاه في خصوص الفصل 48 على سبيل المثال .
ولا بدّ لنا بعد هذا من الوقوف عند النقاط التالية :
إن هذا القانون سمح أثناء فترة المراقبة في فصله32 بتعطيل كلّ عمل تنفيذي يرمي إلى استخلاص دين سابق، وفتح الباب لمسيّر الشّركة بمجرّد تقدّمه بطلب في فتح إجراءات التّسوية القضائيّة للحصول على مثل هذا الامتياز في تعطيل الديون السابقة بما فيها ديون الأجراء بطبيعة الحال.
كما إنه في الفصل 34 قد أبقى على الأولويّة للدّيون الجديدة مقارنة مع الدّيون القديمة.
ولكنه من خلال ما جاء بهذين الفصلين يتضح أ ن هذه الأولويّة لئن لم تعد مطلقة كما كانت من قبل فإنّها بحكم استمرار وجودها ، إنما تترك الباب مواربا لمسيّر الشّركة للحصول على ديون جديدة بوسائل قد تكون مشروعة أو غير مشروعة وبأهداف قد تكون سليمة أو غير سليمة ما دام بإمكانه الإيهام بأنها: «ضروريّة لمواصلة النّشاط»، طبقا لعبارة القانون، في حين أنّ هدفها الحقيقي هو التّفصّي من الدّيون السّابقة فقط.
وإذا أقرّ مجلس النّوّاب في مداولاته بمناسبة التّنقيح الجديد تحت عدد15 وبتاريخ 22 ديسمبر 2003 و بالصّفحة 608 بوجود «محاولات رامية إلى استعمال أحكام قانون إنقاذ المؤسّسات لبلوغ أهداف و غايات أخرى منها على وجه الخصوص عدم خلاص الدّيون» //بدون تعليق//.
فلقد كان الواجب يقتضي منه أمام هذا الانفضاح وعند إجرائه للتنقيحات التي قام بها رفع سقف التّواجهيّة في الإجراءات إلى أبعد مدى ممكن ، و إيجاد صيغ مجلسيّة تتواجه فيها الأطراف بجدية كاملة حول إجراءات الإنقاذ و النظر في مدى جدوى الديون الجديدة، وإفساح المجال للمحامين للدفاع عن هذا الرّأي أو الآخر عوضا عن تغييبهم ، وفتح المجال لتدخل الخبراء إنارة للقضاء ، لأنّه بدون ذلك يمكن أن تنتعش المغالطات بل يمكن التأثير حتى على القرار القضائي بما من شأنه أن يدخله في أبواب الخطأ في الاجتهاد فينحرف به نحو غايات أخرى تنأى به عن هدف العدل.
حتّى إذا ما وصلنا إلى هدف تحقيق العدل في حد ذاته باعتباره قيمة أساسيّة في العمران البشري فإنّنا نرى أنّ المنظّمات النّقابيّة كممثّلة للطّبقة العاملة من حقّها أن تناضل لا فقط من أجل تحسين الآجال و الإجراءات ومن أجل تشديد الزّجر في قوانين إنقاذ المؤسّسات و هي أهداف دنيا مشروعة بل كذلك من أجل جعل قانون الإنقاذ يندرج ضمن مقاومة أسس الفساد و سوء التّصرّف والتحايل على مستحقّات العمّال و العبث بحقوقهم الاجتماعيّة إيجادا- بواسطة الممارسات النّضاليّة المشروعة - للأطر القانونيّة التّي تخدم مصالح الكادحين وتتصدى للفلسفة الرأسمالية عموما كما لرياح العولمة النّيوليبراليّة التّي تهبّ عاصفة و مسمومة على جميع الأوطان في أيّامنا هذه، و تحاول بتنظيماتها الظالمة و المخالفة لكل المكاسب الإنسانيّة السّابقة أن تفرض نفسها كقدر لا يقاوم، في حين أنّ مقاومتها تبقى متيسّرة لكل ذوى العزائم الصّادقة .
/*/ ألقيت هذه الدراسة في شكل مداخلة على منبر الاتحاد العام التونسي للشغل بدعوة من قسم التشريع والنزاعات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.