الإهداء: الى تلك النخلة الأهوازيّة العربيّة المهرّبة منذ عقود مضت.. الى العاشقين دوما دجلة والفرات.. ذات زمن ليس ببعيد، وبحسب التوقيت المحلّي لأمّة العرب الحزينة وما جاورها من أمم وشعوب وكائنات لا يعلم مدى نضالاتها إلاّ اللّه ، أغارت طائرات الشبح الأمريكيّة على بغداد العروبة فجرا فكان هذا الحدث الذي ننقله بكلّ أمانة .. في ذلك الفجر الحزين كانت القاذفات الأمريكيّة تستبيح سماء العراق وتعربد ملقية بحمم ناريّة حارقة على الأخضر واليابس مستهدفة البشر والحجر ..لم يجد أحد المقاتلين العرب من مكان يقيه أهوال الجحيم الأمريكي سوى إسناد ظهره -العربي العاري و المنهك من طول السفر متسللا بين الحدود العربية المحروسة بجبابرة مردة إلاّ جذع نخلة معمّرة عتيقة.. أخذته غفوة قصيرة ومع تباشير الفجر الأولى المكحّلة بدخان الحرائق وصوت الانفجارات ورائحة البارود، أفاق على همس خفيف..تبيّن أنّه حوار بين النخل والنهرين.. أسرّت إحدى النخلات إلى أختها الكبرى:»أخيّة ماذا يحدث فوق رؤوسنا؟؟» لم تجب الأخت الكبرى تعلّقت بسعفة صمتها، أغرقت في التفكير..ثمّ أرخت جدائلها الممشوقة في الأفق..وطلبت من أخواتها الصغريات أن يفعلنّ مثلها..فردت كلّ النخلات سعفها الأخضر النظر، فغطّت الأرض وحجبت السماء.. كان العاشقان دوما دجلة الفرات يتبرّجان للشمس، يتهامسان برقرقة حبّ و وخرير قبل صباحيّة خاطفة عندما حجبت النخلات الشمس فوقهما.. التفتت دجلة غائرة العينين نشوى من الحبّ..و قالت للنخلة الكبرى: «جارتي الحبيبة، لم نتعوّد منك بعض الجفاء، فكيف بك تحجبين الشمس عنّا؟؟» تنهدّت الكبرى وقالت: «وهل اعتدتما منّي جفاء ؟؟ إنما فعلت ذلك لأمنع عنكما عناقيدا من الغضب ليست من صلبي ولا من نسل أخواتي..فقد حدّثتني السماء أنّ غربانا سوداء معدنيّة تلقي عناقيد من الشهب تحرق سعفي و تعكّر صفاء عينيك الجميلتين، ففردت جدائلي لأحميكما فالأذى سيطالني وأخواتي لا محال، فٍرغبت أمنعه عنكما..» تكلّم الفرات قال:» نعم الجارة والشقيقة والصديقة أنت..دمي الذي يجري في شراييني من اليوم دمك..والنار التي ستحرق سعفك سيطفئها دمعي عليك..» تعانقت النخلات شعبا أخضر وسرى ماء دجلة والفرات دما في عروقها،..هبّ النيل واليرموك و الليطاني و مجردة لنصرة الإخوة والأحبّة..كسرت سدود و غمرت حدود، وتشابك النخل والبرتقال و الأرز والزيتون.. وتوحّد الجمع أمّة واحدة في ملحمة للبطولة والإباء ونكران الذات، ستذكرها الطبيعة وتتناقلها العناصر والكائنات جيلا بعد جيل..